مقالات

قتل بشع.. وقتل أنيق!

-محمد الرطيان

يصفون بعض الحروب بـأنها: «حرب قذرة».. هل هنالك حروب نظيفة؟!

(٢)
هذا «الولد» أربكته كمية الدماء المهدرة في أنحاء الخارطة العربية خلال السنوات الماضية.
اهتزت «هويته» وقناعاته وأحلامه المشروعة بحياة أفضل، ومجتمع أجمل، وقوانين تحترم إنسانيته وخياراته ولا تُفرّق بينه وبين آخر لاختلاف في اللون أو المذهب أو الفكرة أو العرق.
ثم أتت «داعش» لتهز عقيدته… جعلته يطرح أسئلة من هذا النوع:
– لماذا ينتج الإسلام فرقة متوحشة ودموية مثل داعش؟
– هل كل تاريخنا «داعشي» ولم ننتبه.. لأنه «تاريخنا» الذي نتباهى به حتى وإن كانت تفوح من سطوره الدماء؟
يصل إلى قناعة تهز كل قناعاته السابقة، ترتبك روحه وفطرته، يشعر بالغضب من كل ما يحدث حوله، يرى مشهداً متوحشاً لأناس يُكبِّرون.. يكتب عبر حسابه في أحد مواقع التواصل الاجتماعي: أعلنُ كفري بالإسلام!
يا بني.. الإسلام ليس داعش!
أعداء الإسلام لو اجتمعوا ليبتكروا فكرة لتشويه الإسلام لما استطاعوا أن يأتوا بأفضل من داعش.
الفكرة النبيلة لا يهدمها سوى مؤمن أحمق.. آمن بها بطريقة مختلفة، أو متخلفة!
المؤسسات والأفكار المتماسكة / الصلبة لا يهدمها خصومها مهما كانت قوتهم وذكاؤهم.. يهدمها الأنصار عندما يخالفونها أو يشعرون بالتذمر منها.
كل فكرة.. كل نظرية.. كل رسالة ( سماوية كانت أو أرضية) مثلما تنتج المريدين الصالحين الذين يعملون لحمايتها وترويج محتواها ونشره بالمحبة.. تنتج الحمقى أيضاً، الذين يقرؤونها بشكل مختلف، ويتطرفون في تفسيرها، ويكونون الصورة الأسوأ لها.
قال «الولد»: التوحش صفة شرقيّة.. انظر لهذا الغرب الرائع، الرحيم، المتحضر.. لماذا لا نكون مثله؟
قلت: والغرب له تاريخ من التوحش والقتل..
– اقرأ تاريخ الحملات الصليبية وستشم رائحة الدم تفوح في كل صفحة.. سترى بلدات بكاملها أبيدت وأحرق البشر والشجر والحجر فيها.
– الطوائف المسيحية قامت بحروب إبادة ضد بعضها البعض:
في باريس – في القرن السادس عشر – قام الكاثوليك بحرق البروتستانت أحياء، وعروّا نساءهم في الشوارع، وسحبوا أطفالهم منهم، وفي ليلة واحدة أبادوا خمسة آلاف منهم.. وكانت أجراس الكنائس تُقرع احتفالاً بتنفيذ مشيئة الرب على أيدى المؤمنين!
– والأوربي، المتحضر المتديّن – الذي هاجر للعالم الجديد : أمريكا – قام بإبادة شعب بأكمله «الهنود الحمر» فقط لأنهم مختلفون عنه.. وكان يصفهم بأنهم: متوحشون!
ستقول هذه حكايات قديمة استطاعوا تجاوزها… حسناً، هذا الغرب العظيم له الكثير من الحكايات المتوحشة.. سأروي لك حكايات بعض أبطالها ما يزالون على قيد الحياة:
– هتلر أشعل حرباً عالمية قضت على أكثر من ٥٠ مليون نفس بحجة أن العرق الآري الألماني هو الأعظم والأنبل وبقية الأعراق هي الأدنى.
– أمريكا، ودون أن يرف لها جفن أو يهتز ضميرها الأخلاقي، ألقت على هيروشيما ونجازاكي قنبلتين ذريتين لتقتل وتجرح وتشوّه مئات الآلاف من اليابانيين.
– ما يُوصف بأنه «أفظع مجزرة في تاريخ أوروبا» هذا ما فعله الحلفاء المنتصرون عندما واصلوا قصف «درسدن» رغم أن الحرب أوشكت على نهايتها وذلك لينتقموا لقتلاهم.. كانت الأوامر تأتي للطيارين: أفرغوا كل ما تحملون من ذخيرة وقنابل في أي مكان وعلى أي هدف!.. والنتيجة: مسحت المدينة تماماً، و ١٧٠ ألف قتيل، وعشرات الآلاف من المصابين والمشردين.

