“فورين بوليسي” تكشف المحادثات السرية بين واشنطن والأكراد في سوريا
كشف تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، مدعماً بوثائق نشرتها المجلة على موقعها الإلكتروني عن محادثات سرية بين واشنطن والأكراد في سوريا، وذلك وفقاً إلى المعلومات التي حصلت عليها المجلة من السفير الأمريكي السابق في سوريا، روبرت فورد
وفي الوقت الذي بات فيه سقوط مدينة كوباني في أيدي الدولة اللا-إسلامية (داعش) وشيكاً، فإن برقيات ورسائل وزارة الخارجية الأمريكية خلال الفترة السابقة تبين كيف حاول المسؤولون الأمريكيون التورط مع الأكراد وإضعافهم في الوقت نفسه.
محادثات سرية مع الأكراد
يذكر التقرير أن الولايات المتحدة رفضت إقامة علاقات رسمية مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وهو الذراع السياسي لوحدات حماية الشعب الكردي، الذي كان يحكم مدينة كوباني وجيوب كردية أخرى داخل سوريا، منذ انسحاب قوات بشار الأسد في يوليو (تموز) 2012، كما
يُعد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي تابعاً إلى حزب العمال الكردستاني الذي أدرجته الولايات المتحدة وتركيا في قائمة المنظمات الإرهابية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المقابلات التي أجرتها مجلة فورين بوليسي مع الدبلوماسيين الأمريكيين والأكراد أوضحت أن واشنطن قامت بفتح قنوات محادثات غير مباشرة مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي منذ عدة سنوات، كما حاولت أيضاً تمكين خصوم الجماعة الكردية والتوفيق بينهم وبين الجيش السوري الحر.
مخاوف من ردود فعل تركيا
وأشارت تصريحات فورد، التي ذكرها التقرير، إلى أن تلك المحادثات مع الأكراد بدأت في 2012، عن طريق بعض الوسطاء، بحضور فورد وبعض الدبلوماسيين الآخرين، وكانت المحادثات تجري بصورة دورية وبمشاركة بعض المواطنين السوريين في أوروبا، واستمرت حتى بعد مغادرة فورد لسوريا، وذلك بمقر السفارة الأمريكية في باريس.
وحول ردود الفعل العنيفة المحتملة من أنقره تجاه الولايات المتحدة، قال فورد: “كان علينا توخي الحذر بسبب الحساسيات التركية تجاه الأكراد، ولذلك تأكدنا أن الأتراك يعلمون بتواصلنا مع الأكراد لتمرير الرسائل، وطلب منا الأتراك، وهم يعبرون عن تقديرهم للشفافية بيننا، أن تكون محادثاتنا مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بطيئة جداً، حيث إن لديهم اتصالات مباشرة مع الحزب، وكانوا يخشون من ضعف نفوذهم على الحزب”.
وذكرت فورين بوليسي أن واشطن قامت في الوقت نفسه بمحاولة تمكين المجلس الوطني الكردي، وهو ائتلاف هش – كما وصفته المجلة – من الأحزاب الكردية السورية المدعومة من الزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني، الذي لديه علاقات جيدة مع تركيا.
وفي مايو(أيار) 2012 قام وفد للمجلس الوطني الكردي بزيارة واشنطن وإجراء مقابلات مع فورد وعدد من المسؤولين الأمريكيين، من بينهم المبعوث الأمريكي للمعارضة السورية.
لم شمل الأكراد والمعارضة السورية
في ذلك الوقت، كما أشارت فورين بوليسي، هدفت الولايات المتحدة إلى لم شمل المجلس الكردي مع المعارضة السورية في المنفى، التي كان يتزعمها المجلس الوطني السوري، وحثت الولايات المتحدة الطرفين على تضييق هوة الخلافات، والتركيز على إزاحة بشار الأسد، واعتبار ذلك الهدف الأكثر إلحاحاً.
