نتحلطم.. والعيب فينا
حسن الهداد
أسطوانة الإصلاح السياسي، ومحاربة الفساد، وتحقيق التنمية، نرددها كل لحظة في حواراتنا، وهذا هو واقع الحال الذي نستشعره اليوم وغدا وبعد سنوات.
هذا يعني أن روح المواطن الصالح مازالت ترفرف فوق اجواء المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، اذن أين موقع الخلل مادام الكل ينشد ويرغب في إحياء حالة الإصلاح علىجميع الأصعدة، ويعزف على أوتاره في الليل والنهار؟.
كل أطياف هذه اللوحة الشعبية الرائعة، لو توافرت كواقع يمارس في كل زوايا الوطن لرأينا حال كل فاسد ومتجاوز على القانون يرثى لها، وسيتحولون رغما عن أنوفهم إلى أصنام تنتظر هدمها ومن ثم ترمى نفاياتها في حاوية السياسة.
الشعوب الحية التي تملك ثقافة محاربة الفساد لا يمكن أن تسمح لسواعدها ببناء عروش للفساد، انظروا من حولكم في معظم بلدان الغرب وستعرفون ما أعني هنا، والسؤال: هل نحن من تلك الشعوب الحية؟ وهنا اعني بـ «نحن» المجتمع المهتم بالشأن السياسي.
أعتقد اننا لا نمثلها، بل نحن من يهتم ببناء قواعد الفاسدين ونصنعهم، ومن ثم نتباكى على حالنا، ونصرخ ألما من حجم تجاوزاتهم.
قد يسأل سائل: كيف نحن كشعب من يهتم ببناء عروش الفاسدين؟.
نعم.. نحن شركاء بالفساد من دون أن نشعر بذلك نتيجة ممارساتنا العشوائية، وإن كنا صادقين في حمل راية الإصلاح، وحتى اذا تباكينا على حالنا.
أولا: أليس نحن من سهل فرصة تصعيد البعض من خلال اختياراتنا «الغبرة»، إذن نحن أيضا فاسدون من غير ان نشعر بفسادنا، ولا نعرف معنى الإصلاح إلا بسيمفونية شعاراته اللامعة.
ثانيا: أليس نحن ممن يجري وراء أشخاص جعلونا في حالة انقسام خطير كل ذلك من أجل عيون المتصارعين؟.
ثالثا: أليس نحن من يمجد بمعارضين مازلوا يتسترون على فساد أقاربهم وحلفائهم ويعقدون الصفقات في الظلام؟.
رابعا: أليس نحن ممن يسعى للحصول على شهادة علمية من غير دراسة، ووظيفة من غير دوام منضبط، ومناصب من غير جهد أو إنجاز؟.
خامسا: أليس نحن ممن حول حالنا إلى فريقين كل منا يشجع رأس الحربة حسب الانتماء القبلي والطائفي والفئوي من دون أن نعرف أو حتى نتأكد من الحقيقة بسبب التعصب الأعمى؟.
سادسا: أليس نحن ممن يسخن المشهد الطائفي وإثارة الفتن لصالح فاسدين يتغنون باسم الدين؟ وأليس نحن، وأليس نحن التي لا تنتهي إلا بمآس من التناقضات التي نحملها.
نعم، هناك فاسدون، وفي المقابل هناك شخصيات لا تهتم إلا بامتيازات الكراسي وينتهي بمسمى «وزير سابق»، وهذا واقعنا، وسلطة المجتمع دائما ما تكون محدودة، ولكن لنا سلطة على من اخترناهم.
إذن نعود مرة أخرى ونؤكد أن الخلل نحن من صنعه باختياراتنا الفوضوية.
فلو كانت هناك أغلبية غير إقصائية، أكرر غير إقصائية وتمثل جميع أطياف الشعب تمثيلا وطنيا حقيقيا، ما كان هذا حالنا في كل زوايا الوطن.
بالنهاية: الفاسدون يجيدون فن اللعب على الساحة السياسية وقوتهم ورهانهم يكمن في استمرار ثقافة اختيار الشعب، وثقافة مفهوم الشعب للديموقراطية كإنجاز معاملة وعلاج سياحي، وأنا أراهن لو تغيرت ثقافة الشعب باختيار أشخاص أمناء على وطنهم، فلن يكون حال الفاسدين إلا الهروب من المشهد السياسي إلى المجهول، لأن الشعوب الراقية هي التي تصنع الإصلاح في أصعب الظروف.
hassankuw@hotmail.com
“الانباء”