محلي

د.الرداس: «داعش» جُهّال وخوارج العصر وإرهابيو هذا الزمان

* أتوقع نهاية «القاعدة» قريباً.. و«داعش» سيضعف في أماكن مقاومته ومكافحته وبصدد الظهور في أماكن أخرى
* علينا الوصول إلى الشريحة الكبرى من شبابنا وإزالة الأفكار التكفيرية عن طريق مشروع وقائي وعلاجي
* تجنيد الشباب الخليجي خاصة السعوديين والكويتيين يتم على مرحلتين بزرع الشبهات التكفيرية ثم إحكام السيطرة عليهم بالعزلة البيئية والاجتماعية وتغيير الهوية

حوار: أسامة دياب

أكد الباحث المتخصص في الفكر السياسي عند الجماعات التكفيرية والإرهابية د.فراج الرداس أن «داعش» أو من سموا أنفسهم الدولة الإسلامية في العراق والشام «جُهال وخوارج هذا العصر وإرهابيو هذا الزمان». وأوضح في حوار مفصل مع «الأنباء» أن بيعة وخلافة البغدادي حزبية وباطلة لأن أهل الحل والعقد عندهم مجهولون وأكثرهم مرتزقة، مشيرا إلى أن هذه البيعة تمت بغير مشورة المسلمين.

وتوقع د.الرداس أن تكون نهاية تنظيم القاعدة قريبة، فيما سيتقلص «داعش» في الأماكن التي تتم فيها مكافحته ومقاومته لكنه يعاود الظهور في أماكن أخرى.

وفصل د.الرداس طرق «داعش» في تجنيد الشباب الخليجي، خاصة السعوديين والكويتيين، على مراحل، لافتا إلى سعي التنظيم لإحكام السيطرة عليهم بالعزلة البيئية والاجتماعية وتغيير الهوية. وحذر من المواقع التكفيرية المتطرفة، داعيا الى تشكيل فريق متخصص يرصد ويتابع هذه المواقع ويوصي ويعمل على حجبها حماية لشبابنا.

وفيما يلي التفاصيل:

تعرف أن موضوع «داعش» شغل الناس إقليميا وعالميا، نريد أن تعرفنا بشكل مختصر كيف نشأت «داعش»؟

٭ إن نشأة هذا الفكر التكفيري المتطرف تعود في جذورها إلى أبي مصعب الزرقاوي الذي أسس جماعة التوحيد والجهاد في العراق عام 2004م. وفي عام 2006م أعلن الزرقاوي مبايعته لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ليصبح هذا التنظيم فيما بعد فرعا من فروع تنظيم القاعدة، حيث أطلق عليه مسمى: «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين».

وبعد مقتل الزرقاوي في غارة جوية أميركية تولى قيادة هذا التنظيم أبوحمزة المهاجر خلفا له. وبعد أبي حمزة المهاجر تولى قيادة هذا التنظيم أبوعمر البغدادي، ثم صار هناك تغيير في مسمى هذا التنظيم ليصبح اسمه فيما بعد «دولة العراق الإسلامية».

وفي عام 2010م قتل أبوحمزة المهاجر وأبوعمر البغدادي في غارة أميركية، وبعد مقتل الزعيمين المهاجر والبغدادي رشح مجلس شورى هذا التنظيم أبا بكر البغدادي ليكون زعيما لـ «دولة العراق الإسلامية» فرع تنظيم القاعدة في العراق.

وكان لتنظيم القاعدة فرع آخر وهو: تنظيم القاعدة في بلاد الشام «جبهة النصرة» تحت قيادة أبي محمد الجولاني، ومعلوم أن كلا الفرعين يتبع تنظيم القاعدة وبيعة زعيمه أيمن الظواهري الذي خلف ابن لادن.

وبما أن كلا الفرعين يتبع تنظيم القاعدة، فقد صار هناك اقتراح بدمج الفرعين باسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، والتي رُمز لها بـ «داعش»، جاء هذا الإعلان على لسان أبي بكر البغدادي أمير دولة العراق الإسلامية. ولكن أبا محمد الجولاني أمير جبهة النصرة أعلن رفضه لهذا الدمج، محتجا بأنه لم تتم مشاورته في هذا الأمر، ولم يعلم بذلك إلا عن طريق وسائل الإعلام، معلنا بعدها تجديد بيعته لأيمن الظواهري، ومؤكدا على تبعيته لتنظيم القاعدة، وهو أيضا ما دفع بأيمن الظواهري لإلغاء الدولة الإسلامية في العراق والشام، وتكليف أبي بكر البغدادي أميرا فقط على دولة العراق الإسلامية لمدة عام، وتكليف أبي محمد الجولاني أميرا على جبهة النصرة في الشام لمدة عام، لكن تنظيم دولة البغدادي في العراق لم ينصع لأمر أيمن الظواهري، فأعلنت هذه الدولة على لسان أبي محمد العدناني المتحدث الرسمي باسمها في 29 يونيو 2014م: أنه تمت مبايعة أبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين، وتم إلغاء العراق والشام من اسم الدولة، ليكون المسمى الجديد فقط «الدولة الإسلامية»، لتشمل هذه الدولة جميع المسلمين، ولكن سرعان ما دب الخلاف والقتال بين الدولة الإسلامية أتباع أبي بكر البغدادي، وجبهة النصرة أتباع أبي محمد الجولاني الذين رفضوا الدمج.

فأتباع البغدادي اعتبروا أن للجولاني بيعة للبغدادي ألزم بها بعد إعلان الاتحاد بين دولة العراق الإسلامية وجبهة النصرة، وأنه قام بنقضها.

