محمد عبدالقادر الجاسم.. حمولة زائدة!
الكاتب/ محمد عبدالقادر الجاسم
بدأت الأوساط السياسية تهتم في الحكم الذي يفترض أن يصدر من المحكمة الدستورية بتاريخ 26/11/2014 في الطعن المقدم من المحامي صلاح الهاشم، وهو الطعن الذي يستهدف الحصول على حكم بزوال “مرسوم الصوت الواحد” نتيجة ارتكاب أخطاء إجرائية في عرض المرسوم على مجلس الأمة عام 2012 “مجلس علي الراشد”، ومخالفة تلك الإجراءات للدستور ولائحة مجلس الأمة.
وكنت قد اطلعت على أسباب وأسانيد طعن مماثل سبق للمحامي صلاح الهاشم أن قدمه، وهو طعن جدي له نصيب من الوجاهة، لاسيما أن المحامي الهاشم استوفى الجانب الشكلي، إذ أنه كان قد سبق أن تقدم بالطعن ذاته عام 2013، بعد انتخابات “مجلس مرزوق الغانم”، إلا أن المحكمة الدستورية قضت بعدم قبول الطعن لانتفاء الصفة في رفع الطعن، أما في الطعن الأخير، فقد غطى المحامي الهاشم نقطة الضعف المتصلة بالصفة والمصلحة.
(لقراءة صحيفة الطعن السابق رقم 37/2013 http://s-alhashem.blogspot.com/ )
(ولقراءة حكم المحكمة الدستورية في الطعن المشار إليه يمكنكم الاطلاع على الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) العدد 1166 بتاريخ 12/1/2014)
ولست هنا بصدد تقييم الطعن من الناحية الدستورية، وإنما أقدم رؤية سياسية للأجواء العامة على ضوء الترقب السائد لحكم المحكمة الدستورية.
بالطبع فإن صدور حكم بزوال مرسوم “الصوت الواحد”، هو فرصة “نادرة” للمحكمة الدستورية لاستعادة مكانتها لدى الرأي العام، فهذه المحكمة تعاني من أزمة شديدة في إقناع الرأي العام باستقلاليتها، وهي أزمة نتجت عن جملة من الظروف والوقائع والأحداث إذ لم يقتنع الرأي العام بصواب حكمها الذي قضت فيه بدستورية مرسوم “الصوت الواحد” عام 2013. وبالتالي فإن أمام المحكمة الدستورية اليوم فرصة نادرة لإثبات استقلاليتها وأنها ليست ذراعا للسلطة بالنسبة لمن يراها كذلك.
لكن الحكم بزوال مرسوم “الصوت الواحد” لن يكون مجرد تقرير قضائي… فالأحكام الدستورية في معظم المحاكم العليا ترتكز، في بعض الأحيان، على “الموائمة السياسية” أكثر من استنادها على الموقف الدستوري.
(لقراءة المزيد حول تأثير الاعتبارات السياسية في أحكام المحاكم الدستورية: “محمد الجاسم، المحكمة الدستورية.. نحو إصلاح جذري، دار قرطاس، 2009)
ولعله لا يخفى على أي متابع للشأن السياسي، أن الهيمنة السياسية والاقتصادية حاليا هي للتحالف المكون من جاسم الخرافي وناصر المحمد ومرزوق الغانم، وبالتالي فإن الحكم بزوال مرسوم “الصوت الواحد” يعني اهتزاز حتمي لقوة التحالف الثلاثي، وهذا يدفعني إلى توقع قيام أركان هذا التحالف ببذل كل ما يمكنهم من أجل بقاء الوضع كما هو عليه الآن وصدور حكم المحكمة الدستورية برفض الطعن.
في المقابل، هناك تحالف آخر “متحفز” للتغيير، وهو التحالف بين جماعة النائب السابق محمد الصقر ورئيس مجلس الوزراء جابر المبارك، فالأخير يدرك أنه لا يستطيع التحرك بحرية تامة في ظل هيمنة تحالف جاسم، ناصر، مرزوق، وهو وإن كان “يتعاون” مع هذا التحالف الثلاثي، لكنه يرى أن “مستقبله” السياسي يكمن في استبدال تلك الهيمنة بهيمنة جماعة محمد الصقر الذي ينتظر بدوره اللحظة المناسبة للقفز على كرسي رئاسة مجلس الأمة. لذلك فإنني أتوقع أن يكون محمد الصقر وجابر المبارك من أنصار الحكم بزوال مرسوم “الصوت الواحد”.