وقد تحققت رغبة الولايات المتحدة في نوفمبر(تشرين الثاني) عام 2013، عندما انضم المجلس الكردي إلى ائتلاف المعارضة السورية في إسطنبول، رغم أن المجلس الكردي أعرب من قبل، خلال اجتماعات جرت في مايو (أيار) 2012، عن قلقه من هيمنة كل من تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا وتركيا، الذين لا يختلفون – من وجهة نظر الأكراد – عن البعثيين.
ومن ثم استمرت انتقادت المجلس الكردي لأنقرة لدعمها للإسلاميين؛ إذ دعمت تركيا إقامة حكومة إسلامية مركزية في سوريا يدعمها دستور، دون أية إشارة إلى الأكراد، الذين كانوا يدعون إلى دولة سورية لامركزية تضمن حقوق الأكراد.
وكان لدى الولايات المتحدة بعضاً من مخاوف الأكراد فيما يتعلق بموقف تركيا تجاه الفصائل الإسلامية المتطرفة، وقد تحدث فورد مع المسؤولين الأتراك عدة مرات حول تدفق الجهاديين إلى سوريا عبر المقاطعات التركية.
الإخوان المسلمون في سوريا وشراء أصوات الأكراد
وتشير فورين بوليسي إلى أن المجلس الكردي لجأ إلى الولايات المتحدة لطلب المساعدة، لمواجهة تزايد نفوذ الفصائل الإسلامية داخل المعارضة السورية، إذ كان موقف الأكراد ضعيفاً مقارنة بالإسلاميين، وقد اشتكى أحد أعضاء المجلس الكردي من أن قادة تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا كانوا يحاولون شراء أصواتهم.
واستجابت الولايات المتحدة، وقامت بتدريب النشطاء البارزين من المناطق الكردية السورية، على الأمور السياسية والإعلامية، لتمكينهم من العمل على الأرض، وشرح وجهات نظرهم في وسائل الإعلامي. وحسبما أشار فورد: “جرت أغلب تلك التدريبات في تركيا، في محاولة لبناء شبكة من الأشخاص، بحيث يُصعب على الحكومة السورية رصدها”.
داعش العدو المشترك
ويبرر فورد قائلاً: “إن الأكراد، سواء وحدات حماية الشعب الكردي أو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، هم جماعة سورية تتحرك على الأرض، ومن ثم كان من مصلحة الولايات المتحدة فهم وجهات نظرهم، وكنا نؤمن بضرورة الحاجة إلى الحل السياسي القائم على التفاوض، ومن ثم يجب إشراك الأكراد، رغم أننا نعتقد أن حزب الاتحاد الكردي لا يمثل بالضرورة كل الأكراد، كان علينا معرفة سبب استمرار دعم هذا الحزب لنظام الأسد، وسبب معارضته للنشطاء الأكراد في المجلس الوطني الكردي، حتى تتمكن الولايات المتحدة من استشعار كيفية إنهاء أزمة الصراعات الكردية”.
وتختتم فورين بوليسي تقريرها قائلة: “في أعقاب الهجوم الكثيف لداعش على المناطق الكردية، طلب حزب الاتحاد الكردي مساعدات عسكرية من الغرب، غير أن مصادر كردية كانت وثيقة الصلة بالمحادثات الأمريكية الكردية، أفادت بأن واشنطن تضغط حالياً على الحزب للانفصال عن نظام الأسد، والانضمام إلى الائتلاف السوري والعمل مع الجيش السوري الحر، ومن جانبه أوضح الحزب الكردي لواشنطن أنه لا يدعم الأسد، مشيراً إلى أن المعارضة السورية في إسطنبول هي التي ترفض العمل مع الحزب”.
وفي الوقت نفسه، يحث فورد الولايات المتحدة على إعادة تقييم موقفها تجاه الأكراد السوريين ودعمهم بهدف محاربة العدو المشترك وهو تنظيم داعش.