أما أتباع الجولاني فهم يتبرأون من هذه التبعية لدولة البغدادي، بل يعتبرون أن البغدادي في حقيقة الأمر هو من نقض بيعته للظواهري، ما جعل القتال يتصاعد بينهما واصفا كل منهما الآخر بأنه من الخوارج.

وحقيقة الأمر أن كلا الفرعين هم من خوارج هذا العصر، سواء أكانوا دولة العراق الإسلامية الذين تسموا فيما بعد بـ «داعش» أم جبهة النصرة الذين هم في الشام، لأن كلا الفريقين يكفر ويستحل دماء المسلمين بغير حق، وتنطبق عليهما صفات الخوارج، إلا أن الدواعش في حقيقة الأمر كانوا أشدهم مروقا من الدين.

والكثير ممن تابع الشأن السوري، عرف أن جبهة النصرة قبل اتحادها مع دولة العراق الإسلامية كانت تستحل دماء الجيش الحر وتقاتلهم، وتخطط لاغتيال قيادتهم، ولكن بعد ظهور عدائهم مع من تسموا بـ «داعش»، تحالفت جبهة النصرة مع الجيش الحر لتحمي نفسها ولتقلل من أعدائها.

ولكن لو انتهى «داعش» فستنقلب جبهة النصرة كـ «داعش» وتكشر عن أنيابها، وتعود لسابق عهدها من استحلال لدماء السوريين من الجيش الحر وغيرهم.

وفي بحث علمي لي منشور تطرقت لابطال هذه الدولة وما ترتب عليها من إعلان الخلافة.

بيعة باطلة

البيعة التي تمت لأبي بكر البغدادي وإعلان أنه خليفة المسلمين، حدثنا هل تمت هذه البيعة وإعلان الخلافة بطريقة شرعية صحيحة؟

٭ أولا: هذه البيعة في الأصل هي بيعة حزبية، حيث إن بيعة كل فرد من أفراد تنظيم دولة العراق الإسلامية قد انعقدت لأيمن الظواهري كما انعقدت لابن لادن من قبله، لكون هذا التنظيم في حقيقته فرعا يتبع تنظيم القاعدة، وذلك منذ أن أعلن أبومصعب الزرقاوي في 2006م مبايعته لابن لادن، وتتابع على ذلك أسلافه ممن قاد هذا التنظيم في دولة العراق الإسلامية، ومنهم أبو بكر البغدادي الذي تم اختياره عن طريق مجلس شورى هذا التنظيم.

ثانيا: وبعد الدمج بين دولة العراق الإسلامية وجبهة النصرة تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، ومن ثم مبايعة أبي بكر البغدادي على أنه رئيس دولة، لم تخرج هذه البيعة عن البيعة الحزبية التي تمت عن طريق مجلس شورى هذا التنظيم ليلتزم بها أفراده.

ثالثا: تطور الأمر من هوس تأسيس الدولة وإعلان رئيس عليها إلى إعلان قيام دولة الخلافة ومبايعة أبي بكر البغدادي خليفة عليها، وإلغاء لفظي العراق والشام من مسمى الدولة، ليكون الاسم الجديد فقط «الدولة الإسلامية»، وهذا القفز من مبايعة البغدادي على أنه زعيم تنظيم، ثم مبايعته على أنه رئيس دولة، ثم مبايعته على أنه خليفة المسلمين كما فعلوا، ولو تتبعنا هذه المبايعات لوجدناها مبايعات حزبية في حقيقتها، بدأت من تنظيم وانتهت على مسمى خلافة.

أقول هذه بيعة باطلة من عدة وجوه:

أ ـ إن أهل الحل والعقد الذين قاموا بالمبايعة هم أنفسهم من قام بالمبايعة الحزبية عندما كان المسمى تنظيم دولة العراق الإسلامية التابع لتنظيم القاعدة، فتطور الأمر لتصبح هذه المبايعة الحزبية: مبايعة رئيس دولة ثم مبايعة خلافة، كما زعموا.

ب ـ إن أهل الحل والعقد الذين قاموا بالمبايعة الحزبية ثم مبايعة الخلافة هم مجهولون ولا يمثلون علماء ووجهاء البلد، بل إن أكثرهم مرتزقة جاءوا من خارج بلاد العراق وسورية.

ج ـ إن عناصر «داعش» جميعهم في الأصل لا تتوافر فيهم جميع شروط أهل الحل والعقد، لأن العدالة والتي هي الشرط الأساسي لأهل الحل والعقد لم تتحقق فيهم، والسبب أنهم خرجوا على المسلمين بالتكفير واستحلال دمائهم، كما هي صفات الخوارج، فالعدالة منتقضة في حقهم.

د ـ وهؤلاء المجهولون الذين زعموا أنهم أهل الحل والعقد ولم يتوافر فيهم شرط العدالة قد بايعوا شخصا جهل حاله لعامة المسلمين وهو أبوبكر البغدادي.

ي ـ وهذه البيعة ما يبطلها أيضا أنها تمت على غير مشورة من المسلمين، فهي باطلة لا يلزم بها المسلمون، كما جاء في صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «.. من بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا».

تجنيد الشباب

لاحظنا أن أكثر من ينضم إلى «داعش» من أبناء الخليج هم من الشباب الكويتي والسعودي، حدثنا كيف تتم مراحل تجنيد هؤلاء الشباب من الكويت والسعودية إلى العراق أو سورية والانضمام لصفوف «داعش»؟ وكيف تتم السيطرة عليهم وسهولة استخدامهم في العمليات الانتحارية؟

٭ تجنيد الشباب الخليجي وخاصة الكويتيين والسعوديين يكون على مرحلتين، ولكل مرحلة منها خطوات مدروسة هي غاية في الخطورة عند تطبيقها، لأن أكثر الناس لا يعرفون كيف تبدأ عملية التحضير لهذا التجنيد، وكيف ينتهي الأمر بإحكام السيطرة على هؤلاء الشباب بعد الذهاب بهم إلى العراق أو سورية، ومن ثم استعمالهم في العمليات الانتحارية.