(٣)
داعش – على سبيل المثال – خرجت في – ومن – منطقة مضطربة، تعيش لحظة تاريخية مرتبكة، منطقة بإمكانها إنتاج أكثر الجماعات – والأفكار – تشوهاً وتوحشاً، نبتت في مكان تحكمه الفوضى، منطقة يحكمها الجهل والقمع والاستبداد … ولكن، ماذا تقول عن دول «متحضرة» ترسل الطائرات بدون طيار لتبيد قرية بأكملها في أفغانستان لأنها «تشك» بوجود عنصر من «طالبان» فيها؟!
هل هنالك فرق بين عصابة أفرادها ملثمون وملابسهم غريبة، وعصابة يلبس أفرادها البدلات الأنيقة؟!
هل هنالك فرق بين قتل وقتل؟!
الغرب يقتل بنعومة، وداعش تقتل بجلافة.. والقتل واحد.
الغرب يذبح بالآلات الحديثة، وداعش تذبح بالسكين.. و« تتعدد الأسباب والموت واحد »
داعش همجية، والغرب متحضر..
الأولى تقتل بشكل بشع، والثاني يقتل بشكل أنيق.. كلاهما: قتلة!

(٤)
هذا العالم المنافق – بساسته وإعلامه – يراقب لأسابيع كيف تُسحب جثث أطفال غزة من تحت الركام دون أن يزعجه المنظر، ويفزعه مشهد ذبح الصحافي الأمريكي.
كلا المشهدين: مفزع ومتوحش ومرفوض.. أنا ضد القتل هنا وهناك.
لا يوجد هنا قتل متحضر وهناك قتل همجي!
والعالم الذي لا يُحاكم نتنياهو كمجرم حرب هو – بقادته وهيئاته ومؤسساته – عالم منافق وكذاب.. وشريك بجريمة القتل.

(٥)
يا بُنيّ.. القتل هو القتل.
هل هناك فرق بين القاتل المأجور والجندي الغربي – على سبيل المثال؟!
– كلاهما قاتل!
– الأول يعمل لدى القطاع الخاص، والثاني يعمل لدى القطاع العام.
– كل منهما يحصل على المال مقابل إزهاق أرواح الآخرين.
– كلاهما، تنفيذاً للأوامر، يقتل شخصاً لا يعرفه!
وكيف يتم التعامل معهما:
– الأول، بحكم القانون، يُعامل كمجرم.. الثاني، بحكم النظام السائد والشرعية، يُعامل كبطل.
– الأول توضع القيود في يديه.. والآخر توضع النياشين على صدره.
أحدهما يقتل خارج القانون، والآخر يقتل ضمن سياق القانون الذي اعتاد عليه الناس.
كم من الأشياء البشعة في حياتنا، وتدعمها شرعيّة ما، ونقبلها لأننا وجدناها بهذا الشكل؟!

(٦)
يا بُني.. هل تظن أننا وحدنا من لديه «داعش»؟!
ما الذي يحدث في أفريقيا الوسطى؟.. ما الذي حدث في بورما؟.. ما الذي حدث في غزة؟.. ما الذي ما يزال يحدث في أماكن متفرقة؟..
يا بُنى.. لا تكفر بالله، اكفر بالساسة..
واكره كل القتلة المتوحشين مهما كانت أسماؤهم وألوانهم وصفاتهم.

“المدينة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.