مقالات

الشباب هم المستقبل.. الذي نأتمنهم عليه غداً!!

استكمالاً لمقال الأمس والذي حذرت فيه من الانقسامات الحادة التي يشهدها المجتمع الكويتي، والتي تنذر بما لا تحمد عقباه، فانني أؤكد ان المسؤولية هنا في هذا الصدد تقع على الجميع.. لابد من ايجاد سبل لرأب الصدع الاجتماعي والسياسي وتبني المصالحة والحوار الوطني، حتى نتفرغ لاحتواء بيتنا الداخلي ونمنحه أقصى الاهتمام.. وذلك بدلاً من بذل جهود دبلوماسية للمصالحة خارج حدود الوطن.. بذريعة درء المخاطر الخارجية، فالمخاطر الخارجية لن يكون ممكناً اتقاء أضرارها من دون ان نهتم بـ«اللحمة الداخلية» التي مزقتها الكثير من السياسات الحكومية الخاطئة والتراخي في تطبيق القوانين، وتفشي الفساد والمحسوبية وغياب العدالة وتكافؤ الفرص وسيطرة الفكر المتطرف على البلد، من المساجد الى المناهج الدراسية فضلاً عن غياب القدوة الصحيحة.. كل ذلك ساهم في تمزيق المجتمع!.
٭٭٭
ولنا في تجارب الدول الأخرى عبر ودروس، فها هو ملك المغرب والذي كان يعاني من تشدد الحركة السلفية في بلاده في فترة ما، والتي بلغت ذروتها في 2003 عندما قام أنصارها بتفجيرات عرفت باسم تفجيرات الدار البيضاء والتي على اثرها تم اعتقال الشيخ الفزازي ممثل هذا الحزب في البلاد، وتم اعتقاله وحكم عليه بالسجن 30 عاماً.
وضع الملك محمد السادس مستقبل بلاده أمامه وفكر في هذه المشكلة بهدوء.. وكان أمامه خياران اما ان يمضي في المواجهة وبالتالي تستمر الحركة في التفجير والتخريب ويزيد الانشقاق والانقسام في المجتمع، أو يقوم بحركة دبلوماسية ذكية تستطيع ان تعيد الحياة السياسة الى جادة الصواب!.
لقد أصدر الملك محمد السادس عفواً عن الشيخ الفزازي هذا وكان ذلك بمثابة بداية جديدة في المملكة المغربية!.
٭٭٭
ولعله من أهم المفارقات الآن ان العاهل المغربي يذهب لمسجد طارق بن زياد بالتحديد، ليسمع خطبة الشيخ محمد الفزازي، هل هناك ذكاء سياسي أكثر من هذا؟ انه يفعل كل شيء من أجل تحقيق اللحمة المجتمعية وذلك في اطار «المصالحة الوطنية».
فما قام به العاهل المغربي ساهم تماماً في احتواء هذا التيار المتشدد، كما ادى الى تحييد المساجد المؤيدة له في مواجهة الحكومة واجتثاث الفكر المتطرف بالتسامح والاعتدال ثم الرقابة، وأيضاً بهيكلة جديدة للمتطرفين أيديولوجياً، عن طريق المناهج التربوية كأساس.
٭٭٭
هذا هو ذكاء السياسي الحقيقي والذي يكمن في قدرته على استيعاب كل الفئات بدلا من الاقصاء (!!!)، وأتذكر انني في احدى زياراتي للمملكة المغربية، حدثت لي مفاجأة؟!، كانت غير متوقعة هي ان يكون ذلك الرجل الذي كان من أكثر معارضي الحكم، ومن أكبر المعارضين للملك محمد السادس هو نفسه الذي اختاره الملك رئيساً للوزراء، أو وزيره الأول كما يطلقون عليه في المغرب!.
٭٭٭
لم أصدق عندما علمت ان الملك أعطى الفرصة لأكبر معارض له وهو عبدالرحمن اليوسفي، ليتولى رئاسة الحكومة المغربية.. مع أنه هو الرجل الذي صال وجال في البرلمان المغربي، وكان يعد كل حركة وكل سكنة على الحكومة، كان يعد عليها أنفاسها، لكن بذكاء سياسي غير مسبوق أمكن ان يتحول اليوسفي من معارض منعزل بعيد عن السلطة الى رجل في قلب السلطة.
