كتبته منذ عام.. وأكرره
حسن الهداد
كتبت هذا المقال منذ عام تقريبا، وأكرره اليوم لأن تساؤلاتي بعد انخفاض سعر برميل النفط باتت ضرورة، هكذا تخيلت وهكذا سألت وهكذا طلبت وقلت هكذا قبل عام.
تخيلوا معي، في حال هبوط سعر البرميل إلى 45 دولارا، أليس من مسؤوليتنا الوطنية أن نطرح تساؤلات افتراضية، هل سيستمر المستوى المعيشي للفرد الكويتي، كما هو الحال اليوم؟ وهل الحكومة مستعدة لمثل هذه الظروف؟
إذا كنا نعيش اليوم حالة انتعاش في الميزانية العامة للدولة، التي حصة إيرادات النفط منها تبلغ نحو 95%، غدا قد تتغير الأوضاع ويصبح النفط بلا قيمة في حال اكتشاف مورد جديد بديل عنه أو سعره هبط إلى القاع، لذا من الأولى اليوم أن نفكر في استثمار الأموال لتحقيق مصدر دخل آخر، يسد أي حالة عجز محتملة قد نفاجأ بها بدلا من هدر الأموال على مصروفات غير منطقية والأمثلة عليها كثيرة.
تعالوا معي، لنرى إيرادات الميزانية العامة للدولة، وأنواع مصروفاتنا، ومن ثم نتساءل عن الخطر الذي قد يجتاح وضعنا المعيشي.
إن إجمالي إيرادات الميزانية العامة للدولة بلغت 20 مليارا و690 مليون دينار، وتتضمن الميزانية 5 أنواع في المصروفات هي «المرتبات، المستلزمات السلعية والخدمية، وسائل النقل والمعدات والتجهيزات، المشاريع الإنشائية والصيانة والاستملاكات العامة، المصروفات المختلفة والمدفوعات التحويلية». وباب الرواتب يعد من أخطر أنواع المصروفات، ويبتلع النسبة الكبرى من نصيب الميزانية نتيجة التخبط في منح الكوادر والزيادات غير المدروسة والتي من شأنها لم تحقق العدالة والمساواة بين موظفي الدولة.
فالحكومة اليوم مطالبة بإقرار بديل استراتيجي للرواتب حتى ينهي حالة الفوضى في مسألة الفوارق الكبيرة بين أصحاب التخصص الواحد وأصحاب الدرجات الوظيفية والشهادات العلمية، فضلا عن سد باب المطالبات العشوائية في المستقبل حتى لا يتضخم الباب أكثر مما هو عليه الحال اليوم.
مع حالة الانتعاش التي نعيشها اليوم بفضل ارتفاع برميل النفط إلا أننا مازلنا نعاني مشاكل كثيرة، أبرزها قضايا الإسكان والصحة والتربية ناهيك عن تعطيل ملموس في عجلة التنمية، فالسؤال: لماذا لا نستغل الفوائض المليارية بالاستثمار حتى ننعم بمصدر دخل جديد بالإضافة إلى مصدر النفط؟
هناك تجارب كثيرة لماذا لا نستفيد منها؟ فعلي سبيل المثال التجربة الماليزية خير برهان ولعلها تكون طريقا يرسم لنا. كان زيت النخيل المصدر الرئيسي لماليزيا وصادراته بلغت نحو 28 مليار دولار سنويا، واستغل رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد آنذاك هذا المصدر في تحقيق مصادر دخل أخرى على الصعيد الصناعي والزراعي والسياحي، حتى انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر إلى 5% والتي كانت تصل إلى 52% في عام 1970، وزاد نسبة دخل الفرد، وانخفضت نسبة البطالة إلى 3%، رغم ان عدد سكان ماليزيا 27 مليون نسمة تقريبا، ويعد هذا إنجازا عظيما في تاريخ ماليزيا.
من ماليزيا، أعود إلى الكويت، الخطر يحدق بنا وبالأجيال المقبلة، هذه ليست طرفة بل حقيقة علينا تقبلها، حتى نبدأ بإصلاح أوضاعنا للأفضل، بفضل الله نملك كل المقومات، وفوائض مالية جيدة، فإن لم نستغلها اليوم لكسوة سنوات العجاف فسيأتي يوما نعض فيه أصابع الندم.
المرحلة المقبلة صعبة جدا، وعدد السكان في تزايد ملحوظ، فمن الأولى أن نصنع بلدا دائما قائما على ذراع أبنائه، فالمسؤولية اليوم تقع على الجميع وأولهم على الحكومة وعلى مجلس الأمة، فبدلا من مضيعة الوقت على سجالات زيادة علاوة الأولاد المقدرة بـ 15 دينارا، على النواب إنقاذ البلد بتشريع قوانين من شأنها تساهم في تحقيق مصدر دخل جديد ينفع لليوم الأسود لا قدر الله، وكل شيء جائز إن لم نخطط جيدا لإنقاذ معيشة المواطن من شبح أسعار برميل النفط المتحركة حسب الأحداث والظروف.
وأنجح استثمار هو استغلال الفوائض المالية بمشاريع داخلية وخارجية تنهض بسواعد أبناء الكويت فضلا عن تعديل قوانين الاستثمار الداخلي للمستثمر الأجنبي، واستغلال أمواله في تنمية الجزر الكويتية. هذا ما كتبته قبل عام، ولكن لا حياة لمن تنادي، ونسأل الله أن يحفظ الكويت وأهلها من كل مكروه.