مقالات

وصلت إلى رغيف الخبز؟!

راكان بن حثلين

مرة أخرى يقع المواطن ضحية للقرارات العشوائية غير المدروسة من قبل الحكومة، ليجد نفسه أمام آفة جديدة تستنزف مقدراته، بعد أن أتت تداعيات القرار الحكومي برفع الدعم عن الديزل على رغيف الخبز الذي ارتفع في المخابز التقليدية بنسبة 20 بالمئة، فضلا عن ارتفاع مواد البناء مثل الصبوخ والخرسانة بنسبة تصل الى 15 بالمئة، وتأثر جميع مشاريع الانشاءات والطرق سلبا، ناهيك عن موجة الغلاء المتوقعة، والتي ستصيب كل المواد الغذائية والاستهلاكية نتيجة مضاعفة أسعار النقل.

كل ذلك يحصل لأن الحكومة عجزت عن مواجهة الرؤوس الكبيرة من الفاسدين المتورطين بتهريب الديزل المدعوم الى الخارج، أو استكثرت عليهم أن يلاقوا العقاب والمحاسبة، شأنهم شأن سائر المواطنين، بدلا من تنفيذ قصاص جائر جماعي بالمواطنين البسطاء، وفي المقابل نجد الرؤوس الكبيرة تسعى الى استغلال الفرصة لمضاعفة أرباحها بحجة ارتفاع تكاليف النقل.

الحكومة اختارت الهروب الى الأمام، من مواجهة الاستحقاقات السياسية والأدبية التي تفرض عليها ان تحيل كل المتعاملين بتهريب الديزل الى القضاء لينالوا جزاءهم العادل، بدلا من الصاق التهم بموظفين صغار لا يطالهم سوى فتات السرقات الكبرى، ولم تلتفت هذه الحكومة بكل ما لديها من امكانيات محاسبية ومستشارين ومنظرين، الى تقارير ديوان المحاسبة التي تؤكد أن نسبة الاستهلاك المحلي من مادة الديزل لا تتجاوز 11 بالمئة من الديزل المدعوم، ما يعني أن 89 بالمئة من هذا الديزل يهرب للخارج لمصلحة بعض الفاسدين من المتنفذين أصحاب الحظوة، الذين لا يمس لهم طرف.

فما ذنب المواطن لكي يدفع الثمن من قوته وقوت عياله؟ أم أن قدر هذا المواطن المغلوب على أمره أن يدفع فواتير الترضيات السياسية؟وهل يعقل ان تصل الأمور في بلد الرفاه الى رغيف خبز المواطن؟ في حين أن الكثير من الدول ومنها دول خليجية خفضت أسعار الوقود لديها لتتماشى مع الانخفاض العالمي لأسعار النفط، ناهيك عن الانخفاض التلقائي لمواد البناء، كما حصل في جارتنا السعودية التي انخفض فيها سعر الحديد بنسبة 40 بالمئة.

تبريرات كثيرة تسوقها الحكومة ولكنها «واهية»، ولا تقوم على أسس موضوعية، ولاسيما ما يتعلق بتهريب الديزل،والأجدى من الحكومة أن تتصدى للتهريب، لا أن تسير عكس اتجاه التيار العالمي، حيث كانت حكومتنا هي الوحيدة من بين حكومات العالم التي رفعت أسعار المحروقات، في الوقت الذي تدل فيه كل المؤشرات الى أن اسعار البترول مستمرة بالانخفاض.
كان الأولى بالحكومة أن تبادر بمعالجة أوجه الخلل التي وردت في تقارير ديوان المحاسبة، وان تعمل على أن يصل الدعم لمستحقيه، وأن يصب في خدمة الاقتصاد الوطني، وليس في جيوب عدد محدود من التجار والشيوخ الذي استمرؤوا التعدي على المال العام .

وكان المفترض في أي قرار حكومي أن يأخذ حقه من الدراسة الموضوعية التي تبين مدى الآثار التي ستنعكس على المواطن والمستهلك، وان تحسب حسابا للآثار غير المباشرة التي ستترتب على رفع قيمة الديزل، مثل ارتفاع قيمة المواد الاستهلاكية والمواد الانشائية، وتكاليف النقل، بالاضافة الى التأثيرات التي ستنعكس على قطاعات الصناعة والزراعة والثروة الحيوانية.

يجب ان تدرك الحكومة أن الاقتصاد الوطني سلسلة مترابطة، وأن اي انعكاس في أي حلقة سيؤثر على بقية حلقات السلسلة، وأن اي قرار يجب ان يبنى على دراسة موضوعية للتداعيات المباشرة وغير المباشرة ومدى تضرر مستوى المعيشة، حتى لا نشهد ولادة حراك جديد ومن نوع آخر هذه المرة، فهو لن يكون حراكا سياسيا يقوده بعض السياسيين الذين يجيدون لعب السياسة، بل يقوده البسطاء، المزارع، ومربي الثروة الحيوانية والمواطن الذي يعجز عن ايجاد سكن مناسب له ولأبنائه في ظل هذا الارتفاع الرهيب لكل متطلبات البناء، لتجد الحكومة نفسها في مأزق كبير ربما يؤدي الى زيادة الانفاق من أجل زيادة الرواتب.

يجب على الحكومة ان تعيد حساباتها، وان تعود لركوب السكة بشكل صحيح، وأن تسلك المسار المباشر لمعالجة الخلل، من خلال الضرب بيد من حديد على كل يد تمتد على المال العام بغير وجه، وأن تفرض عقوبات رادعة على كل فاسد شارك في تهريب الديزل، وكل تاجر يستغل الأزمات في سلب مقدرات الشعب، وعدم التستر على أي أسماء مهما كانت، بالاضافة الى ضرورة معالجة الخلل في البناء التنظيمي للاجهزة الرقابية والمنافذ والجمارك وتطويرها والارتقاء بأجهزتها، حتى تكون قادرة على أداء دورها كما يجب.

والأهم من ذلك كله، ان تدرك الحكومة أن ثمة أسئلة بديهية تجول في خواطر كل المواطنين، كيف نأتمن الحكومة على مليارات التنمية ومحاربة الفساد، في حين أنها عجزت عن محاسبة حفنة من الأسماء الملوثة بالديزل المهرب؟ ولماذا لم تحصل سرقات الديزل الا بعد خصخصة محطات الوقود؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.