نقلاب إمحمد ومحمد الغريب!
سامي النصف
في الأعوام الخمسة اللاحقة لعام 1968 بدأت سلسلة انقلابات شديدة الخطورة والتأثير على أحداث العالم ادعى الكثير منها رفع شعارات زائفة تعادي من خلقها وأوصلها للحكم، بينما تعمل سرا على خدمة أجنداته، ومن تلك الانقلابات العراق 1968 والسودان 1969 وليبيا 1969 وسورية 1970 ومصر مايو 1971 وتركيا 1971 وأوغندا 1971، ومحاولتا انقلاب بالمغرب عامي 1971 و1972، وأخيرا انقلاب تشيلي 1973 الذي أدى الى انتحار الرئيس المنتخب سلفادور اللندي كاسترو الذي لم يتبق على ولايته الرئاسية إلا عام واحد ولا يسمح الدستور له بالتجديد.
****
في منتصف يوليو 1971 طلب رئيس الكلية العسكرية في الرباط الكلونيل الأمازيغي إمحمد إعبابو من حوالي 1300 من الضباط والمجندين التحرك لإفشال محاولة انقلابية قائمة ضد الملك الحسن الثاني الذي كان يحتفل بعيد ميلاده في قصره بالصخيرات بحضور مئات المدعوين من وزراء وسفراء وقادة عسكريين، وكانت الساعة تقارب الواحدة ظهرا عندما دخل إمحمد الى القصر من الشمال تاركا لشقيقه محمد الأعلى منه رتبة السيطرة على المدخل الجنوبي وطالبا من العسكر القادمين معه ألا يسمحوا لأحد من الانقلابيين الخونة بالنجاة، صائحا كما يروي الشهود: «عاش الملك، اقتلوا الخونة، تقدموا» وفتح الرصاص فاستشهد على الفور مئات الضيوف.
****
والحقيقة ان الكلونيل امحمد اعبابو وشقيقه كانا هما من يقومان بالانقلاب الدموي الذي يستهدف قتل الملك لصالح احد اكثر المقربين منه ونعني الجنرال الأمازيغي محمد المذبوح الذي كان وزيرا ورئيسا للحرس الملكي وكبيرا لمرافقي الملك الحسن الثاني والذي زار في بداية ذلك العام الولايات المتحدة، مما أثار الشكوك حول من يقف خلف محاولته الانقلابية.
****
وتحولت المحاولة الانقلابية الى مذبحة حقيقية قتل خلالها مئات الضيوف الأبرياء، كما قام امحمد بقتل مدبر الانقلاب الجنرال محمد المذبوح وقد عاد الى الرباط حيث استولى على الإذاعة الرسمية وبدأ في بث البيان الأول، كما سيطر على رئاسة الأركان العامة، واعتقد الجميع ان الانقلاب قد نجح إلا ان الذبح المبكر للجنرال المذبوح أفشل الانقلاب، حيث اشترط أغلب رؤساء القواعد العسكرية ان يأتيهم الأمر من الجنرال المذبوح ليعلنوا انضمامهم للانقلاب.
****
انتهى الانقلاب الغريب والغامض الذي لم يعلم به كثير من العسكر المشاركين فيه عندما تحركت قوات التدخل السريع، مع علمها بنجاة الملك، ضد الانقلابيين وحدثت مواجهة رهيبة بين قائد تلك القوات وقائد الانقلاب، حيث قتل الأول وجرح إمحمد فطلب من احد كبار مساعديه ان يطلق عليه الرصاص وهو ما تم لمعرفته بما سيفعل به الجنرال محمد اوفقير الذي بدأ بمطاردة الانقلابيين، ومازالت دوافع الجنرال محمد المذبوح غامضة، فهل كان انقلابا أمازيغيا ضد الحكم العلوي العربي بدلالة ما أتى في البيان الأول من انتهاء عصر الحكم العنصري (العربي بالطبع)؟ أم تم لقرب وصول التحقيقات في صفقة الطائرات المدنية الفاسدة له؟ ام انه كان انقلابا أعد في نفس مطابخ الانقلابات الاخرى؟
****
آخر محطة:
(1) في صيف العام الذي تلا محاولة انقلاب قصر الصخيرات أي في صيف عام 1972 قام الجنرال أوفقير بمحاولة انقلاب غامضة الأهداف، كذلك عبر محاولة إسقاط طائرة الملك وقد هرب الانقلابيون بطائرة عسكرية لجبل طارق فسلمتهم بريطانيا للمغرب كدلالة على انها لا تقف خلف انقلاب الجنرال اوفقير الذي قيل انه انتحر بعد فشل محاولته الانقلابية، وقد ثارت ضجة كبرى في المغرب آنذاك على ما كتبته جريدة النهار اللبنانية من ان المخابرات الأميركية هي من يقف خلف تلك المحاولة، وزاد الطين بلة تزويد الفنيين الأميركيين لطائرات الانقلابيين بالوقود.. لقد كانت سنوات 1968 ـ 1973 خطرة بامتياز ولا تقل عنها خطورة السنوات الـ 5 الممتدة من 2011 ـ 2016 والقادم أعظم!
(2) في تلك السنوات الخطرة ذكر الملك الحسن الثاني، رحمه الله، انه لم يعد يثق حتى في وسادته التي ينام عليها.
samialnesf1@hotmail.com
salnesf@