لذا نبدأ نفصل مرحلتي تجنيد الشباب وما يتبعهما من خطوات، وهما كما يلي:

المرحلة الأولى: وتكون هذه المرحلة في الكويت أو السعودية، ويكون في هذه المرحلة زرع الشبهات التكفيرية والمتطرفة، وهي تبدأ بعدة خطوات:

أولا: خفض اليقظة عند المخ، لكي يسهل زرع الشبهات التكفيرية والمتطرفة في أدمغة الشباب، وهو ما يسمى برفع النشاط المخي «ألفا»، وهو من أساليب غسل الأدمغة الذي تتبعه المنظمات الإرهابية:

ورفع النشاط المخي «ألفا» يكون بإحدى طريقتين:

الطريقة الأولى: إحداث التعب الجسدي لرفع النشاط المخي «ألفا»، ويكون ذلك بتخفيض ساعات النوم، أو التدريبات القاسية، فهم بذلك يجبرون الدماغ على تبني النشاط المخي «ألفا» بدلا من «بيتا»، حتى يحافظ العقل على سلامته الفسيولوجية.

وموجات «ألفا»: هي موجات منتظمة تظهر على الإنسان عندما يكون في حالة من الاسترخاء الذهني، أو بعد تعرضه للتعب الذهني أو الجسدي، وهذه الموجات لها آثار إيجابية، فهي تظهر وقت الاسترخاء، أو أنها تمثل ميل الدماغ لخفض النشاط الفكري لغرض الاسترخاء.

أما موجات «بيتا»، فهي موجات تظهر على الإنسان عندما يكون جسده في حالة من النشاط وعدم التعب والإرهاق، لذا يتبنى الدماغ النشاط المخي «بيتا»، فيكون المخ في حالة يقظة وانتباه بخلاف لو كان الدماغ قد تبنى النشاط المخي «ألفا» في حال التعب الجسدي فإنه لا يكون في حالة يقظة ولا انتباه.

لذلك يستغل «داعش» هذا الوضع عندما يخفض الدماغ من نشاطه الفكري، فيقومون بزرع الشبهات التكفيرية والمتطرفة في أدمغة الشباب، حتى تصير هذه الشبهات من المسلمات فيما بعد.

الطريقة الثانية: الاستماع للأناشيد لرفع النشاط المخي «ألفا»، فقد أثبتت الدراسات النفسية أن سماع الأناشيد يرفع النشاط المخي «ألفا»، فيكون المخ بعدها في حالة عدم يقظة وانتباه، ما يسهل دخول الأفكار التكفيرية والمتطرفة إلى أدمغة الشباب دون مقاومة منهم.

لذا نجد أن هؤلاء التكفيريين الذين في الكويت أو في السعودية يقومون بالتعرف على الشباب أولا، ثم الالتقاء بهم ثانيا، ثم اصطحابهم إلى الأماكن الترفيهية التي تكون تحت إشرافهم ثالثا، فيقومون بإشراك هؤلاء الشباب في الألعاب الرياضية التي ترفع التعب الجسدي عندهم في المخيمات أو الاستراحات التابعة لهم، ثم بعد هذه التدريبات الرياضية القاسية تبدأ الدروس والمحاضرات المنتظمة التي يحرصون عليها، والتي هي في حقيقتها زرع للشبهات التكفيرية والمتطرفة على شكل جرعات منتظمة تدخل إلى أدمغة الشباب دون رفض لها، بسبب تبنيهم النشاط المخي «ألفا»، فيكون المخ وقتها في حالة عدم يقظة، ما يسهل دخول هذه الأفكار، فعندما تكتمل هذه الجرعات من الشبهات التكفيرية والمتطرفة في أدمغة شبابنا يقوم هؤلاء التكفيريون بحماية هذه الأفكار التكفيرية والمتطرفة التي زرعت في أدمغة الشباب عن طريق عزلهم فكريا، والتي سوف أتطرق لتفصيلها في ثانيا.

ثانيا: يوصون الشباب بعدم مناقشة أهل العلم، بحجة أن هؤلاء المشايخ أو العلماء ما هم إلا علماء السلاطين، وهذا عين ما كان يفعله الخوارج في الصدر الأول مع الشباب المغرر بهم، وهذه الطريقة في حقيقتها ما هي إلا عزلة فكرية يلزمون بها أتباعهم بعد زرع الشبهات التكفيرية والمتطرفة في أدمغتهم، وهي من أساليب غسل الأدمغة التي كان يتبعها خوارج الصدر الأول والمنظمات الإرهابية على اختلاف مسمياتها.

المرحلة الثانية: تكون بعد انتقال الشباب الكويتي والسعودي إلى العراق أو سورية وانضمامهم إلى صفوف «داعش»، حيث تتم في هذه المرحلة عدة خطوات لإحكام السيطرة على الشباب الكويتي أو السعودي سيطرة كاملة هناك، وهي كالتالي:

أولا: العزلة البيئية: وتتحقق العزلة البيئية عند ذهاب الشباب الكويتي والسعودي إلى العراق أو سورية، لأن البيئة هناك تختلف عن البيئة التي عاش فيها الشاب الكويتي أو السعودي في بلديهما، فالبيئة التي ذهب إليها هؤلاء الشباب لا تذكرهم أبدا ببيئتهم الكويتية أو السعودية، ما يجعل هؤلاء الشباب تدريجيا ينسون بيئتهم التي تعودوا عليها وعاشوا فيها، فنتيجة لذلك يتحقق عزلهم بيئيا، وهذه العزلة البيئية ما هي إلا أسلوب من أساليب غسل الأدمغة التي مارسها خوارج الصدر الأول عندما اعتزلوا الناس في حروراء، وسموا بالحرورية نتيجة لهذه العزلة، كما ذكر ذلك المؤرخون، وأيضا هذه العزلة البيئية يمارسها كثير من المنظمات الإرهابية اليوم عندما يريدون إحكام السيطرة على ضحاياهم من الشباب لتحقيق مآربهم.

