مقالات

حكاية.. شخابيط

حسن الهداد

انتشر مؤخرا مقطع فيديو لرسام مذهل يرسم لوحة أمام لجنة تحكيم في غضون تسعين ثانية، يسمى بالرسام السريع. المدهش في الأمر ليس فقط انه سريع في الرسم وليس لأنه في خلال ثوان رسم أحد لجنة التحكيم حتى أذهل اللجنة والحضور والمشاهدين، بل إنه خلال التسعين ثانية رسم اللوحة مقلوبة فلم يعرف أحد ملامح رسمته إلا بعد انتهائه وقلب اللوحة فاتضحت حينها ملامح الرسمة لتشبه أحد أعضاء لجنة التحكيم. إنه الرسام الأميركي «دي ويستري».
هناك شبه ما بين تلك اللوحة وهي ترسم مقلوبة لم تتضح فيها ملامح الرسمة واللوحة التي ترسم عليها ملامح السياسة الكويتية ومجرى أمورها الاقتصادية والاجتماعية.

كيان أي وطن يتضح من أركانه الثلاثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في الكويت كل هذه الأركان أصبحت معضلات تضيق أنفاسها في طريق وعر يصعب الخروج منه طالما الكل يرى تحت قدمه ليس أكثر متجاهلا المصلحة العامة للبلد، والمشكلة مهما تلتفت لها من زاوية ستجد الخلل أيضا متفشيا بزوايا أخرى.

الزوايا الثلاث التي ذكرت تفيض منها المشاكل فلا تحتاج إلى منظر أو الى سياسي محنك لاكتشافها بل تحتاج إلى مواطن بسيط جدا يحتك بكل أمور المعيشة اليومية من عمل إلى معاملات إلى احتكاك اجتماعي ليشعر بها في المؤسسات وفي أنفس البشر.

ولكن ما لا يمكن معرفته عن طريق البساطة في التفكير والمعيشة، هو هل المتغيرات التدريجية السريعة التي طرأت مؤخرا مخطط لها وهل اللوحة التي ترسم مقلوبة فعلا أم هي ليست مقلوبة ولكن الرسمة التي تحتويها ماهي إلا «شخابيط» وخطوط عشوائية تم تكوينها عن طريق الفوضى التي تتغلغل منذ القدم وعاشت في وحل التراكمات، ولا نستطيع أن ننفضها من مجتمعنا الذي يحوينا؟ إن كانت الرسمة الفوضوية حقيقية ترمز إلى شيء ما رغم أنها مقلوبة فهنا يكمن في الأمر سوء لم يتضح بعد، إذ هناك من يريد الفشل للبلد بكل جوانبه وهذه مهمة مشتركة للأسف بين عقلية شعب يعتمد على الفزعات الضيقة، وترضيات حكومة تعتمد على تحالفات أيضا ضيقة تعتقد أنها الحل لفك لغز مشاكل البلد، فإذا كانت هذه النظرة للرسمة المقلوبة ترسم بريشة العقلية «الشعبية الحكومية» فالأمر سيزداد سوءا.

الكويت اليوم.. بأمس الحاجة إلى ريشة الرسام الأميركي «ويستري» فرغم «شخابيطه» على اللوحة المقلوبة إلا أنه عندما قلب اللوحة الجميع انبهر من ملامحها التي كانت تمثل واقعا حقيقيا متمثلة في صورة شخص من لجنة التحكيم، وهذه الريشة العجيبة فقط بحاجة إلى العمل والجهد لصالح الوطن كل على حسب مقدرته ابتداء من الالتزام بالقانون والاجتهاد بالعمل والالتزام بالوحدة الوطنية.

أما إن كانت تلك الرسمة ليست مقلوبة وهي مجرد «شخابيط» عشوائية نتاج الفوضى، فأقرب تشبيه لنا هو أننا مازلنا نغوص في زمن الماضي في أمورنا ولم نختلف عن أجدادنا أهل الصحراء فلم نتقدم عنهم والفارق بيننا وبينهم هو أننا نعيش في صحراء مبنية وهم كانوا يعيشون في صحراء بدائية بل هم أفضل لأن استهلاكهم أقل منا بكثير، ونحن لا نستطيع أن نكيف أنفسنا مع التقدم والازدهار والارتقاء بأنفسنا ومجتمعاتنا والمؤشرات على ذلك سوء استخدام ما تفيض به أرض الوطن من ثروات ومصادر غنية وموارد بشرية.

hassankuw@hotmail.com

“الانباء”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.