سفريات 2 “باريس Two Minute”
صالح الغنام
أكدت في مقالة أمس, وأؤكد اليوم مجددا أن ما أكتبه في سلسلة مقالات “سفريات”, ما هو إلا انطباعات محض شخصية عن كل بلد زرته, وتجربة خاصة أنقلها لكم من واقع عايشته بنفسي, لذلك لن أكترث بتاتا لأي قول يناقض قولي, حتى وإن أتى مدعما بدراسات أو إحصاءات أو حقائق موثقة. فباريس التي احتلت المركز الأول في الأعوام الأخيرة كأفضل وجهة سياحية على مستوى العالم, والتي يصفها كثيرون بعاصمة الموضة, ومدينة النور, وأرض الجمال, هي بالنسبة لي أسوأ مدينة على وجه الأرض, والشخص الذي يمتدح باريس ويباهي بها, هو في نظري شخص عديم التمييز, ويفتقر للذوق, أو محدث نعمة غرضه “التشيحط” أمام خلق الله. فباريس, ليست سوى صيت بائر, وأجمل ما فيها رنة اسمها الموسيقي, الذي هو أشبه ب¯”الماركة” العالمية!
أول زيارة لي إلى باريس كانت منذ ربع قرن, ومن يومها, شطبت هذه المدينة من خريطة رحلاتي السياحية, فعلت ذلك, رغم أنني كنت في ضيافة رجل أعمال كويتي استقر في باريس, وكان أن هيأ لي جميع أسباب الترف والدلال والراحة, ومع ذلك, كرهت تلك المدينة التي يصعب على أشطر المتفرسين إيجاد هوية محددة لها. وقبل أسابيع, زرت باريس مضطرا, ولم يجبرني على ذلك إلا الشديد القوي, فكان أن وجدتها كما تركتها, بل وأسوأ. فالمطاعم مازالت تقدم مأكولاتها ومشروباتها بأطباق متسخة وأكواب قذرة ¯ انتبهوا, أنا لا أتحدث عن بسطة في عرض الشارع, وإنما عن أشهر مقاهي باريس وأفخم مطاعمها ¯ وغير انتشار اللصوص وشيوع سرقة المصطافين في وضح النهار, فإن رقعة الاحتيال اتسعت وشملت الفنادق والمتاجر الكبرى, بعد أن كان النصب يقتصر على سائقي “التاكسي” والباعة الجائلين!
أما حكاية أن باريس مدينة الأضواء, فهذا كان زمان وغبر. فشارع الشانزلزيه, وهو الشارع الأكبر والأشهر والذي يمثل قبلة السياح, فإن أنواره لا تضاء إلا في تمام العاشرة مساء, أي بعد غروب الشمس بنحو ثلث ساعة, ومعظم الأنفاق المحيطة بباريس, معتمة وموحشة, وتعتمد في إنارتها على أضواء السيارات! والمفارقة, أن سكانها من النوع “الجمبازي”, فكلهم يتعاملون ب¯ “لزمة واحدة” وقول واحد, وهو: ” minute2″ أي “خلال دقيقتين”. فالوصول إلى محطة القطار, وطلب وجبة من المطعم, والمسافة بين شارع وآخر, وتفصيل بدلة “سموكن”, والسفر إلى كوكب المريخ, كله عندهم يستغرق, “2 minute”… فعلا مدينة فاشلة, ولا تستحق البقاء فيها لأكثر من ” minute2″!
salehpen@hotmail.com