مقالات

الديموقراطية.. بين التأييد والكفر

حسن الهداد

دار حوار بين «علي» و«خالد» في الديوانية، أجمل ما في الحوار أنه كان راقيا وتحيط به سياج من الموضوعية والاحترام، الحوار كان كالتالي.
• علي: الديموقراطية ورطتنا وضيعتنا، ويتسيدها المال ودعم المتنفذين على المستوى القبلي والطائفي والفئوي، والكل يبحث عن مصالحه ومصالح من يحيطون به، والبلد ينتقل من فوضى لأخرى.

• خالد: لا تكن متشائما هكذا الديموقراطية ليست هي المشكلة كما ذكرت، ولكن المصيبة تكمن في ثقافة المجتمع، واختيارات الناس المصابة بالتعصب الأعمى وقت الانتخابات، وجميعنا يعلم ذلك.

• علي: كلامك مردود عليه، اذا علينا أن نعترف بأننا شعب لا يملك ثقافة أصول الديموقراطية، وغير قادر على التعامل مع مفاهيمها التي خلقت من أجلها، أليس الأولى أن نتركها ما دامت لا تناسبنا؟

• خالد: ولماذا نترك نعمة الحرية، هل تعلم أنه مهما كبرت تنمية الأسمنت والطابوق من حولنا بناطحات سحاب مزخرفة، لا تسوي قطرة من ديمقراطيتنا.

• علي: أنت تبالغ نوعا ما، الديموقراطية رمتنا خارج ملعب الإنجاز، يا أخي أين مستشفيات الديموقراطية؟ وأين قفزة الصحة؟ وأين العدالة والمساواة؟ وأين أصبحت قضية الإسكان؟ وأين وأين.. الخ، وانظر إلى أهلنا في دول الخليج قفزوا قفزة لاعب ماهر لتطوير بلدانهم، وشعوبهم تعيش في رفاه من دون فلسفة الديموقراطية، فلماذا لا نتبع نهجهم، فمن المستفيد من الديموقراطية غير من يصيد ثمارها الشخصية؟.

• خالد: يا عزيزي الديموقراطية ليست فقط مجلس أمة، الديموقراطية تراها في حقوقك كمواطن في دستور 1962، ولا تنسى أن نهضة الكويت جاءت بعد إقرار الدستور بنظامه الديموقراطي، وتأكد ان فقدنا هذه الحرية حينها فستشعر بأهميتها، والأمر متعلق بممارسة إيجابية حتى نقطف ثمارها.

• علي: الديموقراطية هي التي جعلت حاجاتنا المستحقة بأيدي نواب، نذهب إليهم من أجل واسطة لوزراء أساسا جاءوا بالمحاصصة والترضيات المعروفة، رغم أن مطلبنا من الحاجات هو حق مشروع لنا لا يحتاج إلى واسطة، هل هذه الديموقراطية التي تزينها بفلسفتك؟

• خالد: يا عزيزي من صنع نواب الخدمات؟ أليس اختياراتنا السيئة، لو كانت اختياراتنا مبنية على أساس سليم لما كان هذا حالنا، والنائب يفترض أن يكون مشرعا ومراقبا مهمته محاربة الفساد وليس مندوبا يهرول في أروقة الوزرات، ومسألة اختيار الوزراء بالمحاصصة أيضا جاءت نتيجة ضغوط قوى مجتمعية أفكارها ضيقة الأفق.

• علي: أمر طبيعي أن يتحول النائب «مندوب معاملات» حتى يحافظ على مكانة الكرسي، والمواطن مضطر لأن يلجأ للنائب الذي يمثله لطالما بعض وزراء الحكومة يغلقون الأبواب بوجه حاجات وحقوق المواطن، وكل هذه الفوضى جاءت نتيجة لعبة الكراسي تحت عنوان الديموقراطية.

• خالد: الديموقراطية نعمة وممارساتنا هي الخطأ الفادح، قد تراها اليوم نقمة، ولكن حتما سيأتي جيل آخر ويدرك كيفية التعامل معها وفقا لأصولها، هنا الكل سيشعر بأهميتها، وهناك من يحارب ويشوه ملامح الديموقراطية وأهدافهم زرع حالة يأس بين أفراد المجتمع، وأنت يا «علي» قد تكون أحد ضحاياهم.

• علي: أي جيل تريد أن ننتظر بعد خراب روما؟، كلامك غير واقعي وتفاؤل غير منصف في ظل الأوضاع المأساوية التي نعيشها، الفاسدون أصبحوا يسرقون الأموال باسم الديموقراطية التي خدرت عقولكم بحقن سامة باسم الحرية، الديموقراطية مكانها ليست هنا، لا تخدع نفسك بأوهام دمرت البلد، والدليل اليوم انخفض برميل النفط إلى مستويات متدنية مرعبة وأصبح المستقبل مجهولا والحكومة والمجلس لا يملكان الحلول الواقعية فقط تصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع.

• خالد: في النهاية أنا احترم رأيك، قد تراه من زوايا مغلفة بالتشاؤم، وأنا أرى الديموقراطية من زوايا إيجابية، وما زلت أراهن على أحياء ثقافة جديدة في مجتمعنا من الشباب الواعي من شأنها ستنهض بالوطن، وقد اضحي بنفسي ولا أخسر الديموقراطية التي منحتني الكرامة.

حوار «علي وخالد» مرآة تعكس واقع حالنا، البعض متمسك بالديمقراطية والبعض كفر بها.. والنتيجة لا نملكها مادامت المصالح فوق كل اعتبار وطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.