مقالات

يأجوج ومأجوج هذا الزمان(الجزء الرابع)شخصية ذي القرنين

عدنان بحروه

شخصيّة ذو القرنين:
ذو القرنين عليه السلام شخصية قرآنية تاريخية، ولأنه ذكر في القرآن الكريم فأصبح شخصية قرآنية ولأنه ذكر فيه على أساس أنه كان في زمن الماضي فأخذ بعدا تاريخيا قديما،وإذا أردنا أن نحلل تلك الشخصية لا بد لنا أن نبحث عن عدة أمور :-
الأمر الأول: أين ذكر؟؟
لقد ذكر عليه السلام في القرآن الكريم وفي الكتب القديمة، مثل:-
الأول: القرآن الكريم بقوله تعالى (( وَيَسأَلونَكَ عَن ذِي القَرنَي)) الكهف ٨٣
الثاني: التوراة في كتاب دانيال (الفصل الثامن الجمل١-٤
حينما ملك [بل شصّر] عرضت لي وأنا دانيال بعد الرؤيا الأولى التي شاهدتها، وذلك حينما كنت أسكن قصر (شوشان) في بلاد [عيلام] فقد رأيت وأنا في المنام بأني على مقربة من نهر(أولاي) وأن كبشا يقف قرب النهر وكان لها قرنان طويلان، ووجدته يضرب بقرنيه غربا وشمالا وجنوبا، ولم يتقدم أحد أمامه، ولأنه لم يكن يوجد أحد أمامه لذا فإنه كان يتصرف وفقا لما يريد، وكان يكبّر.

وفي نفس الكتاب: وقد تجلّى له جبرائيل(أي لدانيال) وفسر منامه هكذا: إن الكبش ذا القرنين الذي رأيته فإنه من ملوك المدائن وفارس (أو ملوك ماد وفارس….[الأمثل، مجلد٩، ص٣٢٧ ]
الأمر الثاني: إن القرآن الكريم لم يذكر شيئا عن شخصية ذي القرنين عليه السلام من حيث الوصف أو الإسم أو حتى زمانه ومكانه،، قال في الميزان في تفسير القرآن: لم يتعرض لإسمه ولا لتاريخ زمان ولادته وحياته ولا لنسبه وسائر مشخصاته على ما هو دأبه في ذكر قصص الماضينن.[تفسير الميزان].
وقال سيد قطب[ج١٧،ص٢٢٨٩] في ظلال القرآن: إن النص لا يذكر شيئا عن شخصية ذي القرنين ولا عن زمانه أو مكانه، وهذه هي السمة المطردة في قصص القرآن، فالتسجيل التاريخي ليس هو المقصود، وأنما المقصود هو العبرة المستفادة من قصته.
الأمر الثالث: قصة ذي القرنين في القرآن:
وهذا ما ذكرناه سابقا في تفسير الايات الكريمة ونزيدها بأن صاحب القصة كان يسمى أيضا سابقا وعرف بإسم ذو القرنين.
راجع ميزان الحكمة،ج٦،ص٤٢١-٤٢٢
الأمر الرابع: ما هو الإسم الحقيقي لذي القرنين عليه السلام؟؟
الروايات الواردة في تسميته عليه السلام بإسمه الحقيقي ،روايات ليست على سبيل اليقين، إنما تقريبا جميعها أتت على نحو الإحتمال والترجيح ومنها :-
أ-اسمه (عياش) فعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى لم يبعث أنبياءً ملوكا في الزرض إلا أربعة بعد نوح عليه السلام، ذو القرنين واسمه عياش وداود وسليمان ويوسف، وأمّا عياش فملك ما بين المشرق والمغرب…[ الخصال،ج١، ص٢٤٨] وقال الجزائري قدس سره في الباب الثامن من كتابه قصص الأنبياء ص١٧٣: وكان إسمه عياشا… وعن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: سئل عن ذي القرنين؟ قال: كان عبدا واسمه عياش…[مجمع البيان،ص١٨٥].
ب- إسمه عبدالله بن ضحاك بن معبد، فعن زبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: ملك الأرض كلها أربعة: مؤمنان وكافران، فأما المؤمنان سليمان بن داود وذو القرنين عليهما السلام، والكافران نمرود وبخت نصر، وإسم ذي القرنين عبدالله بن مضحك بن معبد[الخصال،ج١،ص٢٥٥].
ج- الإسكندر او (اسكندروس) ففي إكمال الدين بإسناده إلى عبدالله بن سليمان وكان قارئا للكتب قال: قرأت في بعض كتب الله عزّ وجل أن ذا القرنين كان رجلا من الإسكندرية وأمه عجوز من عجائزهم ليس لها ولد غيره يقال له اسكندروس[قصص الأنبياء،ص١٧٩]، وقال الثعلبي في وجه تسميته بذلك أن أمها-ام الاسكندر- هلالة بنت ملك الروم كانت لها نتن ورائحة كريهة

