اقتصاد

خبير.. الاحتياطي المالي لدى الدول النفطية معرض للاستنزاف

قال خبير اقتصادي متخصص ان الاحتياطيات والفوائض المالية لدى الدول النفطية معرضة للاستنزاف في حال استمرت اسعار النفط العالمية بالهبوط وظلت وتيرة الانفاق العام ضمن المستويات العالية الحالية لا سيما وان معظم هذا الانفاق ينصب نحو الانفاق الجاري بأشكاله المختلفة.

واضاف أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الادارية بجامعة الكويت الدكتور محمد السقا في لقاء مع وكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم ان اقتصادات الدول النفطية (ومنها الكويت) امام تحد حقيقي يتمثل بنمو الانفاق العام بلا “ضابط” الى مستويات عالية وسط هذا الانخفاض الذي تشهده اسعار النفط في الاسواق العالمية واقترابها من مستوى 80 دولارا امريكيا.

وبين الدكتور السقا ان هذا النمو في الانفاق العام ترتب عليه ارتفاع الحد الادنى لسعر برميل النفط اللازم لتوازن ميزانيات الدول النفطية والذي بلغ مستويات “لا يمكن ان تدعمها اتجاهات اسعار النفط في المستقبل اذا ما استمر هذا الانخفاض” حيث يبلغ على سبيل المثال السعر الذي تم تقدير الايرادات النفطية على اساسه في ميزانية الكويت الحالية 75 دولارا للبرميل.

وتوقع أن تواجه بعض الدول النفطية عجزا في ماليتها العامة في الجزء المتبقي من السنة المالية الحالية والاعوام المقبلة اذا استمرت أسعار النفط في التراجع أو حتى إذا بقيت على مستوياتها المنخفضة حاليا.

واوضح ان التطورات التي شهدتها اسعار النفط في الفترة الأخيرة يترتب عليها اتجاهان مهمان بالنسبة للمالية العامة في الدول النفطية يتمثل أولهما بارتفاع نسبة مساهمة الايرادات النفطية في اجمالي الايرادات العامة الى مستويات عالية تتجاوز في بعض الحالات 90 في المئة في حين يتمثل الاتجاه الثاني باختلال العلاقة بين الانفاق الجاري والانفاق الرأسمالي للدولة.

واضاف انه بالرغم من أهمية الانفاق الرأسمالي في دعم تنافسية الاقتصادات النفطية فان النمو في الانفاق العام انصب بصورة أساسية على الانفاق الجاري بأشكاله المختلفة مثل الرواتب والدعم الذي تقدمه الدولة لعديد من السلع والخدمات مثل البنزين والماء والكهرباء وغير ذلك.

وبين ان الخطورة الاساسية في هذه التطورات تعزى الى ان الانفاق الجاري متى ما ارتفع يصبح من الصعب السيطرة عليه في المستقبل مشيرا الى ان التجارب في العالم أثبتت ان برامج الاصلاح المالي التي تهدف الى السيطرة على الانفاق الجاري لم تكن سهلة أبدا.

وذكر “ان اسعار النفط أخذت في التراجع الى مستويات تهدد قدرة الدول النفطية في المنطقة على الاستمرار في سياسات الانفاق التوسعية التي لجأت إليها في السنوات القليلة الماضية اعتقادا منها بأن الاتجاهات الحالية لأسعار النفط ستستمر عند مستوياتها المرتفعة وأن عصر النفط الرخيص قد ذهب بلا رجعة”.

واشار الى ان هذا الاعتقاد دفع بعض الدول النفطية الى رفع مستويات الدعم “لكل ما يستحق الدعم وما لا يستحق” فيما اتجه البعض الآخر الى رفع مستويات الرواتب ما يكبد الانفاق الجاري اموالا ضخمة.

ومع ذلك كله اوضح الدكتور السقا ان جانبا من النمو في الانفاق العام كان “ايجابيا” عندما جاء في صورة زيادة في الانفاق الرأسمالي لدعم البنى التحتية الامر الذي من شأنه رفع قدرة الاقتصادات المحلية في هذه الدول على تحمل مستويات أعلى من الاستثمار لا سيما الآتية من القطاع الخاص ودعم مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج ومحاولة التنويع بعيدا عن النفط.

