الحوثيون يهددون استقرار اليمن ويفرضون شروطهم
تغير المشهد السياسي اليمني مؤخراً بشكل كبير، بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، الأحد الماضي، فبدلاً من تسليم أسلحة الجماعات المسلحة التي من بينها جماعة الحوثي إلى الدولة بناء على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، تحول المشهد بطريقة معاكسة إلى نزع سلاح الدولة من قبل الحوثيين.
اجتياح صنعاء
وتشهد العاصمة اليمنية صنعاء غياباً تاماً لمظاهر الدولة والأجهزة الأمنية والعسكرية، في عموم الشوارع، مع توسع مساحات انتشار مسلحي جماعة الحوثي في المناطق الجنوبية لصنعاء.
ومازال المسلحون الحوثيون يسيطرون على المقار الأمنية والعسكرية والحكومية التي استولوا عليها، ولم يتم تسليمها للدولة بعد.
وتوسع انتشار المسلحين في شوارع حدة والزبيري في الجهة الجنوبية للعاصمة صنعاء، ونصبوا نقاط تفتيش في عدد من التقاطعات في تلك الشوارع، وقطعوا بعض الطرق الفرعية في منطقة “حدة”.
وجاب عدد كبير من السيارات وعلى متنها عشرات المسلحين من جماعة الحوثي شوارع صنعاء، بالإضافة للسيارات المنتشرة في التقاطعات، وبالقرب من المؤسسات الحكومية والخاصة الكبيرة.
ميدان التحرير هدفا
وبعد أن أحكمت جماعة الحوثي المسلحة قبضتها على مفاصل الدولة اليمنية، باجتياح شامل للعاصمة صنعاء، وبعد يوم من احتفالها بما وصفته بـ”يوم النصر”، وإسقاط الجغرافيا، بدأت الجماعة زحفها على ميدان التحرير، رمز ثورة 26 سبتمبر، التي أطاحت بالحكم الملكي لليمن في العام 1962.
وحشدت جماعة الحوثي، أمس الثلاثاء، أنصارها إلى ميدان التحرير، في قلب العاصمة صنعاء، للاحتفال باجتياحهم المسلح لها، وهو الميدان الذي ظل، طيلة 5 عقود، رمزا للثورة اليمنية “السبتمبرية”، حيث توقد منه “شعلة الثورة ” عشية يوم 26 سبتمبر من كل عام، كما يحتوي على “الدبابة” التي قصفت “قصر البشائر” التابع للإمام البدر، نجل الإمام “أحمد حميد الدين”، آخر أئمة الدولة المتوكلية في اليمن.
وقطعت جماعة الحوثي جميع الشوارع المؤدية إلى ميدان التحرير، عصر أمس، وجهزت لاحتفال ألقى فيه زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، كلمة متلفزة، نقلتها قناة “المسيرة” التابعة للجماعة، عبر شاشات عملاقة نصبت في المكان.
يوم وطني للحوثيين
وأعلن زعيم الحوثيين عن الاحتفال بـ 21 سبتمبر، كيوم وطني، وهو اليوم الذي سقطت فيها صنعاء في يد جماعة الحوثي المسلحة، بعد معارك عنيفة توجت أسابيع احتجاجية نفذها الحوثيون، وذلك قبل أيام من الاحتفال بالذكرى الـ52 لثورة 26 سبتمبر، التي قامت في شمال اليمن وطوت الحكم الإمامي.
يقول الباحث والمحلل السياسي، محمد ناجي أحمد، أن “الحوثيين سيوقدون شعلة 26 سبتمبر، في اليومين القادمين، إعلانا بانتصارهم عليها، لأنهم مازالوا بحاجة إلى غفلة الناس كي يسرقوا شعلة الثورة “السبتمبرية” من قلوبهم وعقولهم”.
ويقول الكاتب الصحفي، جمال حسن، “التحرير رمز لثورة سبتمبر, لكن الحوثي يسعى إلى اقتلاع المكان من مضمونه التاريخي وطمس هويته وإعادة صياغته ضمن تاريخ الجماعة”. مضيفا، “ربما في المستقبل يغيرون حتى اسمه، أو أن التحرير كمضمون ثوري، سيعيدون نسبه إليهم فقط، وطمس ثورة سبتمبر من الذاكرة، بإحلال بديلها الخاص بهم، أي 21 سبتمبر 2014، كبديل لـ26 سبتمبر، بكل أبعادها”.
اجتياح اليمن
وحول احتمال أن يمتد الاجتياح الحوثي إلى خارج العاصمة صنعاء، يقول الصحفي اليمني، جمال حسين، إن تحذير زعيم الحوثيين لمحافظات مأرب، شمال شرقي البلاد، والبيضاء، هي رسالة تتضمن استعداد جماعة الحوثي لتدشين حرب هناك، للسيطرة على تلك المناطق، وتأمين الجغرافيا القبلية، ثم بسط السيادة على إب، تعز، والحديدة، لأنها ستسقط بسرعة كبيرة.
نزع أسلحة الدولة
وتعرض الجيش اليمني، خلال الأيام الماضية، لأكبر عملية استيلاء على أسلحته من قبل جماعة الحوثي، التي سيطرت على العاصمة صنعاء عقب اشتباكات عنيفة مع قوات في الجيش.