فاجتمع رأي أهل المعرفة في مداواتها على شجرة يقال لها اسكندروس فلما ولدت لها غلاما فسمته باسم الشجرة التي غسلت بها، ثم خفف وقيل اسكندر[ مجمع البيان].
وذكر أنه أيضا أنه الإسكندر بن فليقوس اليوناني[ مجمع البيان،ص١٨٩]
د- إسمه أبو كرب شمر بن عمير بن افريقش الحميري[مجمع البيان،ص١٨٩]، فقال الأصمعى في تاريخ العرب قبل الأسلام،وابن هشام في سيرته، وأبو الريحان البيروني في الآثار الباقية[الأمثل،مجلد٩،ص٣٢٣] ، وهذه التسمية بعيدة جدا لان ملوك اليمن جميعا لم تتوافق مواصفاتهم مع الصفات العظيمة لذي القرنين عليه السلام.
ه- اسمه: الصعب بن قرين بن الهمال [المحبر للبغدادي، ص٣٦٥،نقلا عن قصص الأنبياء]
ق- اسمه: هرمس بن حيطون بن رومي بن لنطي بن كسلومين بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام[م.ن،ص٣٩٣] وهذا الرأي راجح الى كونه الإسكندر.
والخلاصة في إسم هذه الشخصية العظيمة أنه يدور حول نقطتين:
النقطة الأولى: أن اسمه عياش تبعا للأخبار والروايات.
النقطة الثانية: أننا نجاري القرآن الكريم حول عدم الوقوف على تسميته.
أما الأقوال الأخرى فهي مجرد تشخيصات وتطبيقات لا تخرج عن الزحتمالات ولا تصل نوبتها إلى اليقينيات، وإن كنت أرجح أنه هو الكورش العظيم لعدة اعتبارات:
قورش الكبير أو كورش ( القرن 6 ق . م . )
أول ملوك فارس ( ٥٦٠ – ٥٢٩ ق . م . ). نلاحظ هنا ان تاريخ وجوده وسلطانه في نفس زمن ظهور يأجوج ومأجوج.
كورش بن كمبوجية بن كورش بن جيشبيش بن هخامنش ويلقب به كورش الكبير أو قوروش الكبير(باللغة الفارسية: كوروش بزرگ)، أحد أعظم ملوك الفرس الأخمينية، استولى على آسيا الصغرى وبابل وميديا، قضى على الكلدان، حكم من (550-529) ق.م. وقتل في ماساجت ودفن في باساركاد.
ونلاحظ هنا أنه ملك العالم من مشرقها ومغربها

