عندكم الديوان!
صالح الغنام
من الآخر, فحتى لو رفعت الحكومة تسعيرة الخدمات فلسا واحدا, فسيلطم الناس خدودهم, ويصيحون مدعين الفقر والحاجة, وأن زيادة الفلس الواحد هذه, ستهدد استقرار أسرهم, وترهق ميزانيتهم, وستؤثر سلبيا على مستواهم المعيشي, و,… و,… وهكذا من “عيارة وجمبزة” وتقمص جماعي لشخصية الراحلة أمينة رزق, وهي تذرف الدموع وتبكي وتنتحب. بينما لو تجسسنا على حياة أي من هؤلاء المولولين, لوجدناه يمتلك سيارة فارهة, وساعة فاخرة, ونظارة ثمينة, ولا يبدأ نهاره, إلا “باصطباحه” في أحد المقاهي الشهيرة, يتناول فيها “كافيه دي لاتيه” مع قطعة “كرواسان”. وحلو على قلبه, وعادي جدا أن يدفع نظير ذلك, أربعة أو خمسة دنانير, لكن أن يدفع للدولة فلسا واحداً, فهذه كبيرة من الكبائر… “الله يرحم أيام كان الريوق بيض بالطماط, والغدا مموش مال أمس”!
ليس مستغربا على الإطلاق رفض الناس لرفع الدعم وزيادة الرسوم, حتى وإن اقتضت مصلحة الدولة ذلك. فكلنا وطنيون, ونموت فداءً للكويت, ولكن عندما تتعلق المسألة بالفلوس, نرفع جميعا شعار: “من وين يا حسرة”? عموما, ولأنني كنت ومازلت من أول المنادين وأشد المؤيدين لرفع سعر البنزين كأولوية قصوى, إن كان من باب الإسهام نسبيا في حل مشكلة الازدحام المروري, أو بسبب انخفاض أسعار النفط, فقد كنت أتمنى على الحكومة ألا تؤجل الإقدام على هذه الخطوة, بل كان عليها استغلال ظروف سخط الناس على المجلس والحكومة معا, لتمرير مثل هذا القرار المستحق, تأسيا بقول المتنبي: “أنا الغريق فما خوفي من البلل”, ومعنى هذا, أن الناس, وبكل الأحوال غاضبون على المجلس والحكومة, وبالتالي, ما الذي سيفرق لو أن منسوب الغضب ارتفع حبة أو حبتين… عادي جدا!
ومع ذلك, فإن كانت الحكومة عجزت عن أن تكون مثالا يحفز المواطنين للقبول بفكرة المشاركة في تحمل الأعباء المالية للدولة, فإن أمامها فرصة ذهبية لتأكيد جدية سيرها نحو التقشف وإيقاف الهدر المالي في الجهات الحكومية ومحاسبة المتجاوزين, وذلك, بشكل سريع ومن دون الدخول في متاهات التسويف وأفلام اللجان والاجتماعات وفرق العمل التي اعتدنا عليها. فالتقرير السنوي الذي أنجزه ديوان المحاسبة قبل أيام, موجود على طاولة الحكومة, وهو ملىء بالمخالفات والتجاوزات, وما على الحكومة – هذا إن كانت جادة – سوى فتح التقرير صفحة صفحة, ومحاسبة كل مسؤول – علنا – على تجاوزاته, وأولهم وكلاء وزارة التربية الذين أهدروا 24 ألف دينار لشراء بوكيهات ورد لمكاتبهم… “عيال الأكابر, ما يشتغلون إذا ماكو ورد”!
salehpen@hotmail.com