فعاليات طلابية في الخارج.. تكشف «أزمة وطن»!!
الشباب هم عماد المجتمع والذي تسخر جميع الدول إمكانياتها من أجل أن تصنع منه المستقبل بالتعليم والتدريب، فهؤلاء هم البوابة الرئيسية للتقدم والتطور، بعيداً عن التجاذبات السياسية، والاستقطابات الأيديولوجية، والصراعات الفكرية والدينية السيئة، أو حتى التوجهات السياسية للدولة، باعتبارها توجهات متغيرة بحسب ظروف السياسة.. وباعتبار ان الدولة هي الراعي الاساسي للطلبة، وهي التي يجب ان تكون الحاضن الأساسي لهؤلاء الطلبة، فانها يجب عليها ان تبعد التعليم تحديدا عن كل هذه الآفات التي لاشك انها تضعفه إضعافا شديدا في النهاية، وقد شهدنا بوضوح هذا الامر بمجرد ان تركت الدولة منابر العلم والتعليم بيد التيارات المتناحرة وفريسة للصراعات السياسية والتحزبات بكل اشكالها المقيتة، والتي استغلت شبابنا وطلابنا، واحكمت قبضتها عليهم، فأصبحوا رهينة هذه الصراعات، وابتعدوا- من حيث لا يدرون – في ظل هذه الصراعات والدهاليز الملتوية، عن مسارات التعليم الصحيح، المؤسس على قيم العلم المجردة، والانفتاح الفكري على علوم العصر وثقافته، وعلي قيم الحق والخير والجمال والتسامح وتقبل الآخر واكتساب تجارب الآخرين واحترام حق الاختلاف!!.
٭٭٭
كل هذه المضامين والقيم الصحيحة اختفت من كويت اليوم بصفة عامة وفي منابر ودور تلقي العلم بصفة خاصة، وحلت محلها قيم أخرى، للأسف الشديد نراها اليوم في الكويت وبشكل يثير الألم في النفوس، وقد شهدنا على مدار السنوات الماضية كيف تتحول انتخابات الاتحادات الطلابية في الجامعة و«التعليم العالي» الى أشكال مرضية لا شفاء منها ولا تداوي من عللها وأمراضها!!.
شهدنا أوضاعاً مزرية في هذه الانتخابات وبرزت بوضوح انقسامات طائفية قبلية عنصرية، وظهر «نفس تصادمي» حاد يعكس بقوة متغيرا طارئا على ثقافتنا كمجتمع ديموقراطي، تمثل في عدم قبول الآخر، وفي رغبة كل الاطراف في إقصاء الأخرى عن المشهد، والانفراد والاستئثار بكل شيء، دون ان يكون للآخرين أي حق في الظهور والتعبير عن الرأي وممارسة الحق البشري الطبيعي والإنساني في المشاركة المجتمعية والتعبير عن الذات، وهذا كله انعكاس لأمراض مجتمعية، ألقت بظلال كثيفة ومؤلمة على الاوساط الطلابية، فعمقت أزماتها، وأشعرتها بأنها بلا هوية وأنها كالجزر المنعزلة المتفرقة، وقد تضررت الانفس من الداخل بقوة مما ساهم في تجذر مشاكلنا السياسية والمجتمعية داخل الاوساط الطلابية وخارجها أكثر وأكثر!!.
٭٭٭
ما نراه هو بالفعل ناقوس خطر يواجهنا بقوة وبعنف، ان لم نتداركه، فنحن امام «أخطاء» أصبحت «خطايا»، وهي لن تنوقف في تأثيرها عند المجتمع الطلابي وحسب، وأنما سيجني ثمارها المجتمع بأسره.. وما لم نتحرك بسرعة، ونجد حلولاً لمشكلاتنا العاصفة، خصوصا في الاوساط الطلابية والجامعية، فاننا مقبلون على مشكلة لا حل لها، ذلك ان مشاهداتي القريبة من مجتمعاتنا الطلابية، كوني أماً ولديها أبناء في دور العلم يجعلني أقترب من المشكلة..ومن أسفت انني شاهدت كيف ان التيارات السياسية تسعي – سعت في واقع الامر- الى استغلال هؤلاء الطلبة، حتى ان بعضهم ما زال غارقا في اتون هذه الصراعات، والاشد إيلاما ان هذه التيارات لاتريد من هؤلاء الشباب ابداعا ولا نضوجا ولا تطورا ولاتعليما بقدر ما تريدهم وقوداً لمعاركها، وأرقاما تعكس عدد المؤيدين لها والملبين لرغباتها والمشاركين في خوض معاركها، وفي هذا الاطار يمارسون عليهم اسوأ انواع الوصاية، والعمل بلا هوادة على غسيل عقولهم، وربما تفريغ أحقادهم في نفوس هؤلاء الشباب والشابات!!.
