إلحاد.. وسط مسلمين
حسن الهداد
في الآونة الأخيرة، لفت انتباهي حوارات بين الشباب العربي المسلم على وسائل التواصل الاجتماعي، مضمون تلك الحوارات لا يتجاوز تزيين الإلحاد.
والمصيبة التي لم أستطع استيعابها ولا تحليلها في نقاشاتهم، انهم يدعون الناس للإلحاد، وترك الدين الإسلامي الحنيف، أليست هذه الدعوة مضمونها كارثي اذا ما استمرت من قبل شباب مسلم تركوا الإسلام؟
هذه الهجمة الإلحادية الخطيرة فعلا جعلتني اقف لحظة مع النفس وأطرح سؤالا: هؤلاء الشباب المسلم بعدما مَنّ الله عليهم بنعمة الإسلام.. لماذا تحول إيمانهم إلى إلحاد وهم يعيشون في بلاد إسلامية؟
طبعا.. إلى الآن لم أجد إجابة كافية ومنطقية على هذا السؤال، ربما لأن الأمر بحاجة إلى دراسة موضوعية وبحث وعينات وتحقيق مع الملحدين الجدد، لأن مهما وضعت مبررات وأسبابا فرضية، حتى لو كانت ترتكز على تعامل وتعصب بعض رجال الدين مع عامة الناس، فلا أعتقد أن الأمر سيكون بهذه السهولة التي تجعل الشباب المسلم يترك دينه.
كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء عن هذا الموضوع الذي شغل فكري، فقال لي: سبق أن ناقشت شابا كان مسلما ولكنه ألحد منذ أعوام قليلة، وعندما طال النقاش معه عن أمور الدين والعقيدة والتعصب الذي يحمله البعض وتأثيره على المجتمع، انتهى الملحد بخاتمة ذيلها بعدة أسئلة.. قائلا: قبل لا تحتقر الملحدين وتنظر إليهم بكراهية ما عليك إلا أن تسأل نفسك وتبحث عن الإجابة، لماذا ظاهرة الإلحاد بدأت تطل برأسها على الساحة الإسلامية؟ وهل الملحدون يدعون لقتل النفس التي حرمها الله حسبما أنتم تعتقدون؟ وهل الملحدون يدعون للكراهية والتعصب والإقصائية ونحر رقاب من يخالفهم في العقيدة؟ وهل الملحدون يدعون إلى طرد كل من هو غير مسلم من أراضيهم؟ لماذا المسلمون المضطهدون يلجأون إلى بلدان الإلحاد بحثا عن إنسانيتهم.. فأين كانت إنسانيتهم في دول الإسلام؟
هنا كان رأيي أن الإجابة لا يمكن أن نختزلها برأي إنشائي ولا ثرثرة دواوين ولا حتى الطعن في شخوص الملحدين الجدد فحسب، ولا المطالبة بصدور فتاوى تجيز هدر دمائهم من قبل بعض مشايخ الدين.
أعتقد أن القضية أكبر من إصدار الفتاوى بحق الملحدين، كون القضية في مجملها حساسة مادامت تتعلق بالابتعاد عن الإسلام، وأعتقد أنها بحاجة إلى دراسة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى نفور الشباب المسلم من دينه، فالبحث عن الحقيقة واجب شرعي، وأهم بكثير من التسرع في صدور أحكام على المرتد، والتي باتت ملكا لبعض المشايخ، الذين يحكمون على الناس كما يشاءون من دون التحقق والعودة إلى معرفة الأسباب الحقيقية وراء هذا الخلل الذي أصاب عقول هؤلاء الشباب.
القضية بحاجة إلى ضرورة العمل على معالجتها بأسرع وقت ممكن حتى لا تتفاقم الظاهرة ونفقد شبابنا، نتيجة قصور في توضيح حقيقة الدين الإسلامي، الذي يدعو للمحبة والسلام والأخلاق وتهذيب النفس.
الكارثة أن العقول مازالت تتفاوت بين المسلمين أنفسهم في مسألة العقيدة الإسلامية ومنهجها، فالخطورة تكمن عندما لا يفهم البعض أن حالات التعصب والكراهية والدعوة للقتال لا تمثل الدين الإسلامي، بقدر ما تمثل حالات همجية ترتدي ثوب الإسلام.
فمن هذا الباب يجب على أصحاب المنابر أن يدعوا لمبادئ الدين الإسلامي خاصة التي تدعو إلى نشر الأخلاق والسلام والمحبة، وأيضا يجب على بعضهم أن يلتزم ويبتعد عن نشر فكر التعصب والكراهية والدعوة للقتال حتى لا تتشوه صورة هذا الدين الحنيف، وتتحول نتائجه عكسية على عقول الشباب، ومن ثم نرى هجرتهم لعالم الإلحاد.
٭ أخيرا.. أجمل ما قاله المسلم للملحد أثناء نقاشهما، الملحد يسأل المسلم: ما هو حالك لو مت ولم تجد حسابا ولا جنة؟ رد المسلم على الملحد: بالتأكيد سأكون أفضل من حالك، إذا أنت مت ووجدت حسابا ونارا.
hassankuw@hotmail.com
“الانباء”