ما ينقنص فيك.. طال عمرك!
إذا كانت استقالة الشيخ محمد صباح السالم مؤشراً على خطورة الشبهات المحيطة بمصروفات الرئيس السابق سمو الشيخ ناصر المحمد، فإن ما ذكره الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح، بعد أن ترك الحكومة، هو مؤشر على أن الرئيس الحالي سمو الشيخ جابر المبارك «ما يدري وين الله حاطه» فيما يتعلق بإدارة الدولة!
تخيلوا للحظة لو أن مدير شركة ما، خاطب المساهمين محذرا: «إن التقارير التي بين يدي تشير دون لبس إلى أن وضع الشركة المالي غير مطمئن أبدا»!.. وبعد أن أشاع القلق بين المساهمين، «طق» تذكرته وسافر.. للراحة والاستجمام!
.. هذا لو كان مديرا لشركة.. فما بالكم بمن يدير البلد؟!
نعود للشيخ سالم عبدالعزيز الصباح، وهو الرجل الذي حصل على أرفع تقدير من جهات دولية، عرفانا منها بقدراته وخبرته كمحافظ للبنك المركزي الكويتي، حتى قيّمته مجلة «جلوبال فينانس» على أنه أحد أفضل محافظي البنوك المركزية على مستوى العالم.
والقطاع المصرفي، بما فيه من شخصيات لها وزنها اقتصاديا، يحسب ألف حساب لهذا الرجل، لما عرف عنه من حزم في تطبيق القوانين وحماية لاقتصاد الكويت. ولم يكن الشيخ سالم بحاجة لمركز وزير للمالية ليثبت كفاءته، لكنه جازف بسمعته المهنية، وخاطر بمكانته الاقتصادية من أجل الكويت، بالدخول في حكومة سمو الشيخ جابر المبارك، أملا في إصلاح بعض ما أفسده.. البخت!
ورغم أن الشيخ سالم قد أعلن اعتذاره عن عدم المشاركة في الحكومة، نظرا لظروفه الصحية ، إلا ان من حقنا ونحن نقرأ تصريحه لاحقا أن نستشف بعض الاستنتاجات المنطقية.
إذ اننا لا نشك للحظة بأن ما صرح به الشيخ سالم الصباح لوسائل الاعلام، من كشف لمواطن الخلل في الحكومة والبلد، لم يأت متأخرا بعد اعتذاره لأسباب صحية، وإنما كان هو نفس رأيه الذي كان يجاهر فيه باجتماعات مجلس الوزراء.. وأمام سمو الشيخ جابر المبارك!
لذا فإن من حقنا أن نتخيل الشيخ سالم وقد وقف في أكثر من مناسبة، ونصح بأن على الحكومة أن «تعمل بسرعة على تنويع هيكل الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستثمار في البنى التحتية.. وأن تحسن كفاءة بنية وبيئة الأعمال في الكويت، بحيث تجعلها بيئة جاذبة للاستثمارات.. وأن تنسحب حكومة الشيخ جابر المبارك من الاقتصاد، كي تترك مزيدا من المساحة للقطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي.. على أن يقتصر دور الحكومة على الاشراف والرقابة والتنظيم «فقط»، كي تضمن جودة السلع والخدمات المقدمة للمواطنين بأفضل الأسعار، وحتى تحمي توظيف قوة العمل الوطنية».
وإذا كان جهازك الإعلامي يا سمو رئيس الوزراء ناسيا، فإننا نذكر سموك بتشديد الشيخ سالم في تصريحه على أنه «لا ينبغي أن يطول السواد الأعظم من المواطنين أصحاب المداخيل المتدنية أي تأثير على أوضاعهم المالية، إذا ما قررت الدولة إعادة النظر في قانون الضرائب الحالي.. أو إعادة تسعير السلع والخدمات العامة لترشيد استخدامها والإنفاق عليها».
وقد حذر الشيخ سالم بأنه «ما لم نقم بالاصلاحات الاقتصادية بسرعة، فإننا سنواجه عجزا ماليا في المستقبل القريب، وستضطر الدولة إلى اللجوء لخيارات غير مرغوبة».
ولعل الحقيقة المزعجة التي حاولت سموك أن «تتملص» منها، هي تلك التي وجهها الشيخ سالم عندما أوضح بأن «أي كلام عن إصلاح اقتصادي أو مالي، بمعزل عن برنامج اصلاح إداري شامل للحكومة، سيكون مجرد كلام انشائي للاستهلاك العام»!
ولو كان غيرك رئيسا للوزراء، لأثّر فيه مثل هذا الكلام الذي جاء من شخصية مرموقة، ولجعلك تراجع أسلوب إدارة حكومتك للبلاد «اللي هتودينا في ستين.. أمور طيبة»!.. لكن عوضا عن ذلك، قررت معاليك أن تتقمص دور ذلك الشاب الذي يرعى الغنم، والذي جرى للقرية صائحا محذرا!
وقد صدقك أهل الكويت عندما ناديت «الذيب.. جاكم الذيب» أول مرة، وصرنا قلقين على مستقبلنا ومستعدين للتعاون مع الحكومة «باللي تامر فيه»، لكن عندما «طقيت» تذكرتك وسافرت بعدها، وبعثت لنا بصورك مع عائلتك في ربوع أوروبا.. أدركنا أن المواطنين آخر همك، وأن الموضوع لا يتعدى رسالة تريد إيصالها، لمن يعنيهم الأمر، بأنك موجود «وقاعد تنجز»!
