
إسلام والغاضبون
يقول اسلام بحيري في برنامجه اليومي على «القاهرة والناس» ان عدد 105 آيات في القرآن الكريم ذكرت النار، و77 آية منها ذكرت جهنم، ولا مرة منها كانت موجهة لفرد مسلم، ومع ذلك يكثر خطاب تهديد المسلمين بالنار والجحيم من قبل مشايخ دين ودعاة أخذوا وكالة الدين لأنفسهم، وصاروا يتلذذون بإخافة الناس، واثارة الرعب في قلوبهم، في خطب الجمعة، وفي دروسهم وبرامجهم على التلفزيونات، دع عنك المتطرفين منهم الذين يعتبرون أنفسهم الهادين المهتدين، وهم الفرقة الناجية من النار، أما الآخرون فكفّار، خارجون عن الملة، يستحقون الذبح كالنعاج، وان شهدوا بالوحدانية.
لم يفعل اسلام في برنامجه هذا أكثر من دعوة الناس لاستعمال عقولهم التي رزقهم الله اياها للتفكير والتمعن في آيات القرآن الكريم الذي أنزل على الناس جميعا، والاهتمام بسياقها، خاصة ان الله جل وعلا هو من الدّاعي للتدبر، (أفلا تتدبرون) والتفكر (ألا تتفكرون) واستخدام العقل (ألا تعقلون). تابعت حلقات اسلام منذ شهر رمضان الماضي ولا زلت أحرص على متابعته، والرجل كوّن له أعداء كثراً من مشايخ ودعاة، عرّى أفكارهم، ومزّق حجبهم، وأضعف حججهم، وبيّن قيامهم بتسخير الدين كي يخدم أهدافهم وأفكارهم، فطفقوا يشوهون صورته، باختيارهم مقاطع من برامجه بما يخدم أهدافهم، ويضعون لها عناوين نارية صادمة، ثم يقومون بعرضها عبر وسائل الاتصال الاجتماعي لاثارة ضجة حوله باعتباره كافر ومرتد عن الاسلام، ولأن العرب والمسلمين عاطفيون أولا، ولا يتعبون أنفسهم في البحث عن الحقيقة ثانيا، فسيصدقون ما يشاهدون، وستنزل اللعنات على رأس الرجل، مصحوبة بالحوقلة والتحسّب على الرغم من ان حلقات البرنامج الذي مضى عليه بضعة أشهر موجودة كاملة على اليوتيوب لمن أحب الاطلاع عليها، وفهم محتواها، وتبين الحقائق منها ثم تحكيم العقل فيها.
لم يتطرق اسلام في برنامجه لثوابت الدين كالعبادات المنصوص عليها في القرآن والأحاديث الصحيحة في السنة، ولكنه ذهب الى أمور ليست في الدين، وجعلها المشايخ كذلك، بل وألزموا الناس فيها، ومن لا يلتزم بها يستحلون دمه. من يتابع هذا البرنامج يخلص الى ان مشكلة بعض المسلمين الرئيسية هي في التقديس المطلق لرجال دين تفصل بيننا وبينهم مئات السنين، رافضين تمحيص كتبهم وآرائهم، واخضاعها للعقل والمنطق، ومقارنتها مقارنة صحيحة بما جاء في القرآن، ما يجعلنا نرتكب نفس الأخطاء باستمرار. العقل هبة من الله للناس جميعا، وهو ليس حكرا على السابقين، وان كان الأولون بمجموعهم أفضل من التالين بمجموعهم، فلا يعني هذا ان كل واحد من الأولين هو بالحتمية أفضل من كل واحد من التالين، وبالضرورة ليس شرطا ان يكون كل شيخ دين من الأوّلين هو أكثر فهما وتبحرا في الدين من كل شيخ دين ومفكر من التالين، ما يتطلب النظر في كتب السابقين وتمحيصها خاصة ما كان منها السبب في التخلف والتعصب والتشدد، والمعارك الدائمة التي نعيشها كمسلمين، بنتائجها الوخيمة على الجميع.
عزيزة المفرج
almufarej@alwatan.com.kw



