مقالات

بين الكويت وإيرن.. «خليج إسلامي»

راكان بن حثلين

– من يرى ويسمع ويتابع سير العلاقة بين الدول الخليجية و«الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، والقطيعة شبه التامة من قبل بعض الدول، يعتقد أننا نتحدث عن قطبين متنافرين من الكرة الأرضية وبينهما بحور ومحيطات وسلاسل جبلية وتراكمات أزلية من الخلافات.

لكن الواقع هو أن الفاصل بين الدول الخليجية وإيران «خليج إسلامي «عامر بالخيرات، وزاخر بفرص التبادل التجاري والاستثماري والعلمي بين الجانبين، ولكنه يحتاج إلى مبادرات تذيب الجليد، وتكسر حاجز التعصب القومي والمذهبي، وترسم خارطة جديدة من العلاقات، وتبني واقعا جديدا على ضفتي الخليج الإسلامي.
ولا شك أن الكويت تمتلك الحظ الأوفر من إمكانية الاستفادة من موقعها الاستراتيحي الأقرب إلى إيران، وعلاقاتها المثالية التي دشنها صاحب السمو أمير البلاد على مدى تاريخه السياسي، وتوّجها بزيارته الأخيرة الى طهران، والتي شكلت دفعة قوية لتشجيع التبادل الاستثماري والتجاري بين البلدين.

هذه الزيارة للأسف تبعتها خطوات خجولة من قبل الحكومة وأجهزتها التنفيذية، اقتصرت على توقيع بضعة عقود، دون ان تستكمل الأهداف التي رسمتها زيارة سمو الأمير.
وقد يتساءل البعض لماذا إيران؟ وما هي إيران؟ إلا ان من رأى غير من سمع، ومن نظر بعقله إلى حقائق الأمور غير من جعل منظاره النزعات والعصبيات الطائفية والقومية.

إيران بكل بساطة هي بلد جمع بين الصناعة والزراعة والتطور العلمي في مجالات متعددة، كما حقق الاكتفاء الذاتي على المستوى الغذائي والصناعي، حتى باتت «صنع في إيران» علامة مسجلة على مختلف الصناعات، بدءا من الدراجة الهوائية، مرورا بالسيارات والمعدات والآليات، وانتهاء بالطائرات والصواريخ والاسلحة والتكنولوجيا النووية.
لقد استطاع هذا البلد تجاوز خلافاته الداخلية، واستثمار التعددية القومية والمذهبية والدينية في تنويع ثقافاته وتحويلها من عوامل نزاع إلى عوامل للثراء الفكري والثقافي، كما استطاع ان يتجاوز ظروف الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت 8 سنوات، والعقوبات الدولية التي فرضتها دول عظمى، ليؤسس دولة حديثة ومتطورة قادرة على مقارعة هذه الدول، وفرض إرادتها في المحافل الدولية.

هذا التطور يراه كل زائر لإيران، وليس فقط في المباني والمؤسسات، بل حتى في ثقافة المجتمع، ولعل من ابسط الدلائل عليه أنه لا أعقاب سجائر ولا مخلفات في الحدائق العامة، ولا استهتار أو ممارسات متخلفة في الشوارع، ولا كساد او بطالة مقنعة كما هي الحال لدينا.
إيران الشاسعة والمترامية الأطراف تحولت بمختلف مناطقها إلى منظومة اقتصادية متكاملة، تجمع بين العراقة والحداثة، وبين النمو العمراني والصناعي والخدمي والثراء الطبيعي، فضلا عن كونها قبلة سياحية تستقطب السياح من مختلف دول العالم.

وبمجرد النظر إلى الواقع الإسكاني هناك، نتحسر على واقعنا في الكويت، حيث تتميز المشاريع الإسكانية هناك بنظام يجمع ما بين الحفاظ على الحريات والخصوصيات، والتهوية الطبيعية بفضل المساحات الخضراء التي تتوسط البيوت السكنية، ما يعكس بُعد نظر المسؤولين عن التخطيط في ذلك البلد، ومراعاتهم لضرورة امتلاك كل اسرة بيئة صحية لها، ومسكن يلائم مختلف الفئات العمرية، بدلا من تحويل المشاريع الإسكانية إلى أكداس متلاصقة من البناء، لا تتخللها سوى شوارع تعج بالإزعاج، وساحات جرداء لا توجد بها اي حياة كما هي الحال في الكويت.

ولاشك ان من اهم المعالم العلمية التي تتباهى بها الدول، هي المستشفيات والمصحات الطبية، ولإيران بصمة واضحة في هذا المجال، إذ حققت إيران طفرة في التطور في الطب، وتحولت إلى مركز رئيس في المنطقة لعمليات التجميل، وطلب الأسنان، كما تحولت إلى مصدر للأدوية ذات الجودة العالية، بالإضافة الى تطورهم في العقاقير والأدوية المحضرة من الأعشاب والمكونات الطبيعية، وصنعت لها جيلا من الكوادر الطبية قادرة على إدارة مستشفيات على مستوى عالمي، واستطاعت ان توفر الخدمات الطبية بأسعار رمزية لمواطنيها الذين اصبح كل واحد منهم يتمتع بمزايا التأمين الصحي.

لا نهدف هنا إلى جلد الذات، بل نهدف إلى استدراك ما فاتنا من فرص الاستثمار والتطور، وحث مسؤولينا على الاستفادة من التجارب والخبرات الإيرانية، والتعاون مع هذا البلد في مختلف المجالات، من أجل الارتقاء بواقعنا التنموي والاستثماري والخدمي، حيث إنه بالإمكان الاستعانة بالخبرات الإيرانية والتجارب المتراكمة لديهم، والحصول على التكنولوجيا والخبرات والمنتجات الإيرانية الغذائية والصناعية والدوائية الإيرانية بأسعار لا تقارن مع الاسعار العالمية، وبامتيازات تكون للكويت فيها حصة الأسد، بفضل العلاقة المتميزة التي ادخرها صاحب السمو رصيدا للكويت.

يجب ان ننظر إلى إيران كقناة رئيسة للنهضة التنموية في الكويت، وأن نتعامل مع هذا البلد كشريك اقتصادي واستراتيجي لا يمكن تجاهله، أو على الاقل أن نعمل وفقا لقواعد المنطق التي نهضت بالدول الغربية، على أساس ان المصالح هي التي تحدد العلاقات وليس العكس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.