العلاقات الكويتية – المصرية نموذج متميز للعلاقات بين الدول العربية
شكلت العلاقات الكويتية – المصرية طوال العقود العشرة الماضية نموذجا متميزا ورائدا للعلاقات التي يجب ان تجمع بين الدول العربية في جميع الظروف باعتبارها ضمانة الأمن والاستقرار في تلك الدول وصمام الامان لشعوبها.
وتأتي زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للكويت المقررة بعد غد الاثنين وهي الأولى له منذ توليه الرئاسة في يونيو الماضي في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين تناميا ملحوظا في مختلف المجالات وهو ما أكده سمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح اخيرا عندما قال “أن مصر عزيزة على الكويت ولن تتأخر عنها أبدا”.
وطوال تلك العقود شهدت العلاقات الكويتية – المصرية محطات مهمة ستبقى محفورة في سجل التاريخ وذاكرة الشعبين لعل اسماها مكانة واغلاها ذكرى اختلاط دماء الشهداء من الشعبين الشقيقين في عدد من الحروب التي شهدها البلدان وبصورة خاصة حرب عامي 1967 و 1973 وحرب تحرير الكويت عام 1991 .
والمستطلع لتلك المحطات التاريخية سيجد ان دولة الكويت قيادة وحكومة وشعبا لطالما أعلنت حرصها على تعزيز علاقاتها مع مصر وتدعيم تلك العلاقات حفاظا على الأخوة التي تربط البلدين الشقيقين والمصالح المشتركة التي تجمعهما. كما تأتي زيارة الرئيس المصري الكويت ولقائه حضرة صاحب السمو الامير تأكيدا لهذه الحقيقة وتقديرا من مصر للمواقف المشرفة والمساندة من دولة الكويت مع ثورة الشعب المصري في 30 يونيو وتأييدها تطلعاته نحو الاستقرار والتنمية ونبذ من حاولوا تغيير هويته الثقافية والاجتماعية.
وشدد الرئيس السيسي في لقاء خاص سابق له مع وكالة الانباء الكويتية (كونا) على ان ارتباط مصر بمحيطها الخليجي ارتباط قوي ووثيق وان بلاده تعمل على دعم التواصل مع الاشقاء في الخليج عبر التشاور والتنسيق مبينا ان هذا التعاون المصري – الخليجي يمثل الارضية المناسبة التي يمكن البناء عليها من أجل دعم العمل العربي المشترك.
واكد الرئيس المصري في الوقت ذاته ان مصر لن تتردد بل ستكون من اوائل المبادرين لطرح رؤى تزيد من أواصر التعاون البناء الذي يجمع مختلف الشعوب العربية في البناء والتنمية.
ويذكر التاريخ ان العلاقات بين مصر والكويت بدأت مع منتصف القرن التاسع عشر على المستوى الشعبي قبل أن تبدأ على المستوى الرسمي حينما سافر طلاب العلم الكويتيون للدراسة في الازهر الشريف والجامعات الأخرى وانخرطوا في الحياة المصرية ثم عادوا لنشر العلم في الكويت ومنهم الشيخ محمد الفارسي والشيخ مساعد العازمي.
وفي المقابل زار المفكر التنويري الشيخ محمد رشيد رضا دولة الكويت في عام 1913 حيث استقبل بحفاوة بالغة وعاد الى مصر لكي ينشر سلسلة مقالات في مجلته المنار عبر فيها عن انطباعاته الايجابية عما شاهده في الكويت وكيف تفاعل مع شعبها آنذاك.
وفي عام 1924 كان نادي الأدب الكويتي يطالع الصحف المصرية ويستضيف كتابها ويناقش الحياة السياسية في مصر ويتفاعل بشكل كبير مع المشهد السياسي المصري.
وبدأت العلاقات السياسية الأولية بين الدولتين بالتواكب مع الحراك السياسي والشعبي في مصر بعد الحرب العالمية الاولى حين زار القاهرة الشيخ الراحل احمد الجابر الصباح كما زار الشيخ الراحل عبدالله الجابر الصباح القاهرة في عام 1953 واستقبله في المطار كل من اللواء محمد نجيب والبكباشي جمال عبدالناصر.
وفي عام 1942 بدأت العلاقات الثقافية بين البلدين بشكل رسمي متمثلة بالبعثة التعليمية الكويتية لمصر بالاتفاق بين وزير المعارف المصري حينذاك الدكتور طه حسين ورئيس مجلس المعارف الكويتي الشيخ عبدالله الجابر الصباح وكانت أول بعثة للطالبات الكويتيات عام 1956 فيما شهد عام 1959 افتتاح بيت الكويت بالقاهرة بحضور الرئيس جمال عبدالناصر.
وعلى الصعيد العسكري عارضت دولة الكويت العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 واهتمت القيادة الكويتية بدفع تبرعات الى القيادة المصرية.
وحين استقلت الكويت في عام 1961 أرسل الرئيس المصري جمال عبدالناصر برقية الى أمير دولة الكويت الشيخ عبدالله السالم الصباح قال فيها “في هذا اليوم الأغر الذي انبثق فيه فجر جديد فى تاريخ الوطن العربي باستقلال الكويت وسيادتها ليسرني أن أبادر بالاعلان عن ابتهاج شعب الجمهورية العربية المتحدة وعظيم اغتباطهم بهذا الحدث التاريخي المجيد الذي اعتزت به نفوس العرب جميعا”.
وأضاف عبدالناصر “وليس أحب لقلوبنا من أن ننتهز هذه المناسبة السعيدة لنبعث الى سموكم والى شعب الكويت الشقيق بأجمل تهانينا القلبية وأمانينا الصادقة داعين الله تعالى أن يكتب لكم التوفيق والسداد وأن يمدكم بعونه حتى تصل الكويت في عهدها الجديد بفضل قيادتكم الى تحقيق ما تصبو اليه من عزة ومجد ورفاهية”.
