مقالات

الدفاع عن المبدأ.. يرسم الأمل!!

الحياة الحقيقية ليست مسألة سهلة.. ليست «مسطرة» يسير عليها الناس.. أو «بروشور» يحدد قواعد السير.. وآلياته وأدواته.. الحياة الحقيقية مغامرة ومخاطرة.. اندفاع وحيوية.. عيش بخوف.. أو عيش بكرامة.. حياة العبيد أو حياة الأحرار!.
بعض الناس فقط هم من يجيدون فن الحياة على هذا النحو.. وسير العظماء في العالم تلهمنا الكثير والكثير من فن الحياة الجميلة.. وخاصة الحياة القائمة على توحد العقل والروح معاً فهما أساس الحياة.. هما وقود الانسان وطاقته للنضال من أجل مبدأ راسخ يؤمن به.. ويدافع عنه في حياته.. بحيث تكون حياته أجمل ولا تكون مجرد ردود أفعال.. خاصة.. ردود أفعال لأناس أرادوا لك ان تعيش حياة أقرب الى «العبودية» فالحياة الحرة تتطلب جهاداً وتعباً وتفكيراً واصراراً.. وايماناً بالمبادئ التي تصنع الحياة الأجمل.
٭٭٭
النموذج الرائع في هذا الصدد هو سيرة حياة البطل محمد علي كلاي.. بطل العالم في الملاكمة للوزن الثقيل.. والأكثر شهرة على مستوى العالم.. منذ ان احترف الملاكمة في عام 1960 فعندما كان عمره 18 عاماً أحرز للولايات المتحدة الأمريكية الميدالية الذهبية في دورة روما الأولمبية.
محمد علي (كلاي) اجرى تغييراً كاملاً في حياته سنة 1964 عندما اعتنق الاسلام وانضم الى امة الاسلام بزعامة الإيجا محمد»، وهي جماعة هدفها الرئيسي هو تحرير السود من الطبقية والعنصرية والانفصال عن البيض وقام بتغيير اسمه من «كاسيوس كلاي» الى «محمد علي» وان بقي اللقب «كلاي» كاسم شهرة له.
٭٭٭
وقد استن محمد علي سنناً اكثر احتراماً وتقديراً في عيون العالم كله جعلته رمزاً حقيقياً للانسان الذي جمع بين الحكمة والكبرياء والايمان بعقيدته وفخره بها!!.
قصة محمد علي(كلاي) يجب ان تدرس لعمق مضمونها، فهو قد ادين في عام 1967 بجريمة التهرب من الالتحاق بالجيش الأمريكي (كمجند)، واتهم بعصيان الأوامر نتيجة المشاركة في حرب فيتنام، حيث رفض المشاركة بسبب ان الدين الاسلامي يحصن المسلمين عبر آيات القرآن الكريم وسنة رسوله الكريم، عليه السلام، بنبذ الحرب وسفك الدماءكما هو الحال بالحرب القائمة التي كانت بين الشعبين الامريكي والفيتنامي، الا ان رفضه سبب باتهامه بالعصيان وبناء على هذا تم تجريدة من لقب بطولة العالم في الوزن الثقيل الذي يحمله مع سحب رخصته بمزاولة الملاكمة، أدى الى انه أجبر على التوقف عن ممارسة اللعبة رسمياً لمدة 4 سنوات.. وحدث هذا في الوقت الذي كان يستأنف فيه ضد الحكم، وفي نهاية الأمر انتصرت له المحكمة الدستورية العليا وهي اعلى مرجعية قضائية نهائية في البلاد، والتي وجدت بالفعل ان عقيدته الاسلامية هي التي منعته من الالتحاق بالحرب ولم يكن ذلك عصياناً منه.. وقد سبق للمحكمة انها نظرت في قضايا مشابهة ولم تبدر منها آنذاك أي تحيزات عنصرية مشابهة!.
٭٭٭
هذه الواقعة أظهرت الجانب المضيء من هذه الشخصية الرائعة التي تمسكت بمبدئها وعقديتها على الرغم من الصعاب التي واجهها السود في فترة الستينات، ورغم معاناته جراء توقفه عن كسب عيشه ورغم كل الصعاب التي واجهته وكادت تدمره، الا انه وقف صلباً لا تثنيه مصلحة شخصية أو تغريه الشهرة والمال والأضواء على التنكر او التخلي عن مبادئه حتى وهو في هذا العمر.. وهو يصارع مرض الباركنسون (الشلل الرعاش) ولم يزل مقاوماً، فالمعروف ان في هوليوود شارع يطلق عليه شارع المشاهير وتخصص فيه أماكن للنجوم ليضعوا بصمة لهم فيها.. تخليداً لدورهم، وهو تقليد أمريكي معروف لتخليد النجوم.. فعندما عرضوا على (محمد علي) ان يضع اسمه وبصمته الشهيرة في هذا الشارع تخليداً له فانه رفض انسجاماً مع عقديته أيضاً.. فقد قال لهم: ان اسمي على اسم النبي الذي أؤمن به (محمد صلى الله عليه وسلم).. وأنا أرفض تماماً ان يوضع اسم «محمد» على الأرض.
٭٭٭
وأمام هذا الموقف المبدئي وهذا الاختيار الحر الواعي بين ان تكون ارادة الانسان حرة.. وبين عبادة الشهرة فإنهم بادلوه تقديراً بتقدير، فكان هو الوحيد الذي خلد اسمه من خلال وضع اسم محمد على شكل النجمة على جدار الشارع الشهير وليس على الأرض وهو الوحيد الذي تمتع بهذه الخصوصية، كم هو درس بليغ ومعبر.. كم هو جميل ان يؤمن الإنسان بمبادئه ويدافع عنها حتى لو كلفته الكثير، وما اجمل ان يدافع المرء عن دينه وعقيدته وان يفرض ذلك بكل قوته!.
في المقابل نجد ان هناك من يسيء لدينه اساءة بالغة ويسيء الى نفسه والى شخصه تأسيساً ان المبادئ لا تتجزأ، فالحياة تتطلب منك ان تخاطر من أجل مبادئك.. ولا يمكن لك ان تؤجل مخاطرتك وتقول سأخاطر يوماً ما.. فالحياة امامك اما ان تحياها لتعيش حراً بكرامة او تعيشها عبداً بخوف.. فمن يكتسب الاحترام وتبقى سيرته على طريق واحد هو طريق النضال دون تهاون أو تفريط فهو من يرسم الأمل في قلوب الأجيال القادمة!.
.. والعبرة لمن يتعظ!!.

منى العياف
alayyaf63@yahoo.com
twitter@munaalayyaf

“الوطن”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.