ثانيا: العزلة الاجتماعية: وتتحقق هذه العزلة عند البدء بالعزلة البيئية حيث تأمر عناصر «داعش» من انضموا إليهم من الشباب الكويتي أو السعودي بقطع اتصالاتهم مع أقاربهم وأصدقائهم، وهذا هو ما كان يفعله خوارج الصدر الأول، كما أشار إلى ذلك المؤرخون بأن الخوارج في الصدر الأول فارقوا آباءهم وأمهاتهم وأقاربهم، وهذه العزلة الاجتماعية في حقيقتها ما هي إلا أسلوب من أساليب غسل الأدمغة التي تمارسها جميع المنظمات الإرهابية.

ثالثا: تغيير الهوية: والبدء بها يكون في أثناء تحقق العزلة البيئية والاجتماعية، حيث يتحقق ذلك بأمرين:

الأمر الأول: تغيير اللباس الشعبي واستبداله باللباس الأفغاني، لذا نرى أن عناصر «داعش» من الكويتيين أو السعوديين وغيرهم في العراق وسورية يلبسون اللباس الأفغاني الذي صار عندهم رمزا للجهاد، وهذا الاستبدال للباس ما هو إلا في حقيقته أسلوب من أساليب غسل الأدمغة يمارس لكي ينسى الشاب الكويتي أو السعودي لباسه الشعبي، فينسى معه كل ما يذكره ببلده.

الأمر الثاني: استبدال اسم الشاب والاستعاضة عنه بكنية يتم اختيارها تكون بديلا عن اسمه الحقيقي، كأبي بصير وأبي جندل وأبي هريرة.. إلخ، بعد فترة من الزمن ينسى هذا الشاب اسمه الحقيقي، بل ويكون اسمه الحقيقي غريبا عليه، وبنسيان هذا الشاب اسمه ينسى معه كل الذكريات التي كانت في بلده، وهذه الطريقة ما هي إلا أسلوب من أساليب غسل الأدمغة تمارسها المنظمات الإرهابية ومنها «داعش».

وبعد الانتهاء من جميع خطوات المرحلتين الأولى والتي تكون في الكويت أو السعودية، والثانية التي تكون في العراق أو سورية تتحقق جميع أساليب غسل الأدمغة لشبابنا الكويتي والسعودي غسلا كاملا، فيصير بعدها كل شاب من هؤلاء سهل الانقياد والتحكم به، وهو ما يتيح للإرهابيين من «داعش» استعمال شبابنا الكويتي والسعودي في العمليات الانتحارية والتفجير بهم بكل سهولة دونما اعتراض أو تردد منهم.

الخوارج مستمرون

هل الخوارج مستمرون في هذا الزمان؟ وهل ستكون لهم دولة ذات شأن بعد إعلان «داعش» دولتهم في العراق والشام؟

٭ نعم الخوارج مستمرون في الخروج لا يتوقفون إلى آخر الزمان، فكلمة الخوارج ليست محصورة على من خرج على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وليست محصورة على من خرج على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فـ «داعش» بأفعاله وصفاته من خوارج هذا العصر.

فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الخوارج يخرجون في آخر الزمان، كما قال عليه الصلاة والسلام: «سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة» أخرجه البخاري في صحيحه.

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أن الخوارج مستمرون في الخروج إلى زمن الدجال، كما قال صلى الله عليه وسلم «سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج منهم قرن قطع، كلما خرج منهم قرن قطع ـ حتى عدها زيادة على عشر مرات ـ كلما خرج منهم قرن قطع، حتى يخرج الدجال في بقيتهم» أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده والحاكم في المستدرك على الصحيحين.

الخوارج منذ تاريخهم الأسود لم يوفقوا في جهادهم المزعوم على المسلمين، ولم يوفقوا أيضا في تأسيس دولة تتبنى أفكارهم المشوهة لدين الإسلام، بل إنهم بعد خروجهم يقضى عليهم فينتهي أمرهم، ثم يخرج خوارج غيرهم بعد فترة من الزمن فيتكرر معهم ما تكرر مع غيرهم، وهذا مصداق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم السابق الذي قال فيه: «..كلما خرج منهم قرن قطع، كلما خرج منهم قرن قطع..» أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده والحاكم في المستدرك على الصحيحين.

فنقول: إن «داعش» خوارج هذا العصر بعد إعلان دولتهم وخلافتهم المزعومة، فإن قرنهم قد أطل علينا برأسه، وبعد خروج قرنهم فإنه سيقطع لا محالة، ولكن سيعود ويخرج هذا القرن إما بمسمى التنظيم «داعش» نفسه أو بمسميات أخرى.

فلا بد أن نكون على استعداد دائم وتأهب مستمر حكومة وأفرادا للتصدي لخروج غيرهم من الخوارج، لأن الخوارج مستمرون في الخروج لا يتوقفون إلى آخر الزمان، كما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا يدفعنا لتحصين شبابنا ووقايتهم من الأفكار التكفيرية والمتطرفة على الاستمرار والدوام، ولذلك اقترحت مشروعا يكون وقائيا وعلاجيا لحماية أفكار شبابنا.

