ما بين سجن «مرسي» وبراءة «مبارك».. تبقى مصر شامخة!!
صدور حكم ببراءة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، خبر مهم يجب التوقف عنده، بل هو خبر «يجُبُ» كل ما عداه من القضايا التي شغلتنا في السابق، بحيث نتوقف أمامه بالرصد والتحليل، فقد عشنا هذا الحدث وما وراءه بكل تفاصيله، يوماً بيوم.. تابعنا خلاله كل مجريات الأحداث منذ اندلاع ثورات الربيع العربي – كما أطلق عليها – والتي بدأت بتونس ووصلت الى مصر.. وغيرت رأس النظام الحاكم في اليمن.. ثم انتهت بنهاية مأساوية للعقيد القذافي – حاكم ليبيا.
منذ سقوط حكم الرئيس مبارك، ومصر الحبيبة تخوض صراعاً مريراً بين الاستقرار والفوضى، فقد تحولت مصر في لحظة جنونية الى ساحة مليئة بالدماء والخراب!!.
٭٭٭
مطالب الشباب التي رفعوها في شعاراتهم كانت مشروعة ومستحقة، ومع تعاطفنا مع مطالبهم تلك، الا أننا كنا نرى ان من الضروري ان يخرج رئيس مصر مكرماً معززاً، وأن يتم نقل السلطة في مصر بطريقة دستورية وقانونية، لكي تبقى مصر منارة دستورية حتى لو شاب الحكم فيها كثير من الشوائب، ولكن قدر الله وشاءت الأقدار ان تجري الأمور على غير هذا النحو، حيث تدخلت جهات وقوى خارجية أدت الى انحراف الثورة عن مسارها، وسقوطها في أحضان الاخوان المسلمين، اذ صارت الثورة المصرية وبالاً، ليس على مصر وحدها وانما على كل الدول الأخرى، التي تتأثر بمصر وما يجرى فيها، فمصر هي قلب العالم العربي، وكان تقديرنا ان ما تتأثر به مصر لابد وأن يلقي بظلاله على الأمة العربية «جمعاء».. وكان هذا هاجساً باستمرار.. وكان كل خوفنا ان تنزلق مصر الى حمام دم بشكل أو بآخر نتيجة صراع على السلطة.
كل المؤشرات كانت تؤكد بأن هناك من يسعى الى اغراق مصر إما في الفوضى والدماء، أو ان تذهب الى أحضان الاخوان وليذهب الشباب الثائر ومطالب الوطن الى الجحيم!!.
لقد كان الميدان – التحرير – شاهداً على الجميع.. فهو أولاً شاهد على الروح الوثابة التي تجلت في المصريين أملاً الى مستقبل آخر أكثر حرية وكرامة انسانية.. ملايين المصريين نزلوا الى ميدان التحرير وتحدوا الخوف وطالبوا بالعدالة الاجتماعية دون ان يدر بخلدهم في نهاية المطاف ان الثورة ستسقط كثمرة ناضجة في أيدي الاخوان!.
٭٭٭
الاخوان.. كانوا ضيوفاً دائمين على مقالاتي وسبق ان حذرت منهم مراراً وتكراراً وهم الذين حولوا الميادين في مصر الثورة الى ميادين دم!! هم الذين أوعزوا للقناصة لقتل الشباب الثائر واقتحموا السجون وأخرجوا المعتقلين من جماعة الاخوان، كما أحرقوا أقسام الشرطة لتعم الفوضى، باسم الثورة بدأوا في إحراق مصر.. حتى يمكنهم ان يختطفوا الثورة ويقفزوا عليها!!.
٭٭٭
ثم بعد ذلك خاضوا الانتخابات البرلمانية التي سبقت الانتخابات الرئاسية وحصدوا أغلبيتها ثم خاضوا «الرئاسية» وأعلن محمد مرسي رئيساً لمصر.. وكان أول ما فعله هو تحصين قراراته والعبث بالقضاء، الذي تصدى لمغامراته.
