تقرير الـ”سي آي أيه”.. ضربة جديدة لـ”أوباما”
أثار التقرير الذي كشف عن التعذيب والممارسات التي لجأت إليها وكالة الاستخبارات الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر، ضجة كبيرة في العالم، وصدمة ضخمة للمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان، فأمريكا التي تزعم أنها الدولة المدافعة عن حقوق الإنسان، ظهرت مؤخرا بدور المنتهك العنيف لكل معاني الإنسانية.
في ضربة جديدة لمصداقية الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة “باراك أوباما”، أصدر الكونجرس الأمريكي تقريرًا مفصلًا عن إثباتات قيام المخابرات الأمريكية الـ”سي اي ايه” بتعذيب المعتقلين، سواء داخل أمريكا أو خارجها خاصة بعد هجوم الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث أطلقت يد المخابرات الأمريكية علي آلاف المعتقلين سواء حقًا أو ظلمًا، وتم استخدام أبشع وسائل التعذيب وإهدار أبسط الحقوق الآدمية للسجناء.
عرض التقرير تفاصيل احتجاز ما يقرب من 119 فردا خارج الولايات المتحدة الأمريكية، واستخدام أساليب استجواب قسرية وصلت في بعض الحالات إلى تعذيب، وكانت وسائل التعذيب مابين التعذيب البدني والحرمان من النوم والطعام والإيهام بالغرق والسجن في غرف صغيره وتشغيل موسيقي صاخبة 24 ساعة لمنع السجناء من النوم، وإهانة السجناء بتعريتهم وتعذيبهم جنسيًا، ومع ذلك فإن أساليب برنامج التعذيب الذي استخدمته الـCIA لم تكن فعالة علي الإطلاق، وتم من خلالها قتل العديد من المعتقلين، ورغم كل ذلك فشلت الاستخبارات في استخلاص أي معلومات مفيدة باستخدام وسائل التعذيب هذه.
لم تكتف وكالة الاستخبارات الأمريكية بإجراء عمليات تعذيب وحشي لاستنطاق المشتبه بهم، بل مارست الكذب والتضليل على البيت الأبيض والكونجرس ووسائل الإعلام، بغرض تبرير وتغطية عمليات التعذيب الوحشي والقتل ضد المعتقلين، حيث قام الـ”سى آى إيه” بفبركة معلومات تفيد القبض على إرهابيين، وإحباط عمليات إرهابية وهمية ضد أمريكا وأوروبا، وبعد التحقيقات ثبت عدم صحة هذه المعلومات علي الإطلاق فعند مراجعة تقارير وكالة الاستخبارات لم يستدل علي صحة أي من هذه المعلومات.
اختلفت ردود الفعل العالمية إزاء التقرير من حيث تحميل أمريكا بالكامل المسئولية أو إلصاق العبء بالكامل إلى الـ”CIA”، إلا أن جميعها اتفقت على أن هذا التقرير يمثل وحشية النظام الأمريكي، حيث دعت منظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان الولايات المتحدة الأمريكية إلى محاسبة المخطئين الذين كشف عنهم تقرير التعذيب، وقالت المنظمة “إن هذا التقرير يقدم تفاصيل لانتهاكات حقوق الإنسان صرحت بها أعلى سلطات في الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر”، وأضافت أن التقرير يعد رسالة تحذير للولايات المتحدة التي ينبغي أن تكشف الحقيقة الكاملة المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان وأن تحاسب المخطئين وتضمن العدالة للضحايا وهذا ما يتطلبه القانون الدولي.
نددت برلين بما قالت إنه “انتهاك خطير للقيم الديمقراطية”، واعتبر الاتحاد الأوروبي أن هذه المعلومات “تثير تساؤلات هامة بشأن انتهاك حقوق الإنسان من قبل السلطات الأمريكية والعاملين في وكالة الاستخبارات”، من جانبه قال مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن “المسئولين عن هذه المؤامرة الإجرامية يجب أن يحالوا إلى القضاء”، وأعرب الرئيس الأفغاني “أشرف غني” عن استنكاره لهذه الوقائع، واصفا إياها بأنها “أعمال غير إنسانية” لمسئولي المخابرات الأمريكية أثارت “دائرة مفرغة” من العنف في خضم هجمات 11 سبتمبر 2001.
إيران وصفت الولايات المتحدة بأنها “رمز الطغيان على البشرية”، ويدلل على انتهاك حقوق الإنسان الصارخ بذرائع أمنية واهية، وأعلنت الرئاسة الليتوانية أنها على استعداد “لتحمل مسئوليتها” إذا كانت بلادها استضافت مركزا للاستجواب تابعا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، واعتبر “ادوارد سنودن” الموظف السابق في الاستخبارات الأمريكية أن أساليب التعذيب التي استخدمتها الـ”CIA” هي “جرائم لا تغتفر”، وقال “الأمور التي فعلناها جرائم لا تغتفر”.
عبر الرئيس الأمريكي السابق عن “امتعاضه”، وكشف تقرير لمجلس الشيوخ الأمريكي، أن “بوش” لم يعلم بأمر تقنيات التعذيب التي اعتمدتها “سي آي ايه”، في استجواب موقوفين في قضايا إرهابية، إلا أنه في أبريل 2006 أي بعد 4 سنوات من بدئها، ليخرج بذلك من دائرة الاتهام كـ”مُغيب” عما كان يحدث أثناء حكمه.
سددت وسائل الإعلام والنظام الأمريكي سهامهما تجاه وكالة الاستخبارات، ورفع كل مسئول يده أحدهما كـ”بريء” والآخر كـ”مُغيب” والثالث كـ”ممتعض”، وكأنهم لم يكونوا على علم بما كانت تقوم به الوكالة من تعذيب وحشي ومحاولات استنطاق واستجواب المشتبه بهم من خلال إهانتهم وتعريض حياتهم للخطر بل موتهم أثناء التحقيق “التعذيب”.
يأتي ذلك كدليل جديد علي أن أمريكا “لم تعد بلد الحرية” التي كانت تتغنى بها، وضربة جديدة في مصداقية الوعود التي كان قد وعد بها الرئيس الأمريكي “أوباما” أثناء حملته الانتخابية، بغلق معتقل “جوانتانامو” الذي يعتبر من أكثر السجون الأمريكية شهرة بانتهاكاته لحقوق الإنسان، ووضع حدًا لبرنامج التحقيق في وكالة الاستخبارات، وانتهاء عصر العنصرية، لكن كل هذه الوعود باتت سرابًا، فـ”جوانتانامو” لا يزال رمز للتعذيب والانتهاكات، ووكالة الاستخبارات تتحدث عن نفسها من خلال تقرير الكونجرس، والعنصرية تظهر في أبهى تجلياتها.