«داعش» وصفات الخوارج

كيف نعرف الخوارج في هذا العصر؟ وما أهم صفاتهم؟ وهل هذه الصفات تنطبق على «داعش» اليوم؟

٭ نعرف الخوارج في هذا العصر عن طريق استعراض صفاتهم، والتأكد من مدى انطباقها مع صفات الخوارج التي جاءت الأدلة عليها.

ولمعرفة هل «داعش» تنطبق عليهم صفات الخوارج لا بد لنا من ذكر صفات الخوارج الثابتة مع أدلتها، ثم التأكد من مدى انطباقها على عناصر «داعش»:

الصفة الأولى للخوارج:

يقرأون القرآن ولا ينتفعون به، بسبب انحرافهم في فهمه على غير مراده، وبسبب اعتزالهم أهل العلم، كما أشرنا إلى ذلك في كلامنا عن العزلة الفكرية.

الدليل على هذه الصفة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الخوارج: «.. يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم..» أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضا: «يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم» أخرجه مسلم في صحيحه.

قال ابن عبدالبر -رحمه الله- في كتابه الاستذكار (2/ 499): وأما قوله: «يقرزون القرآن لا يجاوز حناجرهم» فمعناه: أنهم لم ينتفعوا بقراءته، إذ تأولوه على غير سبيل السنّة المبينة له، وإنما حملهم على جهل السنة، ومعاداتهم وتكفيرهم السلف ومن سلك سبيلهم، وردهم لشهاداتهم وروايتهم، تأولوا القرآن بآرائهم، فضلّوا وأضلوا، فلم ينتفعوا به، ولا حصلوا من تلاوته إلا على ما يحصل عليه الماضغ الذي يبلع ولا يجاوز ما في فيه من الطعام حنجرته».

شاهدنا أبا بكر البغدادي زعيم «داعش» في خطبة الجمعة التي كانت في مدينة الموصل في أول شهر رمضان، كيف كان يذكر الآيات القرآنية استدلالا بها، ولكن لو تتبعنا أفعالهم في العراق وسورية لتوصلنا إلى أن البغدادي وأتباعه هم أبعد الناس عن الانتفاع من هذه الآيات وتطبيقها.

الصفة الثانية للخوارج

يذكرون الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم أبعد الناس عن هديها، بسبب فهمهم السقيم، وتطبيقاتهم المنحرفة التي لا تنسب إلى الدين.

الدليل على هذه الصفة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الخوارج: إنهم «يقولون من خير قول البرية» (أخرجه البخاري في صحيحه).

وأيضا شاهدنا في الخطبة التي ذكرناها عن أبي بكر البغدادي والتي كانت في مدينة الموصل، كيف كان البغدادي يسرد الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكننا لو تتبعنا أفعالهم في العراق وسورية لخلصنا إلى أن البغدادي وأتباعه أبعد الناس عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

الصفة الثالثة للخوارج

الإيمان يكون فقط بألسنتهم، ولا يظهر ذلك على أفعالهم، بل ان أفعالهم تنافي أفعال المؤمنين.

الدليل على هذه الصفة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الخوارج: «لا يجاوز إيمانهم حناجرهم» (أخرجه البخاري في صحيحه).

وهذا ما نلاحظه على الجماعات التكفيرية ومنها «داعش» أن سمة الإيمان لا تظهر على أفعال هؤلاء، وإن كان أكثرهم يتشدق ويظهر الإيمان فقط في لسانه.

الصفة الرابعة للخوارج

«يمرقون من الدين»، يخرجون بأفعال ينسبونها للدين، وهي ليست من الدين.

الدليل على هذه الصفة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج: «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» (أخرجه البخاري في صحيحه).

أغلبنا شاهد أفعال «داعش» من قتل للمسلمين بعد تكفيرهم، ومن ثم استحلال دمائهم ونسائهم وأموالهم، ولا شك أن الدين بريء من كل ما يفعله «داعش» اليوم.

الصفة الخامسة للخوارج

أنهم صغار في السن.

الدليل على هذه الصفة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهم: «أحداث الأسنان» (أخرجه البخاري في صحيحه).

وهذا ما نلاحظه أن من ينضم إلى «داعش» هم من فئة الشباب صغار السن، وهؤلاء يسهل التغرير بهم وتلويث أفكارهم.

الصفة السادسة للخوارج

ضعاف العقول.

الدليل على هذه الصفة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهم: «سفهاء الأحلام» (أخرجه البخاري في صحيحه).

وهذا هو الملاحظ على كل من ينضم للجماعات التكفيرية ومنها «داعش» أنهم ضعاف العقول وليس عندهم الدراية والعلم الكافي في التمييز بين الحق والباطل.

الصفة السابعة للخوارج

خروجهم يكون من قبل المشرق.

الدليل على هذه الصفة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهم: «سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق» (أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده والحاكم في المستدرك على الصحيحين).

العراق يعتبر من المشرق، وخروج «داعش» من العراق يعتبر خروجا من المشرق.

الصفة الثامنة للخوارج

أنهم مستمرون في الخروج إلى آخر الزمان.

الدليل على هذه الصفة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهم: «كلما خرج منهم قرن قطع، كلما خرج منهم قرن قطع» (أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده والحاكم في المستدرك على الصحيحين).

وهذا ما نلاحظه بأن الخوارج منذ أول خروج لهم في صدر الإسلام وإلى يومنا هذا لا يتوقفون عن الخروج، بل إنهم مستمرون في الخروج إلى زمن الدجال.

الصفة التاسعة للخوارج

يحكمون على المسلمين بالكفر والردة.

