رجل الطاسة الياباني يعيد الفن إلى المطبخ
كان استخدام تمثال الطاسة في القلي قراراً حكيماً. أُعجب أصدقاء كيوكا بذلك الفعل البسيط المناهض للفن، ورأوا في استخدام عمل فني في غرض غير فني ضرباً من ضروب الفن. وبتلك الخطوة من كيوكا تحولت أوانيه الفنية “للاستخدام اليومي العادي، علاوة على كونها تعبيراً عن الذات”، بحسب ما نقله موقع “هافنغتون بوست”.
يُعرف كيوكا حالياً بـ”رجل الطاسة” في بلده اليابان، وحقق الشهرة بوصفه الباحث عن الكمال في صنع أواني المطبخ باستخدام تقنيات القرن الثاني عشر. حيث يستخدم كيوكا في حرق خاماته أقدم أفران الغاز المعروفة في اليابان، وخاماته نفسها عبارة عن صلصال رملي عالي الجودة وطلاء زجاجي عضوي. ويتذكر المشاهد حين يرى أعمال كيوكا ومدى سيطرته على أدواته وخاماته وتقنياته “وولتر غروبيوس” مؤسس حركة باوهاوس الذي أعلن في مانيفستو له سنة 1919 أنه “لا فارق ثمة بين الفنان والحرفي”.
يختار كيوكا طلاءاته الزجاجية العضوية بعناية تامة، لتبدو الأعمال في النهاية، وبرغم صنعها من الصلصال، وكأنها أوان معدنية صدئة. فالهدف الذي يريده الفنان من أعماله هذه هو أن تحقق المفارقة النهائية: أن تبدو في ثقل المعدن لكنها، وبصورة لا تصدق، في خفة الصلصال.
والنتيجة النهائية هي سلسلة من الأدوات المطبخية المصنوعة بمهارة تجعلها “ثمرات فنية” لو جاز لنا أن نستعير عبارة غروبيوس.
لا شك أن غروبيوس كان ليفخر بكيوكا. فلقد كان الفنان الألماني يستلهم قدرات صناع بلده، ومهارات الطبقة العاملة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، محاولاً أن يجعل من فنه تطبيقاً عملياً للأفكار والأسئلة والبلاغات الثورية السائدة آنذاك، ولقد كتب في المانيفستو يقول إن الغاية النهائية له هي “تكوين فئة جديدة من الحرفيين لا تعترف بالفوارق الطبقية التي تقف حاجزاً بين الحرفي والفنان”. فكل عمل في رأي غروبيوس هو حرفة، ويبقى كذلك إلى أن تمسه ـ بدون جهد من صاحبه ـ “يد السماء” فإذا به فن. وعليه، فإن الخزاف الماهر، شأن كيوكا، يستحق من الاحترام ما يحظى به النحات.
وكل من يدخل متحفاً كبيراً يعرف أن الأدوات العادية، المصنوعة للاستخدام العادي، تحمل قيما فنية أكيدة. ومن المؤكد أن تفاني كيوكا في صنعته يمثل نصراً للطموح الباوهاوسي. ولكن كيوكا نفسه لا يقطع بأن ما يفعله ينتمي حصراً إلى الفن، أو حصراً إلى الصنعة، إنما هو شيء “فيه من الاثنين”.