هجوم «شارلي إيبدو» ضربة للإسلام
راكان بن حثلين
في الوقت الذي تتبارى فيه الأمم لإظهار كل المحاسن فيها ، وعكس صورة إيجابية عن واقعها ، من أجل كسب ود واحترام الشعوب الأخرى، ونشر فكرها ومعتقداتها بأسلوب سلس يعتمد على العاطفة والإقناع، نجد من بيننا من يصر على نشر صورة مشوهة عن الإسلام، صورة ملطخة بالدماء ، وملوثة بالحقد الأعمى ، والنفس الإقصائي لكل مخالف.
هذا النفس غريب وبعيد تماما عن روح الإسلام الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق ، وينشر التسامح والألفة بين الناس ، بعد ان كان العالم البشري قد تحول إلى ما يشبه الغابة ، يأكل فيها القوي الضعيف، وتمتهن فيها كرامة الإنسان بأشكال من الرق والعبودية، ويغيب فيها العقل تحت وطأة التعصب والجهل.
وما حصل في جريمة القتل الجماعي للعاملين في صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية، يعكس صورة مشوهة عن الإسلام ، تظهر أنه دين لا يقبل التعايش مع المخالفين ، وأن المسلمين أمة لا تقيم وزنا لدماء البشر، ولا تجيد فن الحوار او المناظرة والقدرة على الإقناع بقدر ما تجيد القتل.
ربما يرى بعض البسطاء أن في هذه العملية «الإجرامية» انتقاما وثأرا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ويعتبرون ان من نفذوها ابطالا ومجاهدين بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل الله ، وما إلى ذلك من أفكار متطرفة زرعت لدى الكثير من الشباب المسلم، في ظل بيئة خصبة شجعت على تنامي الفكر المتطرف لاسباب وعوامل كثيرة، منها الواقع السيئ الذي يعيشه الشباب في بلدانهم العربية والإسلامية، وفشلهم او عدم استطاعتهم تغيير هذا الواقع.
ولكن الواقع هو ان ما تم في هذه العملية الإجرامية بعيد تماما عن أخلاقيات رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة التي لا تزال تشع نورا وهدى للسائرين على نهجه.
فالنبي الكريم الذي يقول الله تعالى عنه في القرآن الكريم: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» ، لم يرد عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه أمر او أقدم بنفسه على قتل من أساؤوا له وشتموه ، رغم كثرة الأذى الذي تعرض له، لدرجة أنه قال صلوات الله وسلامه عليه « ما أوذي نبي مثلما أوذيت».
بل على العكس من ذلك نجد القرآن الكريم والسيرة النبوية الشريفة حافلة بمواقف من التسامح يفترض ان تكون نبراسا وعبرا لكل مسلم يدعي حب الرسول والسير على هديه، فلم يأمر الرسول اصحابه بقتل رأس الفتنة عبدالله بن سلول الذي ناله منه الكثير من الإساءت ، ولم يقتله بنفسه ، بل على العكس من ذلك ، نجد ان الرسول الكريم زار بن سلول عند مرضه، وأكثر أنه أجاب طلبه وكفنه بقميصه وصلى عليه، وقال صلى الله عليه وسلم « والله لو أعلم اني استغفر له اكثر من سبعين مرة فيغفر الله له لاستغفرت له».
كما أن القرآن الكريم علمنا أنه « إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تجلسوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره» ، ولم يأمر الله سبحانه وتعالى بقتل المستهزئين، كما حصل في قضية الرسوم المسيئة في مجلة «شارلي أيبدو».
ما حصل في «شارلي ديبو» ليس غضباً لله ، بل هو انصياع لأهواء نفوس مريضة طغى عليها الحقد والكراهية للمخالفين ، وانجراف وراء فتاوى عمياء خلطت الحق بالباطل، وهو امتداد لما يحصل في الأمتين العربية والإسلامية من قتل على الهوية، وهدر لدماء المخالفين باسم الدين ، والدين من هذه الأفعال براء.
ما حصل هو ضربة للإسلام والمسلمين، سنرى نتائجها وآثارها في قادم الأيام ، وخصوصا على المسلمين الذين في أميركا وأوروبا الذين يتمتعون بالحرية والأمان والعدل والمساواة وكل القيم التي انعدمت في الكثير من الدول العربية والإسلامية.