وفي السنة 530 ق . م . باتت فارس أكبر أمبراطورية في العالم . فعمد قورش إلى اعتماد طريقة تسمح بأن يكون للمناطق المحتلة أقصى درجة من الحكم الذاتي . فتميزت السياسة الأمبراطورية الفارسية طوال أجيال عدة بهذه السياسة التي تُعتبر أفضل السبل لشد الأواصر والوحدة بين شعوب وعادات مختلفة جداً في أمبراطورية مترامية الأطراف .
وقد قضى قورش السنة 529 ق . م . في حادث مأساوي أثناء مناوشة مع شعب همجي يعيش شرقي بحر قزوين ويُعرف باسم ماساغيتي .
يرى البعض ان “قورش الأكبر” هو “ذو القرنين” الذي ورد ذكره في القرآن في سورة الكهف، ويذكر البعض بانه كان مؤمناً بالله وباليوم الآخر، يدل على ذلك ما في كتب العهد العتيق ككتاب عزرا، الإصحاح 1 وكتاب دانيال، (الإصحاح 6) وكتاب أشعياء، (الإصحاح 44 و 45) من تجليله وتقديسه حتى سماه في كتاب أشعياء «راعي الرب» وقال في الإصحاح الخامس والأربعين: «هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه لأدوس أمامه أمما وأحقاء ملوك أحل لأفتح أمامه المصراعين والأبواب لا تغلق. أنا أسير قدامك والهضاب أمهد أكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد أقصف. وأعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابي. لكي تعرف أني أنا الرب الذي يدعوك باسمك. لقبتك وأنت لست تعرفني».
ويرى البعض بان قطع النظر عن كونه وحيا فاليهود على ما بهم من العصبية المذهبية لا يعدون رجلا مشركا أووثنياً[من؟] فلو كان كورش كذلك مسيحا إلهيا مهديا مؤيدا وراعيا للربعلى أن النقوش والكتابات المخطوطة بالخط المسماري المأثور عن داريوش الكبير وبينهما من الفصل الزماني ثماني سنين ناطقة بكونه موحدا غير مشرك، فمن الصعب أن يتغير ما كان عليه كورش في هذا الزمن القصير.
وبخصوص شمائله فقد ورد من أخباره وسيرته وما قابل به الطغاة والجبابرة الذين خرجوا عليه أو حاربهم كملوك «ماد» و«ليديا» و«بابل» و«مصر» وطغاة البدو وهو البلخ وغيرهم، وكان كلما ظهر على قوم عفا عن مجرميهم، وأكرم كريمهم ورحم ضعيفهم وساس مفسدهم وخائنهم.[ وهذا ما أثبتناه سابقا في تفسير الآية ٨٦و٨٧]
وقد أثنى عليه كتب العهد القديم، فاليهود يثنون عليه لأنه أرجعهم إلى بلادهم وبذل لهم الأموال لتجديد بناء الهيكل ورد إليهم نفائس الهيكل المنهوبة المخزونة في خزائن ملوك بابل، وقد يكون هذا من اسباب ترجيح كونه “ذي القرنين” فالسؤال عن ذي القرنين إنما كان بتلقين من اليهود على ما في الروايات. ذكره مؤرخو اليونان القدماء كهرودت وغيره فوصفوه بعدة صفات كالمروءة والفتوة والسماحة والكرم والصفح وقلة الحرص والرحمة والرأفة وقد ورد في القرآن ان ذو القرنين كان ملكاً صالحاً، آمن بالله، فمكّن الله له في الأرض، وقوّى ملكه.

