مقالات

الفساد.. إلى مقصلة الشعب

راكان بن حثلين

من آمرك؟ قال من نهاني؟! شعار يرفعه الكثير من القياديين الذين كرسوا الفساد في مؤسسات البلد المختلفة، وتعاقبوا على نهب خيرات البلد، وتجيير مناصبهم لما يصب في صالح «بلوكات عائلية» او اقطاب سياسية او اقتصادية، او حتى تيارات دينية.

هذا المشهد المتجدد المؤلم، ادى الى تراجع الكويت في مؤشرات مدركات الفساد في العالم الى ان حلت في المرتبة الأخيرة خليجيا، وفي المركز 67 عالميا، وفق تقرير منظمة الشفافية العالمية، وذلك على الرغم من وجود العديد من المؤسسات الرقابية وعلى رأسها مجلس الأمة وديوان المحاسبة، فضلا عن الانفتاح الاعلامي سواء في الوسائل التقليدية مثل الصحف الورقية والقنوات التلفزيونية، او الوسائل الحديثة مثل الصحف الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي.

وليس المستغرب ان يوجد الفساد في اي مجتمع «لا ملائكي»، فالفساد موجود في كل المجتمعات البشرية، ولكن الأمر العجيب لدينا في الكويت، هو اننا نسمع الكثير عن الفساد، ولكننا لم نسمع عن قيادي بمستوى عال تمت محاسبته، او انتهت به احكام قضائية الى السجن كبقية اللصوص الصغار، بل على العكس من ذلك نجد ان العديد من الأسماء التي دارت حولها الشبهات تترقى في المناصب، او تتنقل من وزارة الى اخرى، لتنشر فسادها في بقية المؤسسات، بينما نجد اصحاب الأيادي النظيفة يحاربون من داخل البيت الحكومي ومن خارجه، وغالبا ما يكونون ضحايا التصفيات السياسية على مذبح البرلمان، والمساءلات السياسية المعلبة التي تغطى بشعارات طائفية او فئوية او شعبوية، في حين ان باطنها اقصائي يهدف في الكثير من الأحيان الى اقصاء وزراء وققوا حجر عثرة في طريق بعض المتنفذين.

هذا الواقع الذي نعيشه منذ سنوات، ربما الهدف منه ضرب الديموقراطية، وتشويه صورة المؤسسة التشريعية، واعدام الثقة في قدرة المجتمع على اختيار اشخاص كاملي الأهلية لينوبون عنهم في الرقابة والتشريع، ولكنه في النهاية يعكس فعلا واقع خيارات وممارسات المجتمع نفسه، ويكرس افرازات واقعية للمعايير التي يعتمدها الناخبون لدى تصويتهم للمرشحين.

وقد يبرر البعض هذا الأمر بأن الافساد يأتي من المال السياسي، واستغلال الحكومة الخدمات والمعاملات في ترويض وتدجين بعض النواب، الا ان التجارب اثبتت عدم صحة هذا الادعاء، وان اسماء كثيرة حافظت على نقائها ونظافة يدها سواء داخل البرلمان او خارجه، رغم المغريات الكثيرة، والضغوط غير المنتهية، ليخلد التاريخ هذه الأسماء كرموز وقدوة يستنير بها كل طامح الى الاصلاح في هذا البلد.

اذا الفساد صنيعة مشتركة، يتحمل فيها المجتمع جزءاً كبيرا من المسؤولية، لا يقل اهمية عن مسؤولية الحكومة في تفعيل الجزاءات تجاه كل من يتورط في الفساد ونهب خيرات البلد بشكل او بآخر.

لذلك اذا اردنا حقا اصلاح حال البلد، وخصوصا ونحن مقبلون على ازمة اقتصادية في ظل تراجع اسعار البترول بشكل قياسي وسريع، فعلى المجتمع ان يبدأ بمحاسبة ممثليه في مجلس الأمة بكل الوسائل الممكنة، وأن يقوم الاعوجاج في ادائهم، حتى اذا جاء يوم الحساب في اي انتخابات مقبلة، يوضع كل رأس فاسد او متخاذل على «مقصلة» الاعدام السياسي، بحكم يصدره الشعب نفسه، من خلال نتائج التصويت.

وفي المقابل، على الحكومة ان تستكمل حلقة الاصلاح، بارادة حقيقية تثبتها بسلسلة من الاجراءات التنفيذية التي تتماشى مع النفس الشعبي الطامح للاصلاح، وتنسجم مع توجيهات القيادة السياسية، ولا يمكن ان تبرهن الحكومة على ذلك بوعود وشعارات، بل يجب ان تبرهن على ذلك بوقائع وشواهد، على اثرها يرى الشعب ان الفاسد يحاسب ويحاكم ويعاقب، وان المصلح يبقى، وان البقاء في سدة العمل التنفيذي والقيادي في جميع مؤسسات البلد.. للأفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.