الهجمات اليهودية على الأقصى تنذر بتهويده
هجمة تهويدية إسرائيلية شرسة وغير مسبوقة يتعرض لها المسجد الأقصى المبارك، هذه الأيام، تترافق مع أخرى استيطانية مماثلة تتعرض لها المدينة المقدسة وأحياؤها الفلسطينية، تستهدف، في نهاية المطاف، إفراغ المدينة من أهلها تمهيدا لإطباق قيد التهويد عليها بعد فرض وضع ديموغرافي واقع عليها.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فبالأمس القريب، كان الحرم الإبراهيمي الشريف بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة التي بدأت الحملة عليه تحت ذرائع وحجج دينية متطرفة إلى أن وقع في قبضة التهويد والتقسيم بين يهود ومسلمين، ووصل به الحال اليوم حتى إلى منع إقامة الأذان والصلوات فيه، فضلا عن الإغلاق الكامل أمام المسلمين، وخاصة فيما يسمى بالأعياد اليهودية.
واليوم جاء الدور على المسجد الأقصى المبارك بالقدس، وسط خشية وقلق بالغين من أن يؤول الحال فيه إلى ما آل إليه في الحرم الإبراهيمي.
تهويد بطيء للأقصى
هذه الهجمة العدوانية الإسرائيلية غير المسبوقة أخذت تتصاعد رويدا رويدا، ظاهرها مستوطنون متطرفون ينتمون لنحو 20 منظمة وجماعة دينية تلمودية متطرفة باتت تستبيح ساحات الحرم القدسي وتقتحم بواباته وتلج إلى داخله بذريعة زيارة أو إقامة شعائر دينية، تحت حماية بنادق الجنود وهراواتهم، وباطنها السعي إلى التهويد البطيء.[image:2]
ولم تفلح الهبات والغضبات الشعبية الفلسطينية التي تنطلق بين الفينة والأخرى دفاعا عن الحرم القدسي، في الحيلولة دون اقتحامه وتدنيسه، بسبب ما تواجهه تلك المظاهرات والاحتجاجات من قمع عسكري وممارسات عدوانية، وصلت إلى حد منع المصلين من دخول الحرم وأحيانا منع إقامة الصلوات فيه وطرد المعتكفين داخله أو طلاب العلم وتحفيظ القرآن منه.
إجراءات احتلالية
وقد فرضت سلطات الاحتلال شروطا تعجيزية على المواطنين الفلسطينيين من الضفة الغربية ومناطق فلسطين 48″ الراغبين في زيارة الحرم القدسي والصلاة فيه، أقلّها منع الرجال دون الخمسين عاما من العمر من دخوله، إلى جانب فرض إجراءات أمنية مشددة في محيط المسجد الأقصى، بحجة منع المواجهات داخله وفي ساحاته، بينهم وبين المستوطنين وجنود الاحتلال، وإقامة الحواجز العسكرية على مداخل مدينة القدس وتكثيف الدوريات داخل البلدة القديمة وإغلاق الطرق المؤدية إلى المسجد الأقصى.
وتجري وقائع كل فصول هذه الهجمة، تحت سمع وبصر الحكومة الإسرائيلية، بل وبتشجيعها وحمايتها، إلى أن وصل الأمر برئيس تلك الحكومة، بنيامين نتنياهو، والذي على ما يبدو قد شرع في معركة تهويد القدس بمحاولة السيطرة على المسجد الأقصى المبارك.
ويستدل على ذلك بدعوته لقوى الأمن الإسرائيلية بالضرب بيد من حديد واستخدام القوة المفرطة في مواجهة الفلسطينيين الذين يدافعون عن الأقصى ويتصدون للمتطرفين اليهود الذين يحاولون فرض أمر واقع بتقسيم المسجد مكانيا مثلما نجحوا من قبل في تقسيمه زمانيا على غرار الحرم الإبراهيمي في الخليل.
الرئاسة الفلسطينية
الرئاسة الفلسطينية ردت على الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة بشأن القدس والأقصى، وخاصة مواقف فيجلين ونتنياهو، من المسألة باتهام نتنياهو بتحويل الصراع مع الشعب من صراع سياسي إلى صراع ديني، محذرة الحكومة الإسرائيلية من أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بتمرير تلك الإجراءات بحق المسجد الأقصى المبارك والحرم الإبراهيمي الشريف.
سبب هجمات الأقصى
والعوامل التي دفعت بقضيّة القدس إلى صدارة أولويّات الاحتلال كثيرة، منها ما هو سياسيّ يتعلّق بانعدام الرؤية المستقبليّة والتنافس بين الأحزاب المختلفة، ومنها ما يتعلّق بطبيعة الدولة ونظرة المجتمع لها وثقته بقدرتها على الاستمرار بعد فشلها في حربي لبنان وغزّة، وفشلها في حسم مصير المدينة بعد مرور 47 عامًا على احتلالها.
ومنها أسباب دينيّة متعلّقة بتغيّر نظرة المتدينين اليهود إلى المسجد الأقصى الذي يزعمون أنّه “جبل المعبد”، وتغيّر نظرة المجتمع اليهوديّ بكامله إلى أهميّة بناء “المعبد الثالث” ودوره في حياة الشعب اليهوديّ واستمراره.
وقد انعكست هذه التطوّرات على الأرض على شكل هجمةٍ تهويديّة غير مسبوقةٍ على مدينة القدس وصلت ذروتها خلال عام 2009 الذي كان أكثر عامٍ شهد تطوراتٍ في قضية القدس، كماً ونوعاً، طالت كلّ شيءٍ في المدينة، بدءًا بمقدّساتها وسكانها وأرضها وحتى هويّتها الثقافيّة وطرازها المعماريّ.