راجع المصادر :أبو الكلام أزاد دكتور عبد المنعم النمر، [لطبری، أبی جعفر، بن جریر، محمد (تاریخ الأمم والملوک) ، مؤسسة عزالدین، طبع عام 1985 للميلاد]. [الحموی، یاقوت، أبوعبدالله، (مُعجَم اَلبُلدان) ، دار الکتب العلمیة، بیروت، لبنان، عام ۱۹۹۰ للميلاد]. [المسعودي، علی بن حسین، الشافعی،. (مروج الذهب ومعادن الجوهر) دار الأندلس للطباعة والنشر: بیروت، طبعة السادسة والعشرون 1985 للميلاد]. [صانعو التاريخ – سمير شيخاني] .[ ١٠٠٠ شخصية عظيمة – ترجمة د.مازن طليمات] .
مما سبق نستنتج ان العلماء والمؤرخين قد اختلفوا في شخصية ذي القرنين واتفقوا أن أصل البحث وجب أن نعرف ظاهرة يأجوج ومأجوج وكيفية دراستها من عدة نظريات وهذا ما سنتكلم عنه لاحقا.
لماذا سمّي بذي القرنين:-
اختلف كتّاب التاريخ والعلماء والباحثين عن سبب تسميته ذي القرنين وسنضع بين أيديكم هذه الإحتمالات:
أ-على رأسه ما يشبه القرنان.
ب- يحمل تاجا فيه قرنان.
ج- لأن الله تعالى سخر له النور والظلمة، النور من أمامه والظلمة ورائه.
د- لشجاعته لأن الشجاع يلقب بالكبش الذي ينطح اقرانه.
ه- لأنه دخل النور والظلمة.
و- سأل الإمام علي عليه السلام عن ذي القرنين وسبب تسميته بهذا الإسم فقال: كان عبدا صالحا ضُرِب على قرنه الأيمن فمات،ثم بعثه الله تعالى فضرب على قرنه الأيسر فمات، فبعثه الله تعالى فسمي بذا القرنين وفيكم مثله[ تفسير القمي،ج٢،ص٤١].

هل كان ذا القرنين عليه السلام نبيا أم ملكا أم ماذا؟؟
الأقوال في ذلك أربعة:
القول الأول: أنه عليه السلام من الملائكة وهذا قول ضعيف ويتبناه تفسير الرازي.م،س
القول الثاني: أنه عليه السلام كان نبيّا من الأنبياء، واستدل هذا القول بدليلين:
الدليل الأول: قال تعالى: ((إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الأَرضِ )) وهو التمكين الدنيوي[بجعل شتّى الطاقات والقدرات الداخلية في يمكّنه من تحقيق أغراضه الإلهية]والتمكين الديني فيكون تكوينا في النبوّة.

والرد عليه بأنه لا ملازمة بين تمكينه عليه السلام وبين كونه نبيا، فهذا طالوت عليه السلام كان ملكا وقد مكّنه الله تعالى وزاد بسطة في العلم والجسم مع أنه لم يكن نبيا، كما أن الآية الكريمة تدل على التمكين الإعتيادي المفضي إلى قدرته على تنفيذ أغراضه الإلهية.
الفقرة الثانية: قال تعالى ((وَآتَيناهُ مِن كُلِّ شَيءٍ سَبَبًا ﴿ نستفيد هنا بشمول النبوة كسبب من جملة الأسباب المأتية له عليه السلام.
ولكن ليس سببا كافيها او لا نستطيع ان تكون ملزمة بين إتيانه عليه السلام من كل شيء سببا وبين النبوة من جهة.
الفقرة الثالثة: قال تعالى((قُلنا يا ذَا القَرنَينِ إِمّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمّا أَن تَتَّخِذَ فيهِم حُسنًا ﴿ الفقرة دلت على أن الله عزّ وجل تكلم مع ذي القرنين عليه السلام بواسطة الوحي ومن يوحى إليه فهو نبي.
الرد عليه هنا بأن التكلم هنا مع ذي القرنين عليه السلام هو إلهام من الله عزّ وجل وليس وحيا وهذا حاصل كما في قصة أم موسى عليهما السلام عندما قال تعالى((وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ))سورة القصص٧،، وسنتكلم لاحقا عن من هو النبي الذي كان موجودا في عصره…
الدليل الثاني : على نبوته عليه السلام في الروايات والأخبار الواردة:
فعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: الله تبارك وتعالى لم يبعث أنبياء ملوكا في الأرض إلاّ زربعة بعد نوح عليه السلام: ذو القرنين واسمه عياش وسليمان ويوسف…..[علل الشرائع،ص٤٤٥]
قال الصدوق رحمه الله: جاء في الخبر هكذا ، والصحيح أن ذا القرنين ليس نبيا…وذو القرنين ملك مبعوث وليس برسول ولا نبي، كما أن طالوت كان ملكا. قال تعالى((وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً))البقرة ٢٤٧، وقد يجوز أن يذكر في جملة الأنبياء من ليس بنبي، كما يجوز أن يذكر من الملائكة من ليس بملك….[الخصال،ج١،ص٢٤٨]وقال أحد الأعلام: ((والظاهر من الأخبار أيضا أنه لم يكن نبيا))قصص الأنبياء،ص١٩٢.
القول الثالث: أنه عليه السلام كان ملكا من الملوك،ومن المؤيدين هذا القول الأخبار الواردة في المقام، فف الحديث عن الباقر عليه السلام: الله تبارك وتعالى لم يبعث أنبياء ملوكا في الأرض إلاّ زربعة بعد نوح عليه السلام: ذو القرنين واسمه عياش وسليمان ويوسف،وأما عياش فملك ما بين ما بين المشرق والمغرب،،،[الخصال،ج١،
وعن الصادق عليه السلام قال: ملك الأرض كلها أربعة: مؤمنان وكافران، فأما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين عليه السلام..[الخصال،ج١،ص٢٥٥].

