تجربة مزعجة.. أيقظتني
مررت بتجربة ليست سهلة في التعامل مع عامل المفاجأة المزعج.. في تلقي خبر احتمال اصابة عزيز على قلبك بمرض غير عادي .. وما قد يصيبك من حالة الاضطراب والضياع والتوهان في عالم اختلط فيه الزمان مع الذكريات..الخوف مع الامل.. الفزع مع الهدوء .. قبل ان يطمئننا الاطباء بالاخبار السارة.
وكما غيري من اهل هذا البلد، الذين ينظرون الى الخدمات الصحية في الكويت نظرة دون المستوى المطلوب مع تزعزع الثقة بالشفاء من امراض صعبة كثيرة في مستشفياتنا خصوصا التخصصية منها مثل مستشفى مكي جمعة للسرطان، الذي مازال الكثير منا يتفادى حتى النظر اليه فزعا وخوفا من دواعي اللجوء اليه.
وبعد تجربة اجراء عملية سريعة في هذا المستشفى الرائع بما فيه من تجهيزات وعاملين على المستويين الفني والاداري .. اكتشفت ان هذا المستشفى بمستوى، ان لم يكن افضل .. فهو قد يتفوق على افضل مستشفيات العالم المتخصصة بالتعامل مع مرض السرطان الذي اصبح سمة زماننا من حيث التجهيزات المتقدمة ومستوى الخدمات الطبية اليومية في الاجنحة والعيادات ومراكز تلقي كل انواع العلاجات.
لجأنا الى اوروبا بحثا عن الاهتمام والتميز، الذي اعتقدنا انه نبحث عنه .. فلم نسمع في داخلنا سوى عبارات الترحم على النعم التى نعيشها في الكويت .. بدءا بالخدمات الطبية المجانية، خصوصا في الامراض الصعبة مثل القلب والكلى والسرطان وامراض اخرى.. مرورا بمستوى الاطباء والاهتمام والعناية داخل بلدنا ونحن نبحث عنها في اقصى بقاع الدنيا.
وقد تجلى لي ذلك جليا واضحا في الكويت عندما رأيت بأم عيني الاهتمام الذي يلقاه كل المرضى بالاجنحة بمستشفى مكي جمعة وليس نحن فقط .. فقد يفكر البعض انني قد ألقى اهتماما خاصا لاي سبب كان.. ولكن موضوعي يعني العموم، فمعظم المرضى بالاجنحة هم من غير الكويتيين.
فالعمليات الجراحية تجرى لهم كلهم من دون استثناء، ثم يبدأ العلاج الكيماوي المكلف جدا ماديا من دون ان يتحمل اي منهم الكويتي وغير الكويتي دينارا واحدا .. علما أن بعض انواع العلاج الكيماوي للجلسة الواحده فقط يصل الى ما يقارب الالف دينار.. وان المريض يجب ان يخضع لكورس كامل يستمر ستة اسابيع او كورسين وربما اكثر.
نعم هناك كثير من الملاحظات السلبية التى كتبت انا شخصيا وغيري ايضا عنها، مثل مستوى النظام والاثاث ونوعية اواني تقديم الطعام وفوضى الانتظار في بعض العيادات ومستوى النظافة في بعض المستشفيات .. لكن هذا لا يمنع ابدا ان نتحدث عن الشيء الجميل عندما يكون امامنا.
التقارير نفسها التى كتبها اطباؤنا بالكويت والتي سافرنا بها وتوقعنا أن نسمع عكسها .. قالها اطباء اوروبا حرفيا .. والعلاجات نفسها التي اقترحت بالكويت قالها اطباء اوروبا.
الفرق الوحيد في الحالتين ان الموضوع في الكويت لا يكلفنا الا تأمين الغرفة، الذي يعاد إلينا بعد الخروج من المستشفى.. في حين ان الموضوع خارج الكويت قد يضطرك الى بيع بيتك لتسديد الفواتير.
بالفعل عندنا في الكويت مستوى من التطبيب من الكويتيين وغير الكويتيين تساندهم خبرات فنية .. قد لا تكون واضحة ولا يعرفها الجميع لأن السمة الغالبة، التي تتحدث عنها الاكثرية، هي التذمر والشكوى، وهم بلا شك قد يكونون محقين فيها.. ولكن التعميم ظالم.
نعم مطلوب المزيد من النظام والاهتمام والالتزام بمعايير واضحة في بناء المستشفيات من حيث المواد المستخدمة، التي يجب ان تكون وفق معايير عالمية معروفة، وكذلك نظام العمل بشكل عام والنظافة.
هناك ايضا مستوصفات ومراكز طبية متخصصة لا تملك الا ان ترفع القبعة لها بشهادة كثير من المراجعين لها .. ولكننا نتطلع الى المزيد والمزيد لنقترب اكثر من الطموح المطلوب حتى يتناسب مستوى الانفاق العالي على القطاع الصحي مع مستوى الخدمات، بدءا من مستوى المكان مرورا بنظام العمل وصولا الى مستوى الخدمة ذاتها.
بعد ان وقفت على الفرق بين ان تكون مريضا في مستشفيات اوروبا واميركا وان تكون مريضا في بلدك عندما يتوافر مستوى الخدمات الطبية نفسها.
عرفت كم نحن قاسون وظالمون لوطننا في شدة نقدنا وتذمرنا منه عندما تضيق بنا الدنيا.
قد يكون ذلك حبا له ورغبة منا في ان يصل الى مصاف الآخرين، الذين نحن لسنا بأقل منهم، بل العكس، وهذا هو بالتأكيد، ولكننا كما نقسو عليه .. لابد ان نعطيه شيئا من حقه عندما يستحق.
ها أنذا اعود الى زاويتي بعد انقطاع قسري قصير… شاكرة لكل من انتظرني ومن سأل عن سبب ابتعادي.
عندما اكتب مثلما كتبت اليوم، فانا لا ارجو شكر المسؤولين او اشادتهم بالمقال قدر ما ارجو ارضاء ذاتي .. وانه كما هناك، وما زالت سلبيات كثيرة فى هذا البلد الحبيب، هناك الايجابيات الكثيرة ايضا.
اقبال الأحمد
Iqbalalahmed0@yahoo.com
Iqbalalahmed0@gmail.com