الوزارة الفولاذية
البون شاسع بين مدرس في الأوقاف يعطي مواد سهلة بسيطة يمكن ان يدرسها الانسان بنفسه، وبين مدرس في التربية يدرس مواد صعبة كالكيمياء والفيزياء والرياضيات واللغات، فالفرق بين الاثنين كبير في المنهج، وفي عدد الحصص، وفي كافة الواجبات الأخرى المتعلقة بالتدريس، مع ذلك نجح نواب حدس في فترة ما في تخطي تلك الفروق الكبيرة، وداسوا على مبدأ العدالة،
وساووا بين الاثنين في الراتب والكادر، والأكثر من ذلك أنهم سعوا نحو تحديد علاوة تخصص نادر في تلك الوزارة المفترسة التي يتحكم بها الاخوان المسلمون من أجل تنفيع الرفاق في الجماعة. لهذا السبب تضايقنا من ترك الشيخ محمد الخالد لتلك الوزارة، فقد كانت هناك بوادر اصلاح تبشّر بالخير، وكنا نتأمل خيرا من وجوده فيها، بل وقدرته على نفضها وتنظيفها من خراطيم الشفط واللهط، على الرغم من عظم المشقة التي كان سيلقاها بسبب الدهاليز والدروب والمنعطفات والزواريب و(الزنقات) التي تجعل من يفتح دفاتر التجاوزات يصاب بالصداع بعد ان يدوخ السبع دوخات، بسبب براعتهم التي اكتسبوها عبر السنين.
ذهب الخالد وبقي الكبار في الأوقاف على مكاتبهم جالسون، على الرغم من ان الأنباء كانت تبشر برحيل 15 قياديا متجاوزا منهم، وأشك ان يستطيع النائب يعقوب الصانع، الذي له ما له وعليه ما عليه، ومع كامل الاحترام له، ان يفعل شيئا بهذا الخصوص. عش الدبابير والجراد هذا عجز عن تنظيفه عدة وزراء، ووقفت الوزارة حصنا حصينا أمام كل وزير وطني أراد ان يكف أيدي بعض قيادييها عن الاستمرار في استحلال أموال الكويت. وزارة الأوقاف التي يمسك بها من الباب للمحراب جماعة الاخوان المسلمين، الممتلئة عن بكرة أبيها بجماعة المرشد كويتيين، ومصريين، وسوريين،
وسودانيين، تلك الوزارة استهلكت من أموال الكويت أرقاما فلكية، واستطاع بعض مستشاروها ومحاسبوها وموظفوها العرب المنتمين للاخوان ان يجعلوا مصروفاتها وحساباتها لغزا ربما استطاع ديوان المحاسبة حل جزء منه، ولكنه سيقف عاجزا أمام البقية، فتلاعب الوزارة في الأموال التي تحصل عليها من الدولة، وتجاوزاتها في اللجان، والمكافآت، والمسابقات، والترقيات، والتعيينات، ووو كثيرة، وهي أشبه بخيوط متداخلة ومتشابكة الى حد يصعب فكها عن بعضها البعض الأمر الذي يتطلب وزيرا مثابرا، عازما على نخل الوزارة كي يسقط منها من لم يدخلوها الا لخدمة أنفسهم وحزبهم، وهذا ما كان يقوم فيه الشيخ محمد الخالد. ان تلك مملكة الأوقاف و(ضواحيها) وما حدث فيها من نهب للأموال لصالح المرشد الذي نجح عبر أتباعه الموجودون بيننا بملء البلد بأفراد جماعته الذين توزعوا على جميع مصالح الدولة الخاضعة لهم، لكي يغطي بعضهم على بعض،
ويسلّك بعضهم أمور بعض، والدولة خبر خير. مع ذلك لا نزال نأمل في ان تنتبه الحكومة لهذا الخطأ القاتل، ولا تترك أي مصلحة رهينة في يد حزب، خاصة حزباً يتطلع للسلطة مثل جماعة الاخوان، وان كانت تظن ان الكويت محصنة ضد الانقلاب على النظام فيها فما عليها الا النظر لأحداث السنوات الثلاث السابقة، ومن هناك تنطلق.
عزيزة المفرج
almufarej@alwatan.com.kw