مقالات

الله خير حافظ

بالنسبة لخادمتنا الشابة لم ينته عام 2014 نهاية جيدة بالنسبة لها، فقد توفي والدها قبل ان تلملم السنة أوراقها، وتجمع ملابسها، وتزفر زفرتها الأخيرة، لتغادرنا بدون رجعة، ونبأ الوفاة جعل يومنا ذاك من تلك الأيام المفعمة بمشاعر الحزن والكآبة والاضطراب، مع محاولات صعبة للحصول على تذكرتي سفر لها ولأختها الموجودة في بيت آخر، في عز زحمة احتفالات الكريسماس ورأس السنة الميلادية، كي تعود الاثنتان الى بلدهما فتشاهدان فقيدهما العزيز، وتواريانه الثرى، فيهدأ قلبهما الملتاع، وتطمئنان نفسيّا وروحيا بعد ان قامتا بالقاء النظرة الأخيرة على والدهما، وأديتا واجبهما تجاهه. هذا الذي حدث لخادمتنا وأختها، وحدث لآخرين كثر على امتداد عالمنا فقدوا أحبابا وأعزة عليهم، يجعلني أكثر تمسكا برأيي في ما يفعله العالم احتفالا بقدوم عام ميلادي جديد، فأن تأتي سنة جديدة أو تذهب سنة قديمة بالنسبة لي سواء، ولا أرى في الاحتفال بقدوم عام جديد أمراً يتطلب اقامة الأفراح العارمة، وتعليق واشعال الزينات، وتشغيل الأغاني الراقصة، وتبادل الأحضان والقبلات، الى غير ذلك من أفعال بعضها يخرج كثيرا عن مبادئ الأخلاق والقيم والتقاليد.

احتفل العالم بعام 2014 من أستراليا الى أمريكا، واحتفلوا بعام 2013، واحتفلوا بالعام 2012، فهل كانت تلك السنوات تستحق تلك الاحتفالات العرمرمية الطاغية، بالنسبة لنا على الأقل في ذلك الجزء من العالم. كيف يمكن ان نفرح، ونحتفل بسنة قادمة، وهناك أطفال أبرياء حولنا لا يجدون لقمة هانئة يسدّون بها جوع بطونهم الصغيرة. كيف نحتفل بسنة جديدة وبقربنا أسر تسكن العراء في عز برد الشتاء تحلم بدفء لأطرافها المتجمدة.

كيف نحتفل بسنة جديدة وغير بعيد عنا شيوخ وعجائز مرضى ضعاف يتمنون الطب والدواء، وأنفس ضائعة تحلم بالهدوء والاستقرار والطمأنينة. كيف يمكن ان نحتفل ونفرح بسنة جديدة واخوة لنا في الدين والعروبة والانسانية على امتداد وطننا العربي يتربص بهم تكفيريون متوحشون مهووسون، يمارسون معهم الذبح، والتفجير، والتهجير، والتشتيت، ويجعلونهم يعيشون الرعب، والخوف، والتوجّس كل يوم، وكل ساعة، وكل دقيقة. بعضنا يذهب في احتفاله بسنة جديدة قد تكون من أسوأ السنين عليه، الى مدى بعيد جدا، فيندم تاليا على احتفاله بها، واستقباله لها بذلك الترحاب، ويتمنى لو يعود الى الوراء، فلا يحتفل بها بقدر ما يدعو الله ان يقيه ما خفي فيها من شرور، ويحفظه وأحبته من المجهول الكامن فيها. سنة جديدة جاءت نسال الله خيرها، ونعوذ به من كل شر فيها، ونطلب منه ان يرفع عن اخوتنا العرب والمسلمين البلاء، وأن يحفظ بلدنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وان تظل سخاء رخاء وأن يطيل بعمر قائدنا، ويحفظكم أجمعين، وكل عام وأنتم بخير.

عزيزة المفرج
almufarej@alwatan.com.kw

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.