الدليل على هذه الصفة:

قال عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- في الخوارج: «هم شر الخلق، انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار، فجعلوها في المؤمنين»، انظر: الاستذكار لابن عبدالبر (2/ 501)، وفتح الباري لابن حجر (12/ 286).

وهذا ما نراه اليوم من عناصر «داعش» في العراق وسورية من استحلال قتل المسلمين من الجيش الحر والعشائر وعامة الناس وغيرهم بكل وحشية وبشاعة، والسبب في ذلك هو: الحكم على هؤلاء المسلمين بالكفر والردة، ومن ثم استحلال دمائهم وقتلهم دونما رحمة، وأن قضية تكفير المسلمين لا يتراجعون عنها، حتى وإن قال المسلم الذي يريدون قتله: لا إله إلا الله.

الصفة العاشرة للخوارج

يستحلون دماء المسلمين فيقتلونهم بعد تكفيرهم.

الدليل على هذه الصفة:

قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهم: «يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان» (أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما).

وقتل المسلمين من الجيش الحر والعشائر وغيرهم واستحلال دمائهم هو ما يفعله «داعش» اليوم في العراق وسورية.

تكفير المسلمين وقتلهم

نسمع ونرى أن «داعش» يقتل المسلمين المخالفين بحجة أنهم مرتدون، فما رأيك بما يفعلون؟

٭ ما يفعله «داعش ليس بغريب عليهم بعد أن عرفنا أنهم من خوارج هذا العصر، فالخوارج كانوا ينزلون آيات الكفار في المسلمين، ثم يحكمون على المسلمين بالردة والكفر، كما قال عبدالله بن عمر- رضي الله عنهما- في الخوارج: «هم شر الخلق، انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار، فجعلوها في المؤمنين».

ثم بعد تكفير المسلمين يقومون باستحلال دمائهم وقتلهم بلا رحمة ولا شفقة، وهذا مصداق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما وصفهم: «..يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان..» أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

بل إن من يحاربهم دفاعا عن نفسه وأرضه وماله وعرضه اعتبروه مرتدا في نظرهم، فيقومون بقتله بعد الإمساك به، حتى وإن نطق هذا الشخص بالشهادتين أمامهم فلا يتورعون عن قتله، فتجد أنهم يقولون: مرتد كافر وإن نطق بالشهادتين.

ألا يعلم هؤلاء الجهلة أن في شريعتنا: المرتد إن نطق بالشهادتين فإنه يعصم دمه عن القتل، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟!

ولكن من يقومون بقتلهم من المسلمين الذين نطقوا بالشهادتين أمامهم بحجة أنهم مرتدون، فإنهم قد افتروا عليهم ظلما وبهتانا كما نشاهده في إبادة عشائر وقرى بأكملها بعد تكفير أهلها، ومن ثم القيام بسبي نسائها.

وتكفير المسلمين بهذه الصورة التي يفعلها «داعش» ليس بالأمر السهل، لأن الحكم على المسلم بأنه كافر هذا يعني أنهم شهدوا عليه بأنه كافر لا يدخل الجنة وأنه مخلد في النار، لذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التكفير في أحاديث كثيرة منها:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه» أخرجه مسلم في صحيحه.

فداعش لا يكتفي بتكفير المسلمين فحسب، بل يقتل من يكفرهم، وقتل المسلم أمر عظيم في شريعتنا، والدليل على ذلك:

وقال عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لقتل المؤمن أعظم عند الله يوم القيامة من زوال الدنيا» أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط.

إنهاء الرق

هل الإسلام جاء ليحرر الناس من الرق أم ليسترق الناس؟

٭ الإسلام جاء ووجد الرق منتشرا في المجتمعات قبل الإسلام، فجاء ولم يمنعه منعا مباشرا، بل قام بإنهائه بشكل تدريجي عن طريق عتق الرقاب بالكفارات المختلفة، فنجد مثلا كفارة الظهار عتق رقبة، وكفارة القتل الخطأ عتق رقبة، وكفارة الجماع في نهار رمضان عتق رقبة، وكفارة الجماع في الحج عتق رقبة، وكفارة اليمين فيها عتق رقبة، فالإسلام في حقيقته جاء ليحرر الناس ويقضي على الرق المنتشر آنذاك بتشريع عتق الرقاب في الكفارات.

حقيقة السبي

إذا كان الإسلام قد جاء ليحرر الناس من الرق عن طريق العتق بالكفارات المختلفة، فلماذا السبي يكون في الحروب إذن؟

٭ السبي في حقيقته ما هو إلا عملية ضغط في الحروب التي تكون بقصد الفتوحات الإسلامية ونشر الدين، وسأشرح ذلك بشكل تفصيلي:

عندما يأتي المسلمون في الحروب التي يكون القصد منها الفتوحات الإسلامية لنشر الدين إلى بلدة يريدون فتحها، فإنهم ينذرون أهلها ثلاثة أيام باختيار أحد ثلاثة أمور: الإسلام أو الجزية أو الحرب فإن اختار أهل هذه البلدة الإسلام كان بها، وإن اختاروا الجزية بدلا من الإسلام كان بها، وإن رفضوا الإسلام أو الجزية واختاروا الحرب، بدأت الحرب بعد انتهاء مهلة الأيام الثلاثة.

والجزية: هي ضريبة تدفع من غير المسلم للمسلمين، مقابل أن يكون غير المسلم في حماية المسلمين، فيكون آمنا على نفسه وماله وعرضه، وله الحرية في عبادته، ولا يتعرض للمسلمين ولا لانتشار الإسلام في بلده.

