فرانكشتاين الأمريكي
فرانكشتاين رواية في الخيال العلمي ظهرت في نسخ وأفلام عديدة. وتدور قصتها حول دكتور جراح يدعى “فرانكشتاين” يبحث عن سر الحياة من خلال صنع إنسان خارق، ولكي يثبت وجهة نظره يعمد فرانكشتاين إلى سرقة الجثث وانتزاع الأعضاء المتفوقة منها ثم يعيد لحمها لتركيب “الرجل الخارق”. ولكنه يرتكب خطأ فيكتشف أن مخلوقه غاية في القبح، وقبل أن تدب الحياة في المخلوق المسخ ببرهة يهرب فرانكشتاين من مختبر الجامعة. يعود فرانكنشتاين إلى بلدته ويتزوج ولكن المسخ يقتل زوجته في نفس ليلة العرس ويموت أب فرانكنشتاين حزنا من الأحداث الرهيبة التي قاستها العائلة. يقرر فرانكنشتاين البحث عن المسخ ليقتله بعد أن أدرك أنه أرتكب خطأً فاحشاً في صناعة المخلوق المسخ.
علاقة فرانكشتاين بمخلوقه المسخ تبدو شديدة الانطباق على العلاقة بين أمريكا وتنظيم داعش فيما عدا أن فصول القصة لم تكتمل بعد في حالة أمريكا وداعش، حيث لم تصل أمريكا إلى قناعة فرانكشتاين بضرورة تدمير المخلوق المسخ. لابد للإنسان أن يكون على درجة كبيرة من السذاجة لكي يصدق أن محاربة داعش هو الهدف الحقيقي للحلف الذي تعمل الولايات المتحدة على تكوينه والذي وصل عدد الدول التي أنضمت إليه حتى الآن إلى أربعين دولة. الولايات المتحدة أعلنت أن الحرب على داعش لن تكون سهلة وأنها سوف تستغرق وقتاً قد يصل إلى ثلاث سنوات وأن تكلفة هذه الحرب سوف تصل إلى 500 مليار دولار.
هل يمكن لعاقل أن يصدق أن الولايات المتحدة التي دمر سلاحها الجوي الجيش العراقي بكل قوته عام 1990 إثناء حرب تحرير الكويت خلال 45 يوماً وأن طائراتها المتطورة التي دمرت دولة طالبان عام 2001 خلال أقل من ثلاثة أسابيع تحتاج إلى ثلاث سنوات للقضاء على عصابات داعش التي لا يزيد تعداد مقاتليها على أعلى تقدير عن خمسين ألفاً. ومما يزيد الشكوك في حقيقة أهداف الحلف الجديد الذي يزعم أنه للقضاء على داعش أنه يضم دول ساعدت على وجود وتقوية داعش، فلا يستقيم عقلاً الاستعانة بالمحرض على القتل في محاربة القاتل.
لو كانت أمريكا جادة في مسعاها للقضاء على داعش –كما تزعم- لطلبت من السعودية منع مواطنيها الذين يشكلون غالبية المقاتلين الأجانب في صفوف داعش من السفر “للجهاد”، ولطلبت من حليفتها المقربة تركيا بمنع تدفق “الدواعش” عبر حدودها إلى سوريا ومنها إلى العراق، ولطلبت من حليفتها الأخرى قطر بالتوقف عن تمويل داعش وربيباتها بالأموال، ولطلبت من بقية دول الخليج وفي مقدمتها الكويت التشديد على التحويلات المالية التي تذهب لتمويل داعش. لو كانت أمريكا صادقة في كبح جماح داعش لنفذت الاتفاقية الأمنية الموقعة مع العراق ولزودت الحكومة العراقية بالطائرات والأسلحة والمعلومات الاستخباراتية التي يحتاج لها الجيش العراقي لمحاربة داعش بدلاً من أن يقتصر تزويدها للسلاح على البيشمركة الكردية.
لا يحتاج المتابع للأحداث السياسية الأقليمية والدولية إلى ذكاء كبير ليعرف أن أمريكا تريد أن تعود إلى المنطقة مرة أخرى، وأن “محاربة داعش” هو حصان طروادة الذي تمتطيه لتحقيق ذلك. ورغم أن الكثيرين يعتقدون أن خطط أمريكا “ما تخرش المية” فإن التجارب أثبتت أن العم سام يتمتع بقدر كبير من الحماقة والغباء الشديد وأنه لا يتعلم من أخطائه، ولكن المشكلة أن شعوب المنطقة في كل تجربة أمريكية هي من يدفع ثمن هذه الحماقة والحسابات الخاطئة. خلاصة القول أن ما في فخ “التحالف” أكبر من عصفور “داعش”.
د. صلاح الفضلي
Salahma@yahoo.com