مقالات

لعبة.. كسب الخصوم

حسن الهداد

عبارة رائعة استوقفتني «إن قمت بمساعدة صديقك سيعتبرها عادة حسنة تعود أن يتقبلها منك، أما إن ساعدت عدوا لك فسيفكر كيف يستطيع مساعدتك بأي شيء كي لا تكون أفضل منه».
عبارة قرأتها ووجدت بها معاني عميقة، وحسب فهمي لملامحها إذا نظرت لزواياها من الجانب السياسي، فهي تؤكد أن السياسي لابد أن يمارس لعبة «فن الممكن» لأبعد الحدود لان المواقف في العمل السياسي أساسا تتغير حسب الظروف وأحداث الساحة خاصة ان تبدلت الوجوه، وهذا أمر طبيعي يفهمه كل من يمارس السياسة من دون تعاطف أو خوفا من نقد جارح ينتهجه السطحيون مع احترامي لعقولهم.

ماذا يحتاج السياسي كي ينتصر لقضيته؟

عليه فقط أن يقنع من حوله أن قضيته هي قضيتهم، وهذا متطابق مع مقولة «كن لطيفا مع خصمك قد يتحول غدا صديقا»، وهذا التوجه أساسا لا يقتصر على العمل السياسي، بينما هو امتداد راق ظهر من رحم الأديان السماوية، وقال الله عز وجل لموسى في محكم كتابه الكريم عندما طغى فرعون (اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى)، هذه الآية عظيمة في تفسيرها، وتدل على رحمة الله الواسعة التي تشمل حتى من تكبر وظلم، فركزوا هنا على انه عندما قال الله سبحانه (فقولا له قولا لينا) انه على الرغم من أن فرعون تكبر وقال (أنا ربكم الأعلى) الا ان الله تعالى طلب من نبيه موسى عليه السلام أن يتحدث معه باللين، كفرصة للتوبة ولكن الغرور كان سيد موقف فرعون.

فالمبدأ الذي أود أن أؤكد عليه هنا هو ان السياسة ليست كما تمارس من البعض في الكويت بأبيات شعر وتطبيل وحذف «العقل» على رموز سياسية، بل أود أن أؤكد أنه لابد أن يمارس أسلوب اللين واللطف مع الخصوم في التعامل السياسي، لأنه ليس بالضرورة أن يكون الخصم السياسي خصمك الى الأبد، فالأحداث المتغيرة دائما هي من تتسيد المواقف وليست مواقف الأشخاص هي من تتسيد الأحداث، لذا تجد العقول التي تدرك فن العمل السياسي أثناء معركتها لا تذكر الخصوم بمواقف الماضي، لأن هذا التذكير قد يعود عكسيا بالتذكير بتناقضات أشد شراسة من الآخر لطالما المواقف السياسية في حقيقة واقعها غير ثابته، وهذا هو حال المناخ السياسي.

من يسعى إلى القفز لساحة المعركة السياسية برصاصة يتيمة معتمدا على جيش من الشعراء والمطبلين خارج حدود المعركة فانه حتما سيخسر معركته وكل ما سيكسبه هو الشو الإعلامي أمام السطحيين، فالسياسي الضعيف هو من يعتقد أن السياسيين يجب أن تكون مواقفهم ثابتة حتى ان تغيرت الظروف، متجاهلا ظروف واختلافات كل مرحلة عن مرحلة أخرى، وللأسف فان واقع حال السياسيين اليوم أنهم تفرغوا لتذكير بعضهم البعض بتناقضاتهم السابقة، رغم أن تلك التناقضات لو حصدناها لوجدناها أطنانا لا تحملها الجبال، وكلماتهم للأسف نراها تتكرر كل يوم «أنت حكومي وأنت تأزيمي» وهذا يدل على أن معظم من يردد هذه المصطلحات لا يملك منهجا ورؤية واضحة لتطوير العمل السياسي لتحقيق طموح المواطنين، ولا أعلم متى يدركون أن الساحة السياسة لا يوجد بداخلها معصومون؟

وأنا على يقين، بعد تفحص الساحة السياسية وفكر السياسيين خاصة الفكر الظاهر على السطح، أننا لن نجني إلا الكلام نتيجة نهج فوضوي، فمتى ما أصبح لدينا أهل سياسة يتعاملون من أوضاع الحاضر أكثر من ثرثرتهم عن مواقف الماضي، هنا سندرك أن العمل السياسي بدأ يتطور للأفضل، وكما قلت «اللين» في التعامل السياسي مع الخصوم أمر لابد منه، واختم بآية كريمة (ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك).
“الانباء”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.