فإن اختار غير المسلمين الحرب رافضين الإسلام أو الجزية، وانتهت هذه الحرب وتم التمكن منهم، فإن لهم فرصة أخيرة، إما باختيار الإسلام أو الجزية، فإن هم رفضوا الأمرين الإسلام والجزية، هنا تسبى نساؤهم وتأخذ أموالهم كعملية ضغط عليهم، فلو أسلموا أو دفعوا الجزية فإن أموالهم ونساءهم تعود إليهم.

إذن السبي في الحروب التي يقصد منها الفتوحات الإسلامية ونشر الدين هي في حقيقتها عملية ضغط لقبول الإسلام أو الجزية.

وهذا ينافي ما يفعله جهال الخوارج من داعش في حروبهم التي ليست حربا لنشر الدين، بل إن هؤلاء الخوارج يقتحمون قرى غير المسلمين فيقومون بقتلهم فورا، بل والأدهى من ذلك أنهم لا يقتلون غير المسلمين إلا بعد أن يجبروهم على نطق الشهادتين، فهؤلاء الخوارج لم يقتلوا غير المسلم على غير إسلام، بل أبى هؤلاء الخوارج إلا أن يقتلوا غير المسلم بعد دخوله الإسلام بنطق الشهادتين، فهم في حقيقة الأمر أبوا إلا أن ينطبق عليهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «..يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان..» أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

أما علم جهلة الخوارج هؤلاء أن النبي صلى الله عليه وسلم عنف أسامة بن زيد رضي الله عنه عندما قتل مشركا نطق بلا إله إلا الله في أثناء الحرب والمبارزة؟، يدل على ذلك:

عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: «بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقال لا إله إلا الله وقتلته، قال: قلت يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ» أخرجه مسلم في صحيحه.

أما جهال داعش، خوارج هذا العصر، إرهابيو هذا الزمان، فيقتلون غير المسلمين، وهم غير محاربين، بعد أن يجبروهم على نطق الشهادتين، فيكون قتلهم بعد إسلام، وتنطبق عليهم صفة الخوارج في قتل المسلمين، ويكون هؤلاء المقتولون ممن نطقوا بالشهادتين وأسلموا حجيجهم أمام الله يوم القيامة فيما فعلوه فيهم.

نشاط في الإنترنت

لماذا ينشط أصحاب الفكر التكفيري والمتطرف في الإنترنت؟ وهل هذا النشاط له تأثير على الشباب؟

٭ نعم هناك نشاط بارز في الإنترنت لأصحاب الفكر التكفيري والمتطرف، حيث توصلت في ذلك إلى نتائج هي:

أولا: من خلال تتبعي ورصدي للكتب والإصدارات التكفيرية في مواقع الإنترنت، وجدت أن هذه الكتب والإصدارات تزيد على «أربعة آلاف كتاب» فيها من السموم الفكرية ما فيها.

ثانيا: لقد لاحظت من خلال دراستي للدكتوراه وترددي المستمر على المواقع التكفيرية والمتطرفة لحصر الشبهات، أن هذه المواقع يتم تغيير روابطها باستمرار لتضليل الجهات المختصة، وهذا يتطلب اليقظة ومحاصرة هذه المواقع عن طريق فريق مختص.

ثالثا: ومما يزيد من خطورة هذه الكتب والإصدارات التي تحمل الفكر التكفيري والمتطرف أن بعضها لا يحمل عناوين صريحة على غلاف هذه الكتب والإصدارات، حيث إن الهدف من ذلك هو سهولة ترويجها بين أوساط الشباب، وأيضا لإبعاد الرقابة عنها من الجهات المختصة.

رابعا: ومن خطورة هذه المواقع التكفيرية والمتطرفة أن في بعضها تعليما لكيفية صناعة المتفجر من مواد أولية وبسيطة ومتوافرة.

خامسا: وجدت أن هناك مجموعة من الكتب والمقالات والرسائل تنسب لأساتذة أكاديميين كويتيين تنشر في مواقع تكفيرية.

ولا شك أن هذه المواقع التكفيرية والمتطرفة وما تروج فيها من شبهات وكتب ورسائل، له تأثير بالغ جدا على انحراف أفكار الشباب وتطرفها، لاسيما إن كان من يقوم على التوجيه لهم نحو هذا الانحراف الفكري هم أساتذة أكاديميون، ويتصدرون المنابر الإعلامية المختلفة، وتنشر لهم مقالات ورسائل في مواقع تكفيرية.

التأثر بأفكار «داعش»

كونك أستاذا جامعيا هل لاحظت عند طلاب المرحلة الجامعية تأثرا بأفكار «داعش»؟

٭ نعم لاحظت تأثرا وتعاطفا كبيرا عند بعض الشباب بعد إعلان «داعش» وهذا ينذر بالخطر إن لم نتدارك الموقف، بل ووجدت في الشباب من طلابي في الجامعة ومن الشباب في الدواوين تعطشا كبيرا لمعرفة هل «داعش» على حق أم على باطل؟

بل وكثير من طلابي ومن غيرهم يأتي لي في مكتبي في الجامعة بعد أن تشوش فكره وصار لا يدري أين الحق وأين الباطل؟

ولله الحمد نجحت في إزالة هذه الشبهات مع كل من تواصل معي من الشباب سواء أكانوا من طلابي أم من غيرهم.

ولكن أقول: هذا والله لا يكفي في مجابهة هذا الفكر الخطير، لأن الشخص وحده لا يستطيع الوصول إلى أغلب هؤلاء الشباب إن لم يكن العمل مؤسسيا وحكوميا، ولقد اقترحت مشروعا بهذا الخصوص لمجابهة هذا الخطر الداهم.

