قيود «المركزية».. إلى متى؟!
راكان بن حثلين
إلى متى نبقى مقيدين بـ«المركزية»، ونقيد كل المشاريع بسلسلة طويلة من القيود الاجرائية ودورة التواقيع التي لا تنتهي؟
وإلى متى نبقى على «طمام المرحوم»، بينما نرى البلد اما مشلولاً، أو يسير سير السلحفاة في التنمية، فيما نجد البلدان من حولنا تثب وثبات سريعة وجريئة في مختلف المجالات، وتزرع بذور التنمية المستدامة، لتحقق الاستقرار الاقتصادي للأجيال القادمة.
وإذا كان تعطيل المشاريع الحكومية أو فشلها يعلق على شماعة «عدم الاستقرار»، وحالات المد والجزر السياسي الذي تشهده البلاد بين الحين والآخر، فان أحلام الكثير من الطامحين في شق طريقهم عبر العمل الخاص تتكسر على أعتاب «البلدية»، التي اصبحت «بتاع كله».
فكل مشروع خاص ومهما كان صغيرا لابد ان يمر عبر بوابة البلدية، ويواجه العراقيل الكثيرة الموجودة، حتى يحصل في النهاية على «اللامانع»، في أمور هي أبعد ما تكون عن اختصاص البلدية أصلا.
فما علاقة البلدية في استصدار الشهادات الصحية للعمالة، وما علاقة البلدية بالاشراف على المسالخ ذات التخصص البيطري؟ ولماذا تحتكر البلدية حتى المقابر ودفن الموتى؟!
آن الأوان لفك التشابك في الاختصاصات، وكسر احتكار الصلاحيات التي تستحوذ عليها البلدية، بتشكيل هيئات متخصصة، يعنى كل منها بمجاله، وأن نختصر الدورة المستندية التي يتطلبها انجاز المشاريع سواء الحكومية او الأهلية.
فما المانع في أن تشكل هيئة بادارة مهندسين متخصصين، تتفرع على مختلف التخصصات، فتكون لدينا هيئة لمشايع الدولة والمخطط الهيكلي، وهيئة لتخصيص الأراضي للدولة ووزارات الخدمات وغيرها، وهيئة تشرف على المقابر ودفن الموتى وتحديد توزيع القبور ومسؤولياتها، وهيئة تشرف على اعلانات الشوارع وغيرها، وهيئة تضطلع بمسؤولية الاشراف على النظافة، وهيئة تتولى اصدار الشهادات لعمال المطاعم وشركات الأغذية ومراقبة الأغذية الفاسدة، وغيرها من الأمور التي يمكن ان تتفرع في هيئات تشرف كل منها على مجال تخصصها.
ولماذا لا يكون لهذه الهيئات ميزانيات مستقلة، وموارد بديلة تخفف العبء عن الميزانية العامة للدولة، تمول من خلالها أنشطتها وأعمالها، وتتسع من خلالها دائرة المسؤولية في الاشراف على الخدمات في البلد.
فعلى سبيل المثال، الجمعيات التعاونية التي أصبح الكثير منها بؤرا للفساد والاستيلاء على أرباح المساهمين بغير وجه حق، يمكن ان يكون لهذه الجمعيات دور فعال في المناطق التي تتبع لها، وعلى أقل تقدير يمكن ان تتحمل الجمعيات التعاونية مسؤولية النظافة وتزيين الشوارع وتشجيرها، في مقابل الدعم الذي تحصل عليه من الحكومة، فالناس اليوم ليست بحاجة الى «الخردة» التي تحصل عليها من بقايا أرباح الجمعيات التعاونية، وانما بحاجة الى تحسين الخدمات والحصول عليها بشكل صحيح ومتكامل.
الكثير والكثير من الأفكار والمشاريع يمكن تطبيقها ولكنها بحاجة الى أناس يفكرون ويبتكرون من أجل البلد، وليس من أجل مصالحهم الخاصة فقط، كما أنها تحتاج الى رغبة حكومية صادقة في الاصلاح، وارادة تتحدى اللاءات التي تفرض من بعض المستفيدين من محتكري القرار.
آن للحكومة أن تدعم الأفكار البناءة والطموحة التي ينادي بها المخلصون في هذا البلد، ولا شك أنهم كثر، من أمثال صاحب الأفكار الخلاقة، عضو المجلس البلدي المستشار احمد الفضالة الذي تقدم بمقترح لتحويل البلدية الى هيئات متخصصة، وهو المقترح الذي من شأنه معالجة الكثير من المشاكل التي تعانيها البلدية، ووضع حد للكابوس والصداع المزمن الذي يعانيه أصحاب المشاريع الصغيرة، كما أنه يمكن ان يوفر على الميزانية العامة الكثير من الأموال والجهد المستنزفين في الوضع القائم حاليا.