مقالات

شمعنى.. هذا يقودنا

حسن الهداد

بعد تشتت اليهود في أنحاء العالم قبل سيطرتهم على أرض فلسطين، أتى اليهودي النمساوي هيرتزل بفكرة تأسيس وطن قومي لهم، ودعا إلى مؤتمر لجمع شمل اليهود، وساهم هذا المؤتمر في جمع المال لإيمانهم بأن المال يحقق رغبتهم، ومن ثم أصبحوا يصولون ويجولون حول العالم بغرض تسويق فكرة هيرتزل، فوعدتهم بريطانيا بتأسيس وطن لهم في غينيا لكنهم رفضوا بسبب تمسكهم بأرض فلسطين لذلك جاء وعد بلفور سنة 1917، لتحقيق طموح اليهود لاسيما بعد هزيمة الأتراك التي فسحت الطريق للانتداب البريطاني لتقسيم أرض الشام، والتي شجعت هجرة اليهود إلى فلسطين.
وبدأ اليهود شراء الأراضي وإقامة المستوطنات اليهودية حتى عام 1934، وبعد «النوم بالعسل» فطن العرب إلى سياسة هجرات اليهود، وهنا بدأت المشكلة تأخذ حيزا واسعا من الجدال بين الأوساط العربية اليهودية، وتدخلت بريطانيا لحل الخلاف بتجزئة فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية تحت الانتداب البريطاني، ومع كثرة المشاكل تحولت السياسة البريطانية لتعطي العرب نصيب الأسد مما سبب انزعاجا في أوساط اليهود الذين أبدوا رغبتهم في مساعدة أميركا لهم متجاهلين التدخل البريطاني الذي تحولت سياسته نتيجة الرغبة في إنشاء توازن يخدم المصالح البريطانية.

وفي عام 1942 تحديدا في مؤتمر «بالتيمور» اعلنوا رغبتهم في اقامة دولة يهودية حتى اتسعت رقعة المشكلة وانتقلت إلى الأمم المتحدة في عام 1947 وجاء الحل بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية شرط بقاء القدس تحت نظام دولي ومازالت الصراع قائما.. ولكن من حيث الحقيقة نجحت فكرة اليهودي هيرتزل وتأسس لليهود وطن.

هذه اللمحة التاريخية وإن رفضها العقل العربي إلا أنها تفتح لنا أبواب التفكير والتأمل، ونفكر فيها من جانب آخر، أي من جانب تحقيق الفكرة وإن كانت من صناعة فرد واحد، قد تحقق لنا رغبات مجتمع ودولة، قد تكون بنظر الكثيرين أنها مستحيلة إلا أن الواقع تجاوز المستحيل، وحتى نكون أكثر دقة علينا أن نركز كيف استمع اليهود لصاحب فكرة تأسيس وطن من خلال مؤتمره الذي دعا إليه اليهود من أنحاء العالم، وخرجوا منه باتفاق على فكرة هيرتزل، ومن ثم جمعوا الأموال للانطلاق نحو هدفهم الذي تحقق أخيرا.

بعد نجاح اليهود ولو كان النجاح من منظورهم الضيق وليس من منظورنا كعرب، ولكن علينا أن نصارح أنفسنا بعقلانية ونعترف بنجاح الفكرة التي بدأت صغيرة حتى صنعت وطنا ـ لهم ولو كان مغتصبا بنظرنا ـ علمه مازال يرفرف في الأمم المتحدة.

هنا يأتي السؤال على مستوى وطن كالكويت بلد صغير بمساحته، كبير في مقوماته المالية وآباره النفطية، وعلاقاته الخارجية الأكثر من رائعة والتي صنعت بحكمة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، السؤال: من منا على مستوى أفراد أو وزراء أو نواب أو حتى تيارات سياسية فكر في فكرة ليقدمها هدية من أجل انعاش وطن تركوه لنا الأجداد بأفضل حالاته وقوته العضلية بالفكر المتزن والتعاون والتراحم فيما بينهم؟ أنا على يقين إن كان لدينا مليون فكرة كفكرة «هيرتزل» ليس لسرق الأوطان بل لاستمرار وطن ينعم في خيراته المواطنون بالعدل والمساواة والحب والاحترام، لن تتحقق هذه الأهداف، مادمنا نعيش حالة تناقض في مبادئنا، كيف نعيش هذا التناقض؟ نعيشه لأننا في الكويت لا نؤمن بالفكرة بل كل إيماننا بالشخوص على مبدأ حب وكراهية ومن هنا نصنع الأزمة بعقلياتنا، فلسفة المجتمع أصبحت هكذا لو خرجت فكرة راقية لبناء وطن من شخص نحبه سنقف معه وإذا خرجت لنا من شخص نبغضه نجد أنفسنا نبحث عن سلبيات فكرته وإن لم نجد السلبيات ذهبنا بعيدا للبحث عن حياته الشخصية لنضربه حتى لا تقوم له قائمة، لذا لن نحقق شيئا إن لم نعالج أنفسنا من مصطلح «شمعنى هذا يفكر» و«شمعنى هذا يقودنا لأفكاره» هكذا نحن نعيش في صراع مع تناقضاتنا رغم أننا جميعا نسعى لمحاربة الفساد ولكن نحاربه بتنظيرنا وفلسفتنا «ومحد عاجبه أحد» إلى متى لا نشعر بأمراضنا كمجتمع؟ «كافي تناحر وكافي تخوين»، فالوطن تعب منا وينتظر منا الثورة على عقليتنا لتحقيق آمالنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.