اللهم ارزقنا القلة
القلة مطلوبة في احيان كثيرة، واول ما يتبادر الى ذهنك ـ وأنت تقرأ الكلمات القليلة السابقة ـ قلة المال وقلة الصحة، وهما اكثر ما يطمح إليهما ويتطلع الى المزيد منهما كل انسان، وهذه حقيقة لا يمكن ان ننكرها او نتناساها في اي حال.
ولكن القلة التي اعنيها هي القلة التي تريحنا كبشر وتريح الآخرين منا، وهي التي ترفع من شأننا ومن قبولنا عند انفسنا اولا، وعند الآخرين ثانيا، وهي التي ما ان نتناساها ونغض البصر عنها حتى تأكل ما تأكل من راحتنا وابتسامتنا.
راحة الجسم في قلة الطعام، وهذا لا يمكن ان ينكره احد، فزيادة الطعام توصلنا الى تخمة المعدة وما يصحبها من امراض وآلام، وما يتلو ذلك من قلة النوم والراحة، فكلما كان طعامنا صحيا بسيطا مرتبا ومقننا تجنبنا تخمتها وحفظناها سليمة معافاة.
راحة النفس في قلة الآثام، فكلما ارتكبنا اثما بحق ربنا وبحق خلقه زادت معاناتنا، وانشغل ضميرنا في اعادة مشاهد هذه الآثام في قلة النوم وحالة التملل ومحاسبة النفس، وايضا في حالة تشوه صورتنا عند الآخرين بسبب هذه الآثام التي ارتكبناها بحقهم.
راحة القلب في قلة الاهتمام، فكلما زادت اهتماماتنا وانشغالاتنا زاد همنا وانشغل قلبنا، فلا توجد شاردة ولا واردة الا وقلنا فيها قولا وخفنا منها مخافة، راحة القلب تكمن في تقليص اهتماماتنا قدر الامكان، والتركيز على ما يستوجب الاهتمام، وهذا لا يعني أبدا ان تتبلد مشاعرنا ونفقد الرغبة في مشاركة الاخرين همومهم بغرض اعانتهم على تجاوز ازماتهم، اذا كنا قادرين على ذلك، ونملك ادوات العون والمساعدة، لان الموضوع ابعد من ذلك كثيرا.
راحة البال تكون في تقليل همومنا وعدم تركيزها على صغائر الامور واتفهها، والتي لا تعود علينا بالفائدة ولا تصب في اولويات حياتنا وسر سعادتها، هذه الهموم التي تحول المرء من انسان بسيط في حياته وانشغالاته الى انسان يراقب الناس فتزيد همومه، ولا ابلغ من القول: من راقب الناس مات هما.
اما قلة القول والاكثار من الاستماع والتأمل فهما بحق راحة للسان، فكثرة الكلام والتحدث بهدف ومن دون هدف تقللان من شأن الذات، وكثرة الكلام تتبعها كثرة الزلات اذا لم يكن الانسان متمكنا فيما يقول وما يريد قوله، وما اكثر هذا النوع من البشر على هذه الارض.
كثرة الكلام يسميها اخوتنا في مصر كتر الرغي، وحسب تفسيري المتواضع ان هذه التسمية جاءت من الرغوة التي لا فائدة ترجى منها عندما تطفو على السطح، لانها عبارة عن فقاعات متلاصقة سريعا ما تتلاشى وتتبخر، وهي في الوقت نفسه تحجب سطح المادة الاساسية التي تغطيها، وتمنع رؤيتها بوضوح.
راحة الجسم في قلة الطعام، وراحة النفس في قلة الاثام، وراحة القلب في قلة الاهتمام، وأخيرا راحة اللسان في قلة الكلام. ما اروعه من قول!
اقبال الأحمد
Iqbalalahmed0@yahoo.com
Iqbalalahmed0@gmail.com