منوعات

مصاب بمتلازمة «داون» يهزم «النظرة الدونية» بأبناء يفتخرون به

أثارت صورة انتشرت عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر أباً يعاني من متلازمة «داون»، برفقة أبنائه وهم يفخرون به، إعجاب مستخدمي المواقع، وباتت هذه العائلة حديث الناس، و»الحياة» التقت العائلة التي تحمل قصة هي أشبه بقصص الخيال العلمي أو الأفلام.

بدأت القصة حين قررت سيدة مواساة صديقتها التي يعاني أحد أفراد أسرتها من متلازمة «داون» والتخفيف من قلقها على مستقبله، إلا أنها أكدت لها أن «الحياة ستسير بشكل طبيعي ولا خوف عليه، وخير مثال قصة أبي الذي يعاني من المرض ذاته ، ونحن جميعاً نفتخر به، ولا نجد حرجاً من أن يظهر للمجتمع بصورة طبيعية».

وحققت الصورة أرقام مشاهدة وتعليق مرتفعة جداً في مواقع التواصل الاجتماعي، محققة إشادة كبيرة لبر الأبناء بوالدهم، الذي لا يعي أبداً أنهم أبناؤه، ليتحولوا مع مرور الزمن إلى آبائه الذين يرعونه، إذ وُلد بمرض متلازمة «داون»، الذي يقيد التفكير ويبقي المريض في مرحلة عمرية محددة.

وسرد علي سعيد الحميدي وهو أحد الأبناء، قصة والده التي تقترب من حدود الدهشة، وقال «يبلغ والدي الآن ٥٣ عاماً، قضاها في معاناة مستمرة مع مجتمع لا يستطيع أن يتقبل إلا الأصحاء، وهو أب لثلاثة أولاد وبنتين، حقق بهم المعادلة الصعبة وأكد للمجتمع أنه فرد صالح ومنتج، ولا يختلف عنهم بل هم المختلفون».
وأوضح «أخبرني جدي أنه تعب من زيارة الأطباء لمعالجة والدي، وحين قرر أن يزوجه ويجد له زوجة ترعاه، نصحه الأطباء بنسيان الأمر، لوجود احتمال في إصابة أطفاله بالمرض ذاته، وهذا سيزيد من المعاناة أكثر، لكن جدي رفض أن يسمع لهم، ونصحه بعض الأصدقاء بتزويجه من الخارج، فذهب إلى الهند وعقد قرانه على والدتي».

وصلت الأم إلى الأحساء، وبدأت رحلة الغربة مع زوج مريض، ومجتمع مختلف عما كانت فيه، وشعرت بالعزلة التامة، وبعد أربعة أعوام وإنجابه لأربعة أطفال قررت العودة لوطنها تاركة خلفها ولدين وبنتين، كان مصيرهم أن يتوزعوا بين الجبيل والدمام والأحساء.

وقال علي «كنت أعيش مع جدي، ولم أكن ألتقي بإخوتي، بل نسيت ملامحهم وبالمصادفة التقيتهم بعد مرور عامين في لقاء سريع، وأنجبت والدتي أخي الأصغر في الهند، وبعدها قررت العودة للأحساء»، مضيفاً «لم نكن نشعر بالأبوة في صغرنا، وكان همنا الأكبر كيف ندافع عن والدنا في الشارع، ونطرد عنه المتخلفين الذين يحاولون إيذاءه، وهذا الأمر تغير حين كبرنا وأثبتنا للمجتمع أن هذا الرجل المريض أنجب رجالاً وسيدتين يفتخر بهم مثلما يفتخرون به».
اضطر الأبناء إلى عدم إكمال الدراسة، للعمل المبكر ورعاية والدهم الذي لا يستطيع تلبية أبسط متطلباتهم، ويشير علي «لم نكمل المرحلة الثانوية، إلا أن أخي الأصغر أدخل السرور إلى قلوبنا حين تم قبوله في الجامعة ليحقق أحلامنا في إتمام الدراسة شعور لا يمكن أن يوصف».

وقال «كثيرون لا يعلمون أن والدي لا يعي أننا أبناؤه، وهو شعور مؤلم لمن جربه، ولكن عندما تزوجنا أصبح يلح بالسؤال عنا وعن أطفالنا، وحين نجتمع عنده يعبر عن سعادته بطريقته الخاصة»، وعن سبب انتشار صورتهم في مواقع التواصل قال: «كانت أختي الكبرى تجري حديثاً مع صديقتها التي يعاني أحد أفراد عائلتها من متلازمة «داون» وكانت تحمل أفكاراً مغلوطة عن حاملي هذا المرض».

وأوضح «كانت صديقة أختي قلقة من أنه لن يعيش طويلاً، وإن عاش لن يتزوج وينجب أطفالاً، إلا أن أختي أوردت لها مثالاً حياً ليفند جميع استنتاجاتها، وهذا المثال والدي، فأدرجت صورة له ولنا في إحدى المناسبات وانتشرت الصورة بسرعة ولقينا إشادات كثيرة أنستنا معاناة الأعوام الماضية».

وفي سؤال عن «لو رجع الزمان به للوراء هل سيختار والد غير والده؟»، صمت علي طويلاً قبل أن يجيب بثقة كبيرة «بالطبع لن أختار سوى والدي الحالي، والسبب واضح أنني أفتخر به وأراه أعظم الآباء، وأنه سيكون سبباً رئيساً في دخولي الجنة فثقتي بالله كبيرة جداً»، مضيفاً «أكثر ما يؤلمني أنه يشعر بالحزن، وأعتقد أن حزنه الداخلي أكبر من تصورنا وهذا مؤلم جداً».

انتصر سعيد الحميدي بعد مرور أكثر من ربع قرن على نظرة المجتمع الدونية له، وأصبح يسير في الشارع دون خوف أو قلق من استهزاء الناس به، إذ حقق المعادلة الصعبة أن يعيش عمراً أطول، ويتزوج ويكون لديه أطفال، فأحفاده يملؤون المنزل سعادة معه، بل منحوه طفولته المفقودة، وإن لم يستطع التعبير عن ذلك. تظهر ملامح سعيد الهادئة جداً وعيناه التي تسلل إلى محيطهم التجاعيد، حكايات أعوام طويلة من الإقصاء والضرب والاستهزاء، وعلى رغم عدم إدراكه إلا أن هذا لا يُشعر أبناءه بالحرج في المناسبات الاجتماعية، وعلل ابنه ذلك بـ «هو طفلنا المدلل الآن، وله الحق في أن يفعل ما يريد».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.