مقالات

متى نعي الحقيقة؟

حسن الهداد

نعلم أن العمل السياسي في النظام الديموقراطي لا يمكن أن يتنفس بشكل طبيعي من غير معارضة حتى لو كانت هناك حكومة ملائكية.
والمعارضة هنا لا تعني أنها خصم مبرمج على محاربة الحكومة على الحق والباطل أو بالأحرى أن المعارضة مجرد صياد غاضب لا يعرف إلا فريسة «الزلة» الحكومية بقدر ما هي ذراع صلبة تملك القدرة على التصحيح، ومن أبرز مهامها تعديل أي اعوجاج قد يحدث أثناء العمل الحكومي، فضلا عن قيامها بتقديم نصائح وتعديلات على اي مشاريع تنموية من خلال تقديم رؤية مرسومة من شأنها تعمل على تطوير النشاط السياسي والاقتصادي والإداري في الدولة.

إذن.. هل المعارضة في الكويت تمارس هذا الأدب السياسي أثناء مشاركتها في المشهد السياسي؟ حتى لا أسترسل في الشرح المفصل عن انحدار مستوى الممارسة التي تنتهجها ما تسمى بالمعارضة التي تفضل دائما أسلوب التأجيج والفوضى والأكثر من ذلك.

هنا فقط أود أن أطرح تساؤلا: هل يعقل بنا أن نصدق معارضة لا تملك أي مشروع وطني أو برنامج يحمل خطة عمل واقعية تتناسب مع أحوال الساحة السياسية على الأقل تصب في خانة حل مشاكلنا التي نعاني منها والتي باتت أشهر من عجائب الدنيا السبع، ويكون مشروعها مبررا أمام الرأي العام ويؤكد على التقاعس الحكومي بشأن الإنجار؟.

هنا أترك الإجابة لكل من يحمل فكرا بعيدا عن ثقافة الانتقام وثقافة الفزعات وثقافة «السطحيين اللي مع الخيل يا شقرا».

نعم صحيح أننا نعاني من قصور حكومي لم يكون وليد اليوم بقدر ما كان حاضرا في عدة حكومات وعدة مجالس أمة كانوا أبطال المعارضة يقودونها، وهذا الأمر لا يمكن أن يغيب عن ذهن المتابع المنصف للشأن المحلي، وحتى الحكومة بنفسها اعترفت بوجود قصور ومشاكل وأخطاء تستحق النقد والتصحيح، ولكن ماذا نحتاج اليوم حتى نتمكن من حل مشاكلنا؟، هذا السؤال دائما ما يتم طرحه مادامت هناك أخطاء من الحكومة وأخطاء من المعارضة حتى وصل بنا الأمر إلى ما نحن عليه اليوم، قلنا في حينها وتحدثنا عن ضرورة الحوار آنذاك ولكن كان عناد ما تسمى بالأغلبية هو سيد مواقفهم حتى بعد ذلك خسروا قواعدهم عندما انكشفت الحقائق أكثر بأن الأمور تتجه إلى المجهول خاصة بمطالبتهم بالحكومة المنتخبة ومادامت القضية تحولت لمجرد عناد وضرب مبرمج داخل دائرة واحدة هنا الأمور بدأت تتضح أكثر بأن ما وراء الأكمة ما وراءها.

أعود هنا للمعارضة الحقيقية التي لا بد من وجودها ونحتاجها مادامت تمارس الأدب السياسي والفن السياسي من خلال كسب التوافق الذي يلامس حاجات الناس مثل حل مشاكل الإسكان والصحة والتعليم ومحاربة الفاسدين بوجود الدليل القاطع بدلا من زج الاتهامات والشائعات ضد الخصوم فقط لإشعال الشارع وكسب البطولات الوهمية تحت عنوان «الشارع بده هيك يا سيدي».

اليوم لا بد من أن نكون أكثر وطنية برفض كل من يسعى للفوضى من كل الأطراف، وعلينا أن نبدأ بممارسة ثقافة المعارضة الحقيقية التي تحقق الأهداف المرجوة بعيدا عن استغلال ثقافة الفزعات الفارغة، ناهيك عن استغلال النفس الطائفي البغيض، والممارسة الحقيقية للمعارضة بحاجة إلى ضمائر حية تعارض من أجل المبدأ وليس من أجل الانتقام، ومن أجل تحقيق مصالح عامة وليس من أجل تحقيق مصالح خاصة.

أقولها وأكررها، تعبنا من معارضة «النص كم»، فالمطلوب إما معارضة حقيقية تعمل من أجل وطن لا تنتهج أساليب الفوضى بمسميات الإصلاح وإما ترك العمل السياسي لمن يحمل راية الإصلاح البيضاء التي لا تتلوث بالمصالح الشخصية وأساليب الانتقام.. فمتى نعي الحقيقة؟

Twitter: kuw_sky

“الانباء”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.