مقالات

الحكومات المتمكنة

سويسرا من اكثر الدول الاوروبية، بل العالم كله، تقدما وثقافة وغنى وسلما ايضا.. بدليل انها الدولة الوحيدة تقريبا التي ليس لديها جيش، حتى ان مساهماتها في كثير من القضايا العالمية لا تعرف العنف، وتقتصر على تقديم المساعدات الانسانية او الطبية، ولا تدخل في مواضيع الحروب وغيرها.

سويسرا من اكثر الدول التي تنتهج مبدأ الاستفتاءات لتمنح شعبها الذي يزيد على 7 ملايين نسمة فرصة ابداء رأيه والاخذ به، حيث يصوت السويسريون 4 مرات في السنة على مسائل مختلفة تتعلق بالمصلحة الوطنية.. وهذا مؤشر واضح لرقي هذا البلد.

ولأن الشعب السويسري من اكثر الشعوب وعيا وثقافة، حيث غالبا ما يحكم العقل والمنطق.. فموضوع استفتائه امر ايجابي بالطبع، مما يعطي نتائج منطقية ولها ما يبررها.. فليست الشعوب كلها مؤهلة للاستفتاءات..

قبل فترة تسبب الناخبون السويسريون فى ذعر جزء كبير من القارة الاوروبية عندما صوتوا لمصلحة كبح جماح الهجرة.. اي بمعنى تقليص نسبة المهاجرين لها سنويا، للحفاظ على النسبة المفروضة لهم مقارنة باجمالي عدد سكان سويسرا.. بعد ان وصل عدد المهاجرين الى 80 الف مهاجر في السنوات الاخيرة.

الاهم من ذلك، ان القرى والبلدات التي شاركت في الاستفتاء مختارة بعناية وجاءت النتيجة الموافقة على ضرورة الحد من الهجرة.. مما قد يخلق توترا بين سويسرا ودول الاتحاد الاوروبي، التي ليست عضوة فيه، بل ترتبط باتفاقيات مع بعضها.

الجميل بالموضوع، ان الحزب الذي دفع بهذا الاستفتاء طرح حلولا تعالج النتيجة المطلوبة، فهو لم يعرض المشكلة ويسكت بل طرح الحلول لها، والمتمثلة باتخاذ اجراءات صارمة للحد من الهجرة المكثفة، والتي تقوم على مبدأ انتقائية المهاجرين حسب معطيات تتلاءم مع اقتصاد البلاد وحاجاتها وخصوصيتها الثقافية.

كما ان الحكومة السويسرية اعلنت بعد نتيجة هذا الاستفتاء انها ستعمل على تقديم مشروع قانون في الخريف المقبل يأخذ بالحسبان هذه النتيجة من جهة، والا يكون ذلك على حساب علاقات سويسرا الاقتصادية مع دول الاتحاد الاوروبي.

هذا النوع من الشعوب يعرف قيمة الرأي الذي يدلي به، وهذا النوع من الحكومات، واقصد السويسرية، تعرف كيف تتخذ قراراتها التي تبنيها على دراسات وخطوات استباقية مدروسة. لا ان ننام بمشكلة ونصبح بحلول جذرية مفاجئة يكتب لها الفشل فورا.

ما احوجنا نحن في الكويت الى هذا الاسلوب في اتخاذ القرارات، لحكومة تعرف من تلجأ اليه لتستعين برأيه وكيف، وكيف تعالج اي نتيجة لا تصب في مصلحة الدولة العامة وعلاقاتها الخارجية.

اقبال الأحمد

Iqbalalahmed0@yahoo.com

Iqbalalahmed0@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.