٭٭٭
هذه القضية ليست جديدة عليَّ وسبق ان كتبت مراراً عن اتحاداتنا الطلابية في الخارج وتمزقاتها السياسية، والرموز التي تحاصر الحركة الطلابية بافكارها.. وتفرغ احقادها في رؤوسهم، ووجهته الى مكتب سمو رئيس مجلس الوزراء، والذي يقوم برعايتهم مشكوراً، في ظل احتياجاتهم الدائمة للتواصل مع الوطن والشعور به، وهو ما يتطلب اقامة فعاليات سنوية متنوعة، يطلقونها بانفسهم، وهذا وان كان أمرا حقا وبديهياً، الا انه في النهاية يجب ان يكون تحت اشراف ورعاية الدولة، ولابد وأن يكون جهاز الدولة مراقبا تماماً لكل ما يحدث، ويكون على وعي تام بالبرامج والفعاليات والاشخاص المشاركين في هذه الفعاليات وضيوفها، لتبيان ماذا كانت هذه البرامج مفيدة من عدمه وما اذا كانت مجيرة لبعض التيارات ام انها تعبير عن وعي طلابي وطني حقيقي!!.
٭٭٭
هناك قاعدة أساسية معروفة تقول ان السيطرة على العقول تأتي عبر الحوار ومعطياته ومغذياته الفكرية، ومن هنا كان تحفظي كبيرا على مسارات وتوجهات وفعاليات يقيمها اتحاد طلبة الكويت فرع أمريكا، والذين ينتمون لتبار واحد فقط، من أسف ان كل الامكانيات الطلابية توظف للتخديم عليه، وترسيخ وابراز أفكاره، حتى لو كانت ضد توجه الدولة نفسها، وان كان هذا حدث في الماضي القريب، واليوم هذا الاتحاد انتقل من النقيض الى النقيض، من معسكر المناوئين للدولة الى معسر المرتمين في احضانها، اي انه خرج من استقطاب الى استقطاب اخر.. الآن هم في أحضان الدولة والناطقون باسمها وهذا امر يلفت النظر ويفجر التساؤلات هل هذا انعكاس حقيقي للآراء والأفكار الطلابية والوعي الجمعي الطلابي أم انه يعكس توجهات وسيطرة فصيل على مقدرات الحركة الطلابية في أمريكا؟! وتقديري انه يتعين علينا ان نبعد طلبتنا عن هذه التوجهات السياسية المسمومة لكي نستطيع ان نصنع منهم «وطنا».. جميلا جديدا مبدعا متطورا زاهراً، بعيداً عن كل أمراضنا السياسية التي اصابت مجتمعنا وتسبب في وهنه وضعف عزائمه!!.
٭٭٭
غير أنه في الجانب الآخر.. وأعني بهذا الجانب المقابل، اتحاد الطلبة فرع المملكة المتحدة وايرلندا.. (وللأمانة) فان هذا الاتحاد ودوره وممارساته تعتبر نموذجاً متميزا للاتحادات الطلابية.. وقد لمست هذا عن قرب، وحينما حضرت الفعاليات الاخيرة التي اقامها شباب وفتيات هذا الاتحاد والقائمين عليه، على الرغم من كل ما يقال انه اتحاد فرعي يمثل فصيلاً سياسياً معروفاً، ألا أنني في الحقيقة لم أرى او ألمس ذلك من واقع مشاهداتي.. فما رأيته بوضوح وبصدق هو ان الاتحاد يحتوي جميع الطلبة، ويصهر في بوتقته كل الاطياف: «سني» «شيعي» «بدوي» «حضري».. فيما أعده تلاحما حقيقياً بين المنضوين تحته، لا تفرقهم أيدلوجية، ولا تمزفهم وتقسمهم نعرة قبلية أو طائفية او حزبية.. وقد صبوا كل جهودهم لخدمة الطلبة.. وكانت برامجهم وفعالياتهم الطلابية رائعة ومتنوعة (اكاديمية ثقافية اجتماعية رياضية ترفيهية)!!.
لقد شهدت ذلك بأم عيني واسعدني (على الرغم من الاعياء الشديد الذي تعرضت له اثناء رحلتي) كنت سعيدة وأنا أرى برنامجا متكاملا لفعاليات شاملة وضعت واختيرت بعناية ودراية كاملة، بحيث تحقق الفائدة والمتعة وترسم البهجة على نفوس الجميع من الكبير (الذي يدرس الدكتوراه) إلى الطالب (المستجد).
