وين اللي يخططون لنا؟
بقدر ما تشعر الدول المستوردة للنفط بالسعادة والرضا بهذا الانهيار الكبير لأسعار الذهب الأسود، السلعة التي لا يستغني عنها أحد، بقدر ما نشعر نحن، المصدّرين له، بالحزن والسّخط بسبب ذلك ولكن هكذا هي الأيام دواليك، يوم لك ويوم عليك، فلا شيء يظلّ على نفس حاله، وكما يقول المولى عزّ وجلّ في كتابه (وتلك الأيام نداولها بين الناس). هذا الانهيار الكبير في أسعار البترول جاء للدول المستوردة له فرصة مفروشة على طبق من ذهب، فبتلك الأسعار الرخيصة يستطيعون تنفيذ مشاريع حيوية كثيرة كانت معلقة عندهم، وصار بامكان خطط التنمية لديهم ان تنطلق بسرعة الصاروخ اذا كانت حكوماتهم من النوع الذكي و(الشغّيل) وتعرف جيدا ماذا تفعل؟ نأتي الينا نحن، المصدّرين لتلك السلعة الحيوية، فلا يمكن ان نكون فرحانين ونحن نرى عصب الحياة عندنا ينزف بشدة، وتلك المليارات من الدولارات التي تتسرب من بين أصابعنا كل يوم لا يمكن ان تكون حدثا سارا لنا خاصة نحن في الكويت، وأظن أننا ككويتيين الأكثر حزنا من بين شعوب الدول المصدرة للبترول بعد ان ضاعت منا فرص كثيرة في التحضير والاعداد لمثل هذا اليوم، ومرت علينا سنون الوفرة ذات السعر الذهبي للبترول هباء منثورا، بدون ان نستفيد منها في الاعداد والتجهيز للمستقبل. ما نشعر به كشعب ان أموالنا راحت اما الى بطون الزرّاطين والنهّابة من أهل البلد ومن غيرهم، أو غرامات مليونية محلية ودولية بسبب سوء الادارة، وبسبب اهمال المحامين أو تخاذلهم، أو تكاليف لمشاريع من نوعية (شيء لزوم الشيء). دخلت علينا في السنوات السابقة عوائد ضخمة من بيع النفط كان بامكانها ان تغير الكثير في بلدنا فاتحة لنا أبوابا أخرى للدخل تعود بالخير علينا كما تفعل البلاد التي تهتم بالمستقبل، وتفكر فيه، وتخطط له، ولكننا ابتلينا بمسؤولين لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم، والنتيجة أموال تم استنزافها فيما لا طائل من ورائه، وهاهي فيلكا لا تزال أطلالا لم تتحول الى منتجع سياحي على الرغم من المخططات، وهاهي أبراجنا التي باتت رمزا لبلادنا واقفة تشكو بختها بعد ان أصبحت (لا فايدة ولا عايدة)، وهاهي المدن الترفيهية تفتقد التطوير مثلها مثل حديقة الحيوان، وهاهي المباركية، المكان الأكثر جذبا للسياح، أهمل تنظيفها، فاغبرت أسقفها وأعمدتها، وزالت الكتابة عنها، دع عنك افتقارها لدورات مياه كافية، واسعة، نظيفة ومجهزة بما يحتاج اليه الداخل اليها، وهاهي المجاري تركت تصب في البحر ملوثة الأجواء بروائحها العطنة التي تلاحقك حتى الى داخل المباني المطلة على الخليج، دع عنك الاسماك التي تموت بين فترة وأخرى بسبب بخلنا بالمال على تنظيف وتطهير البحر.خلاصة الكلام، لو كانت لدينا عقول نيّرة لفكرت في استثمار جو الكويت المعتدل والدافئ ستة أشهر في السنة، ولاستغلته في سياحة نظيفة يساند دخلها دخل البترول الناضب، ولكن شنقول غير الشكوى لله. مع ذلك يبقى الأمل بأن يعود سعر البترول للارتفاع، وأن يفتح الله على عقول من يخططون لنا فيحسنون الأداء، كما يفعل نظراؤهم في الدول الأخرى، فليس من المعقول ان يظل البلد بمصدر واحد للدخل سينضب في يوم ما.
عزيزة المفرج
almufarej@alwatan.com.kw