مقالات

مجدداً.. الكويت مركز لم الشمل العربي

راكان بن حثلين

– وانا استمع قبل أيام إلى مقطع من مقابلة الراحل الشيخ عبدالله الجابر الصباح الذي كان يشغل منصب وزير المعارف في يوم من الايام وهو يردد أقدم نشيد وطني عرفته الكويت، حفظه عندما كان طالبا في المدرسة المباركية في الثلاثينيات، استوقفني البيت الذي يكرس الحس القومي « شباب العرب ألا فانهضوا فنحن في عصر القومية، بعصر فيه الشعوب رقت فهبوا وأحيوا القومية».
اشتقت إلى كويت الماضي، وعاد بي الحنين إلى سنوات لعبت فيها الكويت دورا محوريا ومهماً في القضايا العربية والقومية، عندما كانت القومية لا تزال تزخر بمبادئ وقيم تلاشت واضمحلت في وقتنا الحالي، في ظل طغيان النفس الطائفي على المشهدين السياسي والاجتماعي، وتحول البلدان العربية إلى ميادين للتناحر الداخلي والقتل على الهوية.

ورغم قتامة المشهد، وكثرة التحديات والمعوقات وتداخل الحسابات الإقليمية والدولية، ربما يعود التاريخ بالكويت لتكون قطب الرحى في إعادة لم الشمل العربي، وقيادة عملية لصلح ذات بين الأشقاء العرب، وفتح صفحة جديدة تطوى على اثرها الصفحة الدامية التي تعيشها الأمة العربية.

وربما قدر الكويت ان تكون مركزا للم الشمل العربي، بعد أن نالت تسمية «مركز عالمي للعمل الإنساني»، ولقب قائدها بـ «القائد الإنساني» من قبل الأمم المتحدة.
ولم لا ؟ فالكويت رغم صغر حجمها وامتدادها الجغرافي، ومحدودية امكاناتها، استطاعت ان تلعب دورا مهما في حل الكثير من الخلافات العربية – العربية، بل وحتى الخلافات العربية الإسلامية، إذ كانت مرتكز مفاوضات تسوية الحرب الطاحنة التي دارت بين إيران والعراق على مدى 8 سنوات، واستحقت لقب «بلد الصداقة والسلام» عن ذلك الدور الذي أعاد للمنطقة شيئا من الاستقرار، ولكنه استقرار لم يدم طويلا حيث قاطعه الغزو الصدامي الغاشم للكويت.

والكويت كانت قلعة لنصرة القضايا العربية، وشكلت نواة لولادة العديد من الحركات القومية، ولاسيما حركات التحرر الفلسطينية التي كانت ولا تزال تدين بالفضل للكويت في احتضانها ورعاية نشأتها ماديا وسياسيا، ناهيك عن دور الكويت في رعاية مختلف الأنشطة الثقافية والفكرية العربية بكل الامكانات المتاحة، والحرص على أن تكون القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية حاضرة في هذه الفعاليات، لتكون في قلب ووجدان كل مواطن عربي.

ولعل الظروف الحالية، وولادة تحالف دولي لمحاربة التطرف والإرهاب في المنطقة العربية، واقناع كل الأطراف بأن استمرار الحروب الدائرة في المنطقة، والقطيعة الدبلوماسية بين قادة وحكومات بعض الدول العربية، كل هذه العوامل تشكل مدخلا مناسبا لجلوس القادة العرب على طاولة حوار، تبدو الكويت البلد الأنسب والأكثر قبولا لاستضافتها، بفضل السياسة الحكيمة التي اتبعتها القيادة السياسية، والخطاب المعتدل البعيد عن التطرف الذي التزمته طيلة أحداث ما يسمى بـ «الربيع العربي».

الكويت مؤهلة للعب هذا الدور الذي سيسجله لها كل إنسان يحمل الهم العربي، ويعرف حقيقة ما يحاك لهذه الأمة من مؤامرات ومخططات نجحت في تحقيق العديد من أهدافها، ويأمل في صحوة لهذه الأمة تنتشلها من غياهب النزاعات والصراعات التي تقودها إلى الدمار والانهيار والتفكك الممنهج.

وفي سبيل تحقيق هذا الهدف الذي يتماشى مع دورها كمركز للعمل الإنساني، وينسجم مع مبادئها التي تنادي بالسلام والاخوة العربية، قد تواجه الكويت بعض الصعوبات، بسبب إصرار البعض على أنه «لا حوار» ولا جلوس على طاولة تجمعهم بخصومهم من الزعماء العرب، وقد يتمسك البعض بالثبات على موقف «الصقور» التي ترفض الظهور بوداعة حمائم السلام، إلا أن العقل والمنطق ومصلحة الأمتين العربية والإسلامية تفرض على كل حريص على مصلحتهما أن يقدم بعض التنازلات من أجل وقف نزيف دماء الأبرياء، والإبقاء على شيء من القوة والكرامة للأمة العربية، قبل ان يتحول الجميع إلى «صيصان» يمزق أحشاءها غول الإرهاب والتطرف، أو تدجنها سطوة وتحكم الغرب.

“النهار”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.