ويرى خبراء مصريون في العلوم السياسية ان هذه البرقية حددت مسار العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين طوال الحقبة التي تلتها وبناء عليه عارضت مصر حينها تهديدات الرئيس العراقى عبدالكريم قاسم لضم الكويت وأصدر الرئيس جمال عبدالناصر بيانا قال فيه “ان الوحدة لا تتم الا بالارادة الشعبية في كل من البلدين وبناء على طلبهما معا” وقال كلمته الشهيرة “مصر ترفض منطق الضم”.
وأيدت مصر استدعاء الكويت حينها لقوات بريطانية في جامعة الدول العربية بل وشاركت في القوات العربية التي تجمعت وقتها للدفاع عن الكويت وهو الموقف الذي قدرته دولة الكويت وجاء عرفانها وتقديرها لمصر سريعا بمشاركتها في حربي 67 و 73.
ويشير التاريخ وفق مصادر مصرية الى لقاء جمع الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح حين كان وزيرا للخارجية مع الرئيس جمال عبدالناصر خلال العدوان الاسرائيلي على مصر عام 67 وأكد له أن الكويت تدعم مصر بالكامل في هذه الأزمة وكان أن قامت الكويت بارسال لواء اليرموك للمحاربة مع القوات المصرية.
ويذكر التاريخ كذلك ان لواء اليرموك توجه الى مصر للتمركز في منطقة رفح والعريش وحين وصل الى منطقة رفح صباح يوم الخامس من يونيو كانت المعركة قد بدأت واضطر وقتها الى العودة الى منطقة دهشور واستمر في مصر لدعم القوات المصرية حتى حرب اكتوبر 1973 حين أعلنت الكويت وقتها وقف تصدير النفط الى الدول المؤيدة لاسرائيل.
وفي عام 1990 كانت العلاقات الكويتية المصرية على موعد جديد حين أعلنت مصر رفضها غزو صدام حسين للكويت ووقوفها الى جانب الحق الكويتي بل ودفاعها كشريك في حرب تحرير الكويت.
وعلى الصعيد السياسي كانت الكويت في مقدمة الدول العربية التي سارعت الى تأييد التطورات السياسية في مصر في اعقاب ثورة 30 يونيو ودعمت الخطوات الايجابية لارادة الشعب المصري حين اصدرت الحكومة الكويتية بيانا اكدت فيه ذلك فضلا عن دعمها الحكومة المصرية من اجل ترسيخ دعائم الديمقراطية والاستمرار في خارطة الطريق التي رسمتها وفقا لبرنامج زمني يكفل الاستقرار ويحفظ لمصر أمنها.
وجاء تأسيس اللجنة العليا المشتركة المصرية الكويتية عام 1998 لتحقيق أكبر قدر من التنسيق والتعاون المشترك في مجالات التعاون المختلفة اضافة الى ارتباط البلدين بالعديد من بروتوكولات التعاون القديمة والجديدة بين مؤسسات كلا البلدين منها على سبيل المثال العسكرية والاعلامية.
وعلى الصعيد الاقتصادي شهد عام 1964 توقيع اول اتفاقية تجارية بين مصر والكويت تلاه عدة اتفاقات أخرى منها الاتفاق الموقع بين غرفتي التجارة في يونيو 1977 واتفاق النقل البري للركاب عام 1998 والبروتوكول التنفيذي للاتفاقية عام 2000.
وشهد عام 1998 اتفاق التعاون العلمي والفني في مجالات المواصفات والمقاييس ومراقبة الجودة ومنح شهادات المطابقة كما تم توقيع اتفاق للتعاون الزراعي عام 2000 واتفاق تشجيع وحماية الاستثمارات في أبريل 2001 واتفاق التعاون بين الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية وغرفة تجارة وصناعة الكويت في 2001 واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي في عام 2004.
كما شهد البلدان زيارات متبادلة لعدد كبير من المسؤولين لدعم القضايا العربية وتوطيد اواصر العلاقات الثنائية بين البلدين ولعل أهمها تلك الزيارة التي قام بها الرئيس المصري السابق المستشار عدلي منصور الى الكويت في شهر مارس 2014 للمشاركة في اجتماعات القمة العربية ال25 التي استضافتها دولة الكويت والتقى على هامشها بأمير البلاد الشيخ صباح الاحمد حيث استعرضا مجمل القضايا العربية واتفقا على أهمية توحيد الصف العربي في مواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه الأمة.
وثمن المستشار منصور حينذاك الموقف الكويتي الداعم لمصر مؤكدا ان مصر دولة وشعبا لا تنسى من يقف معها في المحن لاسيما ان سمو الشيخ صباح الاحمد أكد للمستشار منصور ان الكويت ستقدم دعما كاملا لمصر على الصعيدين السياسي والاقتصادي وذكر سموه أن “مصر عزيزة على الكويت ولن تتأخر عنها أبدا” وشدد مخاطبا الرئيس منصور “أشقاؤكم معكم وسند لكم”.
قديمة هي العلاقات الكويتية المصرية وتزداد متانة بمرور السنين وستبقى دائما علامة مضيئة للتعاون والتنسيق ووحدة المصير بين الاقطار العربية وسيعمل الجميع معا لتعزيزها وتدعيمها حفاظا على المصالح المشتركة والكيان العربي الواحد وتحقيقا للوفاق العربي بما من شأنه تحقيق الامن والاستقرار في المنطقة ومحاربة الافكار والتنظيمات المتطرفة.