القول الرابع: أنه عليه السلام كان عبدا صالحا،ولم يكن نبيا أو ملكا،فقد سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا؟فقال: لا ملكا ولا نبيا بل عبدا صالحا أحب الله فأحبه الله، ونصح الله فنصح له، فبعثه إلى قومه فضربوه على قرنه الأيمن فغاب عنهم، ثم بعثه ثانيا فضربوه على قرنه الأيسر فغاب عنهم، ثم بعثه الثالثة، فمكن له في الأرض[تفسير القمي،ج٢،ص٤١]ومن هنا استظهر بعض الاعلام كونه كان عبدا صالحا لا ملكا ولا نبيا[قصص الأنبياء،ص١٩٢].
الأمر السابع: النظرية الصحيحة في شخصية ذي القرنين:
النظرية الأولى: أنه الاسكندر بن فيلقوس اليوناني
تبنى هذه النظرية على أنه وحد ملك الروم بعد أن كانت طوائف،ثم حصد ملوك المغرب المغرب وقهرهم وامعن حتى انتهى إلى البحر الأخضر، ثم عاد إلى مصر وبنى الإسكندرية، ثم دخل الشام وقهر بني إسرائيل،ثم انعطف إلى العراق ودان له أهلها، ثم توجه إلى دارا وهزمه مرات إلى أن قتله واستولى الإسكندر على ملوك فارس وقصد الهند والصين وغزا الأمم البعيدة ورجع إلى خراسان وبنى المدن الكثيرة ورجع إلى العراق ومرض بسهرورد ومات بها.(قصص الأنبياء،ص١٨٩]على حسب كتب التاريخ الإسكندر لم يعمر أكثر من ٣٦ سنة.[الأمثل،ص٣٢٣]
وهذا القول لايمكن أن يكون مقبولا لعدة إعتبارات أهمها أن الإسكندر المقدوني ليس بعيدا من حيث الزمان عنا بخلاف البعد الزمني الذي يفصلنا عن ذي القرنين عليه السلام،حيث أنه جاء بعد نبي الله نوح عليه السلام، كما أن المواصفات القرآنية لذي القرنين عليه السلام لا تنطبق على الإسكندر. قال أحد الأعلام:المستفاد من الأخبار كما قال شيخنا المحدث: أنه غير الإسكندر وأنه(أي ذي القرنين) كان في زمن إبراهيم عليه السلام وأنه أول الملوك بعد نوح عليه السلام[قصص الأنبياء،ص١٩٢]، مع الأخذ بالإعتبار أن الإسكندر هو تلميذ ارسطوطاليس وعلى هذا فمدح الله عزّ وجل لذي القرنين في حال أنه الإسكندر يستلزم مدحا لأرسطوطاليس ولمذهبه وهذا مما لا سبيل له.
النظرية الثانية: أنه كان أحد ملوك وقد دافع عن هذه النظرية الأصمعي في تاريخ العرب قبل الإسلام،وابن هشام في تاريخه المعروف بسيرة ابن هشام،وأبو الريحان البيروني في الآثار الباقية.
قال أبو الريحان البيروني: ويشبه أن يكون هذا القول أقرب، لأن الأذواء-أي الملوك الذين كان في صدر ألقابهم ذو-كانوا من اليمن وهم الذين لا تخلوا أساميهم من ذي، ك ذي المنار وذي نواس وذي النون.[قصص الأنبياء،ص١٩] ووفقها لهذا القول فإن السد هو سد مأرب.
وعلى هذا فيكون ذي القرنين هو :أبو كرب شمو بن عمير بن افريقش الحميري[م.ن]
ولكنن لا نستطيع القبول بهذا القول فإن مواصفات ذي القرنين لا تنطبق على ملوك حمير المعروفين بمواصفاتهم التي لا ترقى لتلك التي كان يتحلى بها ذو القرنين عليه السلام،كما أن سد يأجوج ومأجوج معمول من الحديد والنحاس وسد مأرب معمول بالحجارة والباطون، والغاية في عمل سد مأرب هي لإحتجاز الماء ومنعها من الغور تحت الأرض.