وحول أبرز التوقعات لاتجاه أسعار النفط في الفترة المقبلة رأى انها ستستمر منخفضة بسبب عوامل عدة أهمها تراجع آفاق النمو في الاقتصاد العالمي وزيادة العرض من مصادر الطاقة غير التقليدية وعلى وجه الخصوص النفط والغاز الصخري وزيادة كفاءة عمليات استهلاك الطاقة.

ولمواجهة ذلك الانخفاض وتأثيراته على مالية الدولة العامة بين الدكتور السقا عددا من الحلول الحقيقية التي تضمن استدامة سلامة المالية العامة للدول النفطية (الخليجية على وجه الخصوص) على المدى الطويل من خلال برنامج مكثف للاصلاح المالي يتناول بعض السياسات في جانب الانفاق.
واكد في هذا الصدد اهمية السيطرة على النمو في الانفاق العام الجاري بكل السبل واعادة تقييم ما هو ضروري من هذا الانفاق وما يمكن وقفه الى جانب اهمية رفع كفاءة الانفاق العام بالسيطرة على مواطن الهدر فيه.

ومن جملة الحلول التي قدمها شدد على اهمية اعادة دراسة الاشكال المختلفة للدعم والتي اصبحت تستنزف مبالغ طائلة من الانفاق العام قاربت ستة مليارات دينار كويتي في مشروع الميزانية الأخيرة وإلغاء غير الضروري منها وترشيد الضروري بحيث تقتصر الاستفادة منه على الفئات ذات الدخل المحدود.

ودعا الى وقف عمليات التعيين في القطاع الحكومي واجبار القطاع الخاص على تحمل مسؤوليته المجتمعية في توظيف العمالة الوطنية اضافة الى احتواء المطالب الداعية الى رفع الرواتب بنسب كبيرة دون اية اعتبارات للتكلفة الحقيقية الحالية والمستقبلية لتلك المطالب في وقت تتراجع اسعار النفط وتتزايد المخاوف من العجز المالي.

وبين ان زيادة الرواتب تحمل التزامات وأعباء اضافية على المال العام كما ان رفع الرواتب الحكومية سيترتب عليه رفع المساهمات التي تدفعها الدولة للعاملين في شركات ومؤسسات القطاع الخاص.

ورأى الدكتور السقا أهمية النظر بجدية في تنويع الايرادات العامة للدولة من خلال ادخال الضرائب على ارباح الشركات والغاء الازدواجية القائمة حاليا في هيكل الضرائب على الشركات الوطنية والشركات الأجنبية كما انه ينبغي اعادة تسعير السلع والخدمات العامة للدولة لكي تقترب من التكلفة الحقيقية لها ورفع الرسوم المختلفة.

وعلى المدى الطويل لفت الى انه لا يوجد خيار آخر امام الكويت من تنويع هيكلها الاقتصادي بعيدا عن القيد النفطي من خلال رؤية واقعية لما تمتلكه من مزايا نسبية ومكتسبة يمكن أن تعزز ناتجها غير النفطي وتضمن استدامة مستويات الرفاهية الحالية وخلق وظائف كافية للمواطنين خارج القطاع الحكومي.

وكانت الفترة الأخيرة شهدت تراجعا في أسعار النفط الخام لأسباب عديدة عزاها بعض المتخصصين الى تراجع الطلب العالمي على النفط الخام نتيجة تراجع معدلات النمو في مراكز الاستهلاك الرئيسة في العالم لا سيما في أوروبا وأسواق الدول الناشئة وعلى رأسها الصين.

فيما أرجع البعض الآخر ذلك إلى التوقعات المتشائمة حول اتجاهات النمو في الاقتصاد العالمي في المستقبل لا سيما في منطقة اليورو في حين عزا طرف ثالث التراجع إلى فقدان منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) القدرة على السيطرة على السوق العالمي للنفط الخام.
وقال البعض الآخر من المتخصصين ان تزايد الانتاج من خارج دول (أوبك) وتزايد الاكتشافات خارجها فضلا عن تكثيف عمليات انتاج النفط الصخري أدى الى تراجع الاسعار.

يذكر ان سعر برميل النفط الخام الكويتي انخفض في تداولات يوم الجمعة الماضي الى مستوى 66ر80 دولار امريكي وفقا للسعر المعلن من مؤسسة البترول الكويتية في وقت يبلغ متوسط انتاج الكويت من النفط نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.