٭٭٭
كان معارضاً شرساً وحكم عليه وسجن، حتى انه حكم عليه بالاعدام ثم صدر العفو من الملك، هذا صحيح فما كان من العاهل المغربي الا ان يأتي به ليرى الشعب بعينه كيف سيصلح الأحوال، لكن المحصلة هي ان الهدوء انعكس على الساحة السياسية المغربية وساد فيها سنوات من 1998 الى 2002 بفضل سياسة الاحتواء، فهي التي تحمي الشعوب وتحمي أنظمتها بدلا من القمع والتجاهل والاقصاء!.
وهناك دول عديدة سارت على نفس المنحى واتخذت نفس السياسات مثل امريكا وأوروبا، وقد نجحت في استيعاب كل اطيافها المتنوعة، وما «التجربة النازية» الا مثال يؤخذ منه العبر عبر التاريخ.. فقد استطاعوا ان يتعاملوا مع الحقبة النازية بطرق عديدة فلم يجرموا تلك الحقبة الا من تلوثت أيديهم بالدم، أما جموع الشعب الالماني فقد استطاعت بقيادة المنتصرين ان تفكك هذه الأيديولوجية الدموية بطرق تربوية فكرية اجتماعية قضائية.
٭٭٭
أما اذا نظرنا للمعارضة من وجهة نظر الشرع فسنجد ان هناك أمثلة رائدة في التاريخ الاسلامي ففي زمن الخلفاء الراشدين ثبت للكافة بداية ان وجود المعارضة أمر مشروع، وثبت عن الصديق (أبوبكر) انه قال بعد توليه: ان أحسنت فأعينوني وان أسات فقوموني، وثبت ايضاً عن الفاروق (عمر) رضي الله عنه انه قال (ان رأيتم فيّ اعوجاجاً فقوموه، فقام اليه أحد الاعراب قائلاً بكل حرية وأمان لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بحد سيوفنا)!.. كذلك عن أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) انه خطب الناس فقال: «فلا تكلموني بما تكلمون به الجبابرة ولا تظنوا بي استثقالاً لحق يقال لي أو لعدل يعرض على فان من استثقل الحق ان يقال له والعدل ان يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فاني لست اعلى من الخطأ».
٭٭٭
فالتاريخ القديم والمعاصر مليء بالقصص العظام لذلك فان على الجميع ان يعي ان أي معارضة يكون الهدف منها هو ممارسة الضغط على الأنظمة لكي تحقق العدل بين الناس وهو الأمر الذي قامت به السموات والأرض، وبعث لنا بالرسل والأنبياء من اجل اقامته، لذلك أتمنى ان يتم احتواء الجميع مهما اختلفنا في ابداء آرائنا.
ومن هنا كانت دعوة سمو الأمير حفظه الله، الدائمة وفي كل مناسبة ينادي باحتواء الشباب، فدعوته لم تأت من فراغ وانما ادراكاً منه بأنه لا يجوز ان يتم اقصاء أو عقاب أو عدم الاستماع الى شبابنا الذي يعيش في قلب الأحداث، فهم المستقبل والذي نأتمنهم عليه غداً!.
وقديماً قال شاعر ألماني اسمه (هاينريشهاينه) والذي توفي في (1865): «اليوم الذي نعيشه هو ثمرة الأمس وعلينا ان ندرس هذا اليوم لكي نعرف ما يريده الغد»!.
اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد..
.. والعبرة لمن يتعظ!!.

منى العياف
alayyaf63@yahoo.com
twitter@munaalayyaf

“الوطن”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.