في الحقيقة ان مصر مدينة الى القضاة المحترمين الذين ساهموا بصلابتهم بالبقاء على الكيان المؤسسي للدولة ووحدوا بمواقفهم الصفوف ضد الاخوان، حتى كان ان انتفضت مصر كلها ضد (سيد قطب) الذي يحكم مصر من القبر لأنه في هذا العصر لم تعد هناك مؤسسة قضائية أو تشريعية مستقلة، وضع الدستور.. ولكنهم لم يحترموه، واغتالوا الدستور التوافقي.. فكانت النتيجة ان المصريين خرجوا بثورة غضب أخرى سالت فيها دماء جديدة.. ورغم ان حالة الطوارئ تم فرضها بقرار من «مرسي» واخوانه الا انها لم تكن مجدية، بل اشتعلت الأمور في مصر، وزادها اشتعالاً الادارة السيئة لمصر.. وتردي الأوضاع وغياب الرؤى.. وهنا بدأ الخطر واضحاً.. فاذا كانت مصر تعيش هذه المحنة، فلابد للشعب العربي كله ان يعيشها ويشعر بها!!.
٭٭٭
لقد أدرك الشعب المصري خطورة الأوضاع والتحديات التي تواجه بلاده.. كما أدرك السياسات الرامية لحل أزمات الأمن والغذاء والوقود والأسعار.. والخدمات.. فضلاً عن أزمات التهريب عبر الحدود وأزمات تهديد سيناء، وخطورة الاتفاقات التي تبرم في السر من أجل تعديل خارطة مصر لحل أزمات «هذه الجماعة.. وتلك الحركة» لكل هذا انتفض الشعب المصري وخرجت منه حركة «تمرد» التي أدت الى كشف رغبة المصريين العارمة في ايقاف المهزلة.. وانهاء حكم الاخوان!!.
وكانت وقفة 30 يونيو هي السبب الذي أجبر العالم على تأييد «خلع المصريين لرئيسهم» مجدداً، كما حدث من قبل مع سلفه (مبارك) الذي امتدت جذور حكمه لنحو 30 سنة، استحوذ خلالها قلة على السلطة في مصر.. قلة من رجال الأعمال وتجار السياسة المعززين بالامكانيات المالية والاعلامية والدعائية، الذين تحالفوا مع السلطة.. واحتكروا القرار والحكم في مصر واستمر الحال هكذا الى ان سقط مبارك في 25 يناير 2011!!.
٭٭٭
سقط مبارك نعم.. وسقط مرسي نعم.. وبقيت مصر.. فقد نجحت مصر في فترة ما بعد 30 يونيو في تأدية الاستحقاقات التي تعهدت بها القوات المسلحة وفق خارطة الطريق التي أعلنت في 7/3، وأمكن ان تمضي هذه الخطة قدماً مع اجراء انتخابات رئاسية فاز فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي.. الذي انحاز هو والمجلس العسكري الى الشعب الذي أطاح بأحلام الاخوان في الحكم.
مسيرة مصر الطويلة منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 وحتى قيام الثورة الثانية في يونيو 2013 كلها مرحلة مليئة بالدروس والعبر.. وهي دروس في حكم الشعوب.
٭٭٭
إننا بعد ان حصل الرئيس مبارك على البراءة.. والحكم كما يقولون عنوان الحقيقة، لابد ان نستذكر في هذه اللحظة دوره في مساندة بلدنا، فقد وقف الى جانب الكويت في محنتها.. زمن الغزو العراقي الصدامي الغاشم.. ووفاء له فاننا يسعدنا ان يحصل على البراء من تهمة قتل المتظاهرين، فنحن أمامنا القتلة الحقيقيون دون حساب.. وفي تقديري ان مبارك لا يمكن ان يكون قد أمر باطلاق الرصاص على المتظاهرين، ومن هنا أوجه التحية للقضاء المصري الشامخ الذي أصدر حكمه ببراءة الرجل في ظل ظروف صعبة تخوضها مصر في حربها مع الارهاب.. وهي حرب تستدعي الى ذهني شعار ارتفع بقوة في ميدان التحرير أثناء الثورة الأولى يقول «اللي يحب مصر ميخربش مصر»!!.
٭٭٭
كلمة أخيرة..
نعلم ان دماء الشباب الطاهرة التي أهدرت في الثورة الأولى أثناء حكم «مبارك» لابد وأن يكون لها ثمن وقصاص ولكن هل الثمن والعدالة ان يكون سجن مبارك مؤبد حتى وهو بريء من دمائهم؟!.
.. والعبرة لمن يتعظ!!.
منى العياف
alayyaf63@yahoo.com
twitter@munaalayyaf