خطر داهم

إذا كانت مواقع الإنترنت لأصحاب الفكر التكفيري بهذه الخطورة في نشر الفكر التكفيري والمتطرف بين أوساط الشباب بكل سهولة ويسر، وأن هناك تأثرا كبيرا عند الشباب بعد خروج «داعش»، إذن كيف يكون التصدي لهذا الخطر الداهم وحماية شبابنا منه؟

٭ للتصدي لهذا الخطر الداهم لا بد لنا من أمرين:

الأمر الأول: لا بد أن يكون هناك فريق مختص يقوم برصد ومتابعة المواقع التكفيرية والمتطرفة، ثم القيام بحجبها حماية لشبابنا منها، ويكون هذا الفريق المختص على يقظة مستمرة للمواقع التكفيرية التي تقوم بتغيير روابطها باستمرار.

الأمر الثاني: لا بد من الوصول للشريحة الكبيرة من الشباب، وإزالة الأفكار التكفيرية والمتطرفة عند من وقع في شباكها، وتحصين الشباب ممن لم يقع فيها، وهذا لا يكون كما ذكرت آنفا إلا بعمل مؤسسي وحكومي، ولقد أعددت مقترحا بهذا الخصوص حماية لشبابنا ومجتمعنا.

فكر الخوارج

متى بدأ فكر الخروج وتكفير المسلمين؟

٭ الخروج وتكفير المسلمين أخذ شكلين «خروج قولي وخروج فعلي»، حيث بدأ الخروج القولي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطى أناسا من أهل نجد يتألفهم للدخول في الإسلام، فجاءه رجل فقال: اتق الله يا محمد، فقال: «من يطع الله إذا عصيت؟! أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنوني؟! فلما ولّى، قال: إن من ضئضئ هذا، أو: في عقب هذا، قوما يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

فذكر العلماء أن هذا أول خروج في الإسلام وكان خروجا بالقول على النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما الخروج الفعلي والتكفير فبدأ في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد توليه الخلافة، حيث قاموا بتكفيره أولا، ثم بعد ذلك قاموا بالخروج عليه وقتله والتمثيل به، وأيضا تكرر هذا المشهد في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث قاموا بتكفيره أيضا ثم الخروج عليه ثم قتله غدرا.

فعثمان بن عفان رضي الله عنه كان صحابيا من السابقين في الإسلام، وزوج ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم، ومن المبشرين بالجنة، وخليفة المسلمين، ومع هذا كله لم يسلم رضي الله عنه من هذا الفكر التكفيري المتطرف على يد الخوارج في عصره.

وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كان من السابقين في الإسلام، وابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته صلى الله عليه وسلم، ومن المبشرين بالجنة، وخليفة المسلمين، ومع هذا كله لم يسلم رضي الله عنه أيضا من هذا الفكر التكفيري المتطرف على يد الخوارج في عصره.

إذا كان في صدر الإسلام لم يسلم من الفكر التكفيري خليفة المسلمين عثمان بن عفان ولا خليفة المسلمين علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، إذن ماذا نقول ونحن في هذا الزمان الذي كثر فيه أرباب هذا الفكر التكفيري من خوارج هذا العصر على اختلاف مسمياتهم؟!

لا شك أن تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وقتلهم في هذا الزمان أشد، وأوضح مثال على ذلك ما نشاهده في العراق وسورية من تكفير للمسلمين وسفك لدمائهم بكل بشاعة ووحشية على يد عناصر «داعش» خوارج هذا العصر.

التصدي للخوارج

هل جاءت أدلة شرعية تبين خطر الخوارج؟ وهل هناك أدلة شرعية أيضا تدل على وجوب التصدي لهم إن خرجوا في زماننا؟

٭ نعم، هؤلاء الخوارج خطرهم على المسلمين أكبر من خطر أعدائهم، حيث إنهم يستحلون قتل المسلمين بعد تكفيرهم، ويشوهون دين الإسلام باسم الإسلام، فهؤلاء خطرهم دائم ومحدق بالمسلمين وبلادهم منذ عرفهم التاريخ.

لذا لا بد على المسلمين التصدي لهم بكل السبل والوسائل الكفيلة للقضاء عليهم وإراحة المسلمين من شرهم، وهذا هو واجب ديني ووطني، فلقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالقضاء عليهم وقتلهم، مخبرا بأن في قتلهم أجرا يوم القيامة لمن قتلهم، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة» أخرجه البخاري في صحيحه.بل إن النبي صلى الله عليه وسلم من عظم شرهم على المسلمين تمنى قتلهم والقضاء عليهم لو أنه أدرك زمانهم، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم عندما وصفهم: «.. يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (7/ 169): «هذا تصريح بوجوب قتال الخوارج».

د. فراج الرداس في سطور

٭ أستاذ مساعد معين بنظام الدوام الجزئي في الجامعة العربية المفتوحة.

٭ أستاذ مساعد منتدب في كلية التربية الأساسية.

٭ مدرس ومدرب معتمد في إدارة الدراسات الإسلامية بوزارة الأوقاف.

٭ حصل على الدكتوراه في «الفقه السياسي الإسلامي»، حيث تخصص في: «الفكر السياسي عند الجماعات التكفيرية والإرهابية»، وكان من محاور رسالته الدكتوراه: تنظيم القاعدة والخروج المسلح على الأنظمة الحاكمة (حكمه ـ أسبابه ـ أشكاله ـ شبهاته).

٭ وهو يقوم الآن بتحضير دكتوراه أخرى في تخصص: «الدراسات الإستراتيجية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية».

٭ له بحث علمي منشور عن: «الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)» حيث أجاب عن كثير من الاستفسارات التي حيرت الناس عن مدى صحة قيام هذه الدولة وإعلان الخلافة فيها.

e-mail: dr..farraj@outlook.com

twitter: @dr_farrajalradas

المصدر: “الانباء”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.