مقالات

600 حوبة في الإرادة

راكان بن حثلين

عجيب غريب أمرنا في الكويت، وصدق من قال إن بلدنا أصبحت «عذاري».فبينما تتوزع التبرعات الكويتية الرسمية وغير الرسمية يميناً وشمالاً، وتتدفق المساعدات للمؤسسات التعليمية في الدول الأخرى مثل الأردن وكندا واليابان وباكستان التي تبرعت الكويت مؤخرا بنصف مليون دولار للجامعة الإسلامية العالمية فيها، نجد الدولة ممثلة بمؤسساتها الرسمية تقف بليدة بلا حراك ولا تعاطف ولا مسؤولية مع معاناة أطفال البدون الذين حرموا من حقهم الإنساني والشرعي في التعليم.

وأمام مشهد نزول أطفال البدون إلى ساحة الإرادة من أجل إيصال صوتهم للحكومة والمسؤولين، ولكل ضمير حي في هذا البلد، لم نلمس أي تطور إيجابي، سوى سماح وزارة الداخلية لهم بإقامة هذا التجمع، بعد أن كانت الوزارة نفسها منعت تجمعاً مماثلاً في العام الماضي، نظمته مجموعة «لدي حلم»، وطردت مجموعة من الأطفال البدون الذين لا تتجاوز أعمارهم 10 سنوات من ساحة الإرادة، في مشهد مخجل ومخز، بحجة أن قانون التجمعات ينطبق على المواطنين «حصراً»، على الرغم من أن الدستور نص على حق الأفراد في التجمع دون أن يميز بين مواطن ووافد، أو «مواطن مع وقف التنفيذ» كما هو حال إخواننا البدون.

أما الجهات المعنية بالهدف من إقامة التجمع، مثل الجهاز «المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية»، ووزارة التربية، فلاحس ولا خبر»، وكأن الأمر لا يعنيها، فلا مسؤول نزل إلى ساحة الإرادة من أجل الاستماع إلى مطالب الأطفال، ولا حكومة علقت أو صرحت بما يجبر خواطر الأطفال وأهاليهم.

600 من أحباب الله «على الأقل»، حرموا من حقهم في التعليم، لأسباب ومبررات سخيفة، لا ترقى لأن تكون عائقا أمام التحاق الأطفال بالمؤسسات التعليمية، في بلد داعم وممول لنشر العلم في العالم. 600 حوبة ونقمة ألقت علينا الحجة أمام الله وأمام الناس، وحملتنا مسؤولية ضياع سنة دراسية من عمر هذا العدد من الأطفال، وربما مستقبلهم بالكامل.

600 جريمة بحق الإنسانية، وسبة تشوه سجل العمل الإنساني الكويتي، وتبعثر الجهود التي بذلت على مدى سنوات طويلة لتحويل الكويت إلى مركز عالمي للعمل الإنساني.

هل هذا ما أعده المسؤولون لمواجهة الاستحقاقات الدولية في ملف حقوق الإنسان؟ وهل سيتضمن التقرير الذي سيسلم إلى مجلس حقوق الإنسان العالمي غدا، تبريرات لحرمان البدون من التعليم؟ هل نقبل أن يستقبلنا مجلس جنيف في جلسة الاستماع المقرر عقدها بداية العام الجديد لاستعراض ملف حقوق الإنسان في الكويت، بصورة سوداء عن هذا الملف، تشوه كل الخطوات والإجراءات التي اتخذت للارتقاء بهذا الجانب؟ إذا كنا قد عالجنا الكثير من السلبيات التي شابت ملف حقوق الإنسان في السنوات الماضية تجاريا مع المطالبات الدولية، وحياء من الانتقادات التي انصبت علينا من المنظمات الحقوقية، فعلينا ان نخجل من الله اولا وان نراعي ضمائرنا في ايجاد حل عاجل لقضية البدون، او على الأقل منحهم الحقوق الأساسية المباحة لكل البشر، وان نبدأ بعمل الخير مع فئة تعيش ولدت وتربت وعاشت بيننا وأن نمكنهم من نيل حقهم في التعليم والعمل، قبل ان نوزع المنح والمساعدات للخارج.

واذا كان البعض من المسؤولين يعتقدون ان تبرير حرمان البدون من التعليم بأسباب وقيود امنية يمكن ان يكون مقنعاً فإنهم يكونون مغفلين مهما حاولوا التذاكي، لأن لا أحد يمكن ان يصدق ان العلم يضر بأمن البلد، بل على العكس من ذلك فإن الحرمان من التعليم وانتشار البطالة بين البدون هو الخطر الذي يجب أن تتضافر كل الجهود من اجل معالجته قبل ان ينعكس على امننا الوطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.