ووصف مراقبون عملية الاستيلاء على الأسلحة من قبل الحوثيين، بأنها عبارة عن نزع لأسلحة الدولة اليمنية التي وقعت اتفاقاً مع جماعة الحوثي لإنهاء الأزمة، بعد أسابيع من احتجاجات الحوثيين المطالبين بإسقاط الحكومة وإلغاء قرار رفع أسعار الوقود.
وقام مسلحون حوثيون، خلال الأيام الماضية، بنقل كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة من عدة مقرات عسكرية وحكومية، عقب سيطرتهم على العاصمة، حيث نفذ مسلحون حوثيون عمليات استيلاء على الأسلحة من مقر المنطقة العسكرية السادسة شمالي العاصمة صنعاء، والتي تعد من أهم المناطق العسكرية السبع التي هي مجمل المناطق العسكرية في البلاد.
كما قام مسلحون حوثيون بالاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة من مقر قيادة القوات المسلحة وسط العاصمة صنعاء، بعد أن سيطروا عليها ورفعوا شعار الجماعة على مقرها.
وسيطر مسلحو جماعة الحوثي على عدد كبير من المدرعات والدبابات والدوريات من عدد من المقرات الحكومية، أبرزها التلفزيون الرسمي والإذاعة الرسمية، بالإضافة إلى الاستيلاء على أسلحة من مقر معسكر الخرافي بالقرب من مطار صنعاء.
اتفاق يمني- حوثي
ووقع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، قبل يومين، تحت وطأة اجتياح عسكري “حوثي” لصنعاء، على اتفاق مع الحوثيين، بحضور مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، ومندوبي الحوثيين، وبعض القوى السياسية اليمنية.
ومن أبرز بنود هذا الاتفاق، تشكيل حكومة كفاءات في مدة أقصاها شهر، وتعيين مستشار لرئيس الجمهورية من الحوثيين، وآخر من الحراك الجنوبي السلمي.
ووصف زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي ما حدث في اليمن بثورة كل اليمنيين، مشيراً إلى أن الاتفاق الذي وقع مع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، يلبي مطالب الشعب الرئيسية.
وقال الحوثي، في كلمته المتلفزة، أمس الثلاثاء، إن “هذا الإنجاز هو مكسب للشعب اليمني بأجمعه، هذا الإنجاز المتمثل أيضاً في صيغة الاتفاق الذي يعتبر عقداً وصيغة سياسية جديدة، وطنية يمنية، تلبي مطالب الشعب الرئيسية”.
مؤامرة كبيرة
ومن جانبه، قال الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، في أول تصريح له عقب الأحداث الأخيرة في بلاده، إن ما حدث في اليمن “مؤامرة كبيرة أعدت سلفاً وتحالفت فيها قوى خارجية وداخلية وتجاوزت حدود الوطن”.
الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي
وقال هادي، في لقاء مع الوزراء وبعض أعضاء مجلسي النواب والشورى، “لم أستلم دولة واستلمت جيشاً وأمناً مقسمين، ولم يكن بالإمكان إصلاح كل ذلك، خلال السنوات التي مضت”.
اجتماع أصدقاء اليمن
تشارك حكومات المملكة المتحدة والسعودية واليمن، برئاسة اجتماع أصدقاء اليمن الذي يعقد اليوم الأربعاء، في نيويورك.
ويفتتح وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، الاجتماع، الذي يشارك برئاسته، إلى جانب نظيريه السعودي واليمني.
وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند
وفي ضوء القتال العنيف الذي شهدته صنعاء مؤخرا سيكون الاجتماع “هو أهم اجتماعات مجموعة أصدقاء اليمن حتى الآن، كونه يوفر الفرصة للمجتمع الدولي للاستجابة والرد على التطورات الجارية والدعوة إلى وقف العنف وتنفيذ اتفاق السلام”.
وقال تقرير لوزارة الخارجية البريطانية، إن “اللجنة التوجيهية لمجموعة أصدقاء اليمن، ستقدم تقريرا حول التقدم الحاصل من قبل مجموعات العمل الأمنية والسياسية والاقتصادية، ولجنة صياغة الدستور، والهيئة الوطنية لرصد تنفيذ نتائج الحوار الوطني، والاستعداد للانتخابات”.
وأضاف التقرير، “ستناقش المجموعة أيضا كيف تم إيصال وتسليم التعهدات المالية التي قُطعت خلال اجتماعي أصدقاء اليمن في نيويورك، واجتماع الرياض للدول المانحة في عام 2012”.
مجلس الأمن
قال أعضاء مجلس الأمن الدولي، إن الرئيس عبد ربه منصور هادي، هو الذي يمثل السلطة الشرعية القائمة، طبقا لنتائج الانتخابات، وبنود مبادرة مجلس التعاون الخليجي.
وطالب المجلس، في بيان صدر مساء أمس الثلاثاء، جميع الأطراف في اليمن، بمن في ذلك جماعة “الحوثيين”، بضرورة الالتزام الصارم بجميع بنود اتفاق السلام والشراكة الوطنية الذي تم التوصل إليه الأحد الماضي.