أما بالنسبة للسلطة، فالموقف قد يكون متشعبا بعض الشيء… فالمعلومات المتداولة تفيد أن “المكانة” التي كان يحظى بها تحالف جاسم، ناصر، مرزوق في أروقة السلطة قد اهتزت، وأنه لم يعد مرحبا بتحالفهم كما كان الوضع في السابق. وربما أصبح التحالف الثلاثي عبئا على السلطة. وبالطبع فإن هذا الاهتزاز لابد أنه متصل بتفاصيل ومسار “بلاغ الكويت” الذي قدمه أحمد الفهد إلى النيابة العامة والذي اتهم فيه جاسم الخرافي وناصر المحمد بارتكاب جرائم أمن دولة.
فضلا عن ذلك، فإن من طبائع السلطة في الكويت اتباع سياسة “تصفير العداد”، فمرسوم “الصوت الواحد” حقق أغراضه الخاصة ونتج عنه “تحجيم” المعارضة البرلمانية التقليدية، لكنه أيضا كشف عورة السلطة وتسبب في عزلها إلى حد بعيد، ولم يحقق أي هدف عام.
وعلينا أيضا ألا ننسى أن تفكير السلطة في الكويت تقليدي جدا، وهو يعتمد على الفطرة السياسية. وهذه الفطرة، مقرونة بتراث السلطة، تدفع بين وقت وآخر، إلى تطبيق المثل الشعبي القائل “خرب عشه قبل لا يكبر طيره”… وأظن أن خطاب مرزوق الغانم في افتتاح دور الانعقاد الأخير لمجلسه، قد أخرج هذا المثل من ذاكرة السلطة، ذلك أن أي متابع بسيط للوضع السياسي والاقتصادي في الكويت يدرك أن “الطير” في “العش” يخفق بجناحيه مستعجلا الطيران!
من جانب آخر، فإن الحكم بزوال مرسوم “الصوت الواحد” بسبب خطأ إجرائي تسبب فيه رئيس السن ومكتب وجهاز مجلس “علي الراشد”، لا يعني خسارة السلطة لما كسبته في الحكم السابق بدستورية مرسوم “الصوت الواحد، فذلك الحكم منح السلطة حق إصدار مراسيم ضرورة لتعديل النظام الانتخابي بغير وجود عنصر الضرورة، وهذا “المكسب” الدستوري للسلطة يتيح لها استخدام مراسيم الضرورة في أي وقت.
أما على مستوى “المعارضة البرلمانية التقليدية”، فمن الواضح أن أنصارها يتوقون للعودة إلى مجلس الأمة بأي وسيلة، بل أنني أرى أن البعض منهم قد بدأ بنفض “الغبار السياسي” عن صورته أملا في المشاركة في انتخابات جديدة بعد أن تمكنوا من تحجيم المعارضة المتحمسة التي تطالب بإصلاح سياسي جذري والتي لا تهتم بالانتخابات. وأرى أن هناك درجة من “التهافت” من بعض أنصار “المعارضة التقليدية” لخوض الانتخابات حتى لو حكمت المحكمة الدستورية بزوال مرسوم “الصوت الواحد”، وأصدرت السلطة مرسوم “ضرورة” جديد بنظام انتخابي جديد!
حاصل القول إن “الأجواء والأوضاع العامة”، فضلا عن جدية “العنصر الدستوري” في طعن المحامي صلاح الهاشم، وأخذا في الاعتبار ما تعانيه المحكمة الدستورية في علاقتها بالرأي العام، قد يشجع ذلك كله نحو تبني المحكمة “الملائمة السياسية” التي تتوافق مع الرأي الدستوري وتحكم بزوال مرسوم “الصوت الواحد”.
لقد زادت “الحمولة”، فهل جاء وقت التخلص من الحمل الزائد؟!
تبقى هناك “مناطق مظلمة” لا يمكن التفتيش فيها ولا معرفة أو تحليل ما يجري فيها!