النظرية الثالثة:
هو ما ذهب إليه المفكر الإسلامي( أبو الكلام زاد ) والذي كان يشغل منصب وزارة الثقافة في الهند، ومحصل كلامه: أن ذا القرنين هو كورش الكبير الملك الأخميني.[الأمثل] ومما يؤيد هذه النظرية التي شرحتها سابقا كون اليهود الذين حرضّو قريش للسؤال عن قصة ذي القرنين،،،ولذلك وجب علينا أن نبحث في كتبهم عن شخصية ذي القرنين.
في كتاب دانيال الفصل الثامن : حينما ملك (بل شصر) عرضت لي وأنا دانيال بعد الرؤيا الأولى التي شاهدتها، وذلك حينما كنت أسكن قصر (شوسان) في بلاد(عيلام) فقد رأيت وأنا في المنام بأني على مقربة من نهر(أولاي) وأن كبشا يقف قرب النهر وكان له قرنان طويلان، ووجدته يضرب بقرنيه غربا وشمالا وجنوبا، ولم يتقدم أحد أمامه، ولأنه لم يكن يوجد أحد أمامه لذا فإنه كان يتصرف وفقا لما يريد، وكان يكبر.[كتاب دانيال،الفصل الثامن،الحمل١-٤].
وبعد ذلك نقل عن دانيال: وقد تجلى له جبرائيل(أي لدانيال) وفسر منامه هكذا: إن الكبش ذا القرنين الذي رأيته فإنه من ملوك المدائن وفارس(أو ملوك ماد وفارس) …. ولم تمضي مدة طويلة حتى ظهر كورش على مسرح الحكم في إيران ووحّد بلاد ماد وفارس وشكّل منهما مملكة كبيرة،وكما قال دانيال،فإن الكبش كان يضرب بقرنه الغرب والشرق،فإن كورش قد قام بالفتوحات الكبيرة في الجهات الثلاث وحرّر اليهود وسمح لهم بالعودة إلى فلسطين.
التوراة في كتاب (أشعيا) فصل ٤٤ رقم ٢٨ ((ثم يقول بخصوص كورش:إنه كان راعيا عندي(أي عند الرب) وسيقوم بتنفيذ مشيئتي))
في التوراة وصف كورش أنه((عقاب المشرق)) والرجل المدبر الذي يأتي من مكان بعيد[الأمثل،مجلد٩،ص٣٢٦]
وقد وردت هذه التعبيرات في(أشعيا فصل٤٦،رقم١١] وقد تبنى هذه النظرية صاحب تفسير ((الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل)) حيث استند إلى كلام [أبو الكلام زاد]، وإلى وقائع حسّية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.