٭٭٭
ومما يسعد النفس أيضاً ان الوعي الطلابي كان عالياً، وتمثل ذلك في كون اختيار الشخصيات كان مدروسا، مما أفضى إلى أجواء من التمايز والثراء الفكري، وأعطي ايضا نوعا من التنوع ابرزه ذلك التباين بين الحضور، فمن وجود من يمثلون الرعيل الأول، والذي جسده بقوة وجود القديرة كبيرة الفن الكويتي سعاد عبدالله.. كان حضورها ذكياً، فقد تركت كلمات أم طلال البسيطة أثراً مدهشاً في نفوس الحضور، وكان تفاعل الطلبة معها أكثر من رائعاً، ايضا والواعدة (ريم الميع) التي تعرفنا على تجربتها الجديدة في التأليف، والتي قدمتها لنا من خلال كتابها عن «غوانتنامو».. وكذلك الاثر الاكثر من رائع الذي تركه في نفوسنا فيلم (كان رفيچي) للمبدع يعرب بورحمة، وسآتي في مقال آخر على ذكر هذا الفيلم والحديث عن هذه التجربة، ففي الواقع كان تأثير الفيلم رائعاً في نفوس الشباب، هذا الى جانب تميز المسابقات والورش الرياضية مع (محمد نغميش، واسرار الأنصاري) والشاعر المتميز عبدالله علوش، وكان ختام الفعاليات مسكاً وذلك مع برنامج (القايله) هذا البرنامج اشتهر أخيرا بسبب القائمين عليه، وبما يتمتعون به من قدرة على التواصل مع الجمهور (مايك مبلتع اسم حركي لشخصية جميلة ذات حضور طاغ على الشباب وعمر العثمان الذين ألهبوا الجمهور بالقفشات والضحك المستمر) ومعهم الرياضي مشعل العنزي والمخرج المتميز نايف النعمة!!.
٭٭٭
حقيقة كان لهذه البرامج المتنوعة، من الفعاليات الى الورش الى غيرها وصولاً الى اللقاءات الأكاديمية الجادة التي عقدت مع عناصر المكتبين الثقافي والصحي في انجلترا، كلها عناصر مثلت تجربة رائعة لهؤلاء الطلبة والطالبات المغتربين الذين يعدون بالآلاف، وجرت في حضور كويتي وأجواء من التنوع الثقافي تحت سقف واحد أخوي كويتي.. وأجمل ما في هذا التجمع ان الحضور والمشاركين جميعهم خرجوا من هذه الفعاليات ممتلئون بالتفاؤل ويشكرون الله على النعم التي يحظون بها، وعلي قدرة دولتهم ان تقدم لهم وهم في غربتهم مثل هذا الدعم والرعاية، وهو ما يعيدنا الى بدايات الفكرة الرئيسية لمقالي، وهي وجوب ان تمد الدولة مظلة رعايتها وتوجيهها للشباب، فلا تتركهم فريسة للصراعات الحزبية والانقسامات السياسية!!.
فلنخرج طلابنا من دائرتنا الجهنمية المسببة للاحباط، ومن نطاق صراعاتنا ومصالحنا الخاصة، وعلينا لا نتركهم رهينة قلوب موغورة بالحقد والتشفي وتصفية الحسابات..وهذا ينسحب على كل اتحاداتنا وكل طلبتنا بالخارج في كل الدول والمناطق!!.
٭٭٭
كلمه أخيرة..
من كل قلبي أشكر الشباب والشابات الرائعين الذي نظموا هذا التجمع (الكبير) وسخروا كل الأمكانيات لمشاركة الشباب ووصولهم الى أجواء ومكان الفعاليات بسهولة، وكم كنت بالفعل فخورة بهم، فأنا أم ولدي ابنة تدرس الطب في احدى الجامعات الغربية وأعرف كم تتكبد العناء والمشقة في الغربة، وكانت مثل هذه الفعاليات بمثابة لمسة حانية من قلب الوطن على صدر أبنائه.. لذلك فإن ما قام به هؤلاء الشباب يعد والله لمفخرة!.
شكراً شباب فرع المملكة المتحدة وايرلندا (عبدالعزيز عيادة، عبدالله الملا عبدالله الكندري، لولوة الحمدان) وغيرهم الكثير.
..والعبرة لمن يتعظ!!.
منى العياف
alayyaf63@yahoo.com
twitter@munaalayyaf