وها هو مساعدك الأيمن، فتى الغلاف على مجلة «ماري كلير»، يحذر من أن «السكين وصلت للعظم»، ما جعلنا نستذكر توفيق الدقن وهو يقول بعفوية: «صلاة النبي أحسن.. وانت بقا حضرتك هتسافر على فين»؟.. وما جعل أهل الكويت يتركون كل همومهم ومخاوفهم من المستقبل المظلم جانبا، ويتحول حديث الساحة إلى سؤال واحد يؤرق الشارع الكويتي ويقلق المواطنين: «هل سيتمكن الشيخ محمد العبدالله، في ظل الأوضاع الحالية، من تأمين وظيفة لابنه»؟!
ما ذهب إليه الشيخ سالم عبدالعزيز الصباح لم يأت من فراغ، فقد سبقه صاحب السمو أمير البلاد بمشاطرة أهل الكويت استياءهم من مستوى الخدمات التي تقدمها الحكومة، وطلب من رئيس الوزراء، حسب ما أخبرنا جابر المبارك بنفسه، الالتقاء بوسائل الاعلام ومخاطبة الناس عن رؤيته المستقبلية حول تنمية البلد.
ومن باب تبرئة الذمة، اجتمع رئيس مجلس الوزراء برؤساء تحرير الصحف المحلية، واعدا إياهم بعقد لقاءات دورية، لإطلاعهم على استراتيجيته التنموية.. «وهذا وجه الضيف»!
وكان صاحب السمو دوما قريبا ومتابعا لما يجري على الساحة، ولذا طلب اجتماعا «طارئا» لمجلس الوزراء، حضره هو وولي العهد، وأبدى سموه عدم رضاه من أداء الحكومة، وشدد على أن المواطن شبع من الوعود على الورق، وأن على الحكومة ورئيسها فتح أبوابهم للمواطنين والالتقاء بأجهزة الاعلام، والأهم من هذا وذاك.. الانجاز ثم الانجاز!
بيد أن جابر المبارك «ما ايوز عن طبعه»، ومن باب تبرئة الذمة مرة أخرى، عقد سموه اجتماعا يتيما لرؤساء التحرير، كرر فيه كلامه الانشائي، بأن أغلب قياديي الدولة جاءوا بالواسطة وبأن البيروقراطية والدورة المستندية تمنع الانجاز.. ووعدهم بأن تكون المرحلة القادمة هي مرحلة تعيين الكفاءات.. ومحاسبة الفاسد والمقصر.. وتحريك عجلة الانجاز والتنمية بسرعة الضوء (أو الصوت، حتى لا نظلمه).
ولكي يُقنع أصحاب القرار بأن الانجاز قد تحقق، قامت حكومة سمو الشيخ جابر المبارك بنقل كل وعوده من انجازات على الورق، وحولتها إلى مشاريع ملموسة.. على شاشة تلفزيون الكويت!
فجامعة الشدادية انجز منها %35، ومستشفى جابر %85، وطريق الجهراء %88.. ومبنى مجلس الأمة %92.. ومشروع تجميع الغاز المبكر %95.. واستاد جابر %99.. وحط أي نسبة.. المهم أن لا يعترض أحد بأنك لا تنجز!
وعندما وصل الديوان الأميري إلى قناعة بأن حكومة سمو الشيخ جابر المبارك «ما ينقنص فيها»، قرر الديوان مباشرة بعض المشاريع بنفسه، أملا في إنجازها على أرض الواقع في فترة زمنية معقولة. ولسنا هنا في معرض التعليق على تصرف الديوان، من ناحية دستورية أو قانونية، لكننا نتفهم وصول الديوان إلى نفس القناعة التي توصل إليها الشيخ سالم الصباح من قبل عن أوضاع البلد.. والحكومة!
.. بل وأكثر من ذلك، فقد أخذ بعض أعضاء مجلس الرئيس مرزوق الغانم، يردد فكرة ساذجة، لكنها تعكس وللأسف الإحباط الذي يعيشه أقرب الموالين للحكومة. فقد أخذ بعضهم يتناول فكرة إلغاء دور الحكومة تماما، فيما يتعلق بالمشاريع الكبرى والتنموية، وتفويض هذا الأمر مباشرة للديوان الأميري!
وتجدر الإشارة إلى أن آخر صرعات مجلس الوزراء، لإظهار جديتهم في الإصلاح والتطوير، أنهم نادوا في اجتماعهم الأخير، على وزاراتهم المعنية لتحويل أي مخالفة أو فساد إلى النيابة العامة!.. ما حدا بأحدهم ليعلق قائلا: «عيل وين كانوا يحولون المخالفات من قبل؟ .. حديقة الشعب»؟!
إن هناك قناعة عامة بين أفراد الشعب بأن ما أظلنا من تدهور في الاقتصاد العالمي والإقليمي ليس بالمشكلة، وإنما مشكلتنا الرئيسية، والكابوس الذي يلاحقنا، هو أن يأتي هذا الركود الاقتصادي وانخفاض أسعار النفط في فترة يدير فيها شؤون البلاد.. سمو الشيخ جابر المبارك!
٭٭٭
.. مقيولة: عيال الأسرة فيهم خير.. وهذا واللي قبله مو أحسن الموجود.
د. طارق العلوي