الحوار والقوة والنتائج
حسن الهداد
الحوار والقوة، يا ترى أيهما أفضل لبناء دولة نموذجية يعيش بها الكل في أمن وسلام وعدل ومساواة، في ظل وجود خلافات وانقسامات اجتماعية تكمن في المصالح والتعصب بشتى أشكاله؟
قد يرى البعض أن الحوار هو الحل الأمثل للتعايش السلمي، في ظل وجود أزمة الخلافات والصراعات، وآخرون يرون أن القوة وإقصاء فئات يختلفون معهم دينيا وعرقيا ومذهبيا هو الحل الأنسب، وهذا أمر طبيعي مادام الفكر لا تحدده ضوابط اجتماعية أو قانونية أو أخلاقية، خاصة إذا كان فكرا متطرفا لا يفهم لغة احترام معتقدات الآخرين، ولكن دعونا نعود إلى زمن الخلافات والظلمات في أوروبا ونقارنها بالعصر الحديث ببعض الأمثلة، ونرى ماذا نتج عن الأول والأخير.
في عام 1789 وقت اشتعال الثورة الفرنسية، كانت ايطاليا مقسمة الأوصال نتيجة التناحر السياسي والديني الذي نتج عنه قتل ودمار عاق طريق تحقيق الوحدة السياسية لإيطاليا، وكل هذا كان سببه استخدام القوة ورغبة البابا على السيطرة من أجل الحفاظ على سلطته الدنيوية.
وفي عام 1789 كانت ألمانيا مقسمة إلى أكثر من 300 ولاية لا تجمع بينها أي روابط ثفافية ولا دينية، فقط الرابط الوحيد الذي جمعهم أنهم تبعية لحكم امبراطور الدولة الرومانية، والخلافات العرقية والدينية والسياسية بين بعضهم وبعض كانت سببا في دمار بعض الولايات، وكان نتاج القوة هو الدمار من دون انتصار لأي ولاية على أخرى.
وأيضا أود أن أذكر بعض حالات التحالف في الحروب، على سبيل المثال، التحالف الثلاثي بين ألمانيا والنمسا وإيطاليا في عام 1882 في حرب ضد روسيا وفرنسا، وأيضا تشكيل تحالف ثلاثي بين فرنسا وروسيا وإنجلترا ضد ألمانيا، وثمرة تلك التحالفات كانت حروبا ودمارا وقتالا بين هذه الدولة، والسبب هو اللجوء لعامل القوة، لاسيما أن الزمن القديم كانت القوة هي الحل الأنسب أما الحوار فيعتبرونه لغة الضعيف.
الآن ننتقل إلى العصر الحديث أي عصر الفكر بعدما سادت فيه لغة الحوار بين المتخاصمين، ومن خلاله دفنوا التعصب العرقي والثقافي والديني في مقبرة تاريخهم الذي كان يتسيده الدمار الشامل، هنا ماذا سنجد؟ سنجد القانون هو الحاكم، وثقافة الاحترام بمختلف أشكاله سادت في بلدانهم فضلا عن تطورهم التكنولوجي السريع الذي نعيش تحت رحمته اليوم وبات يمثل كل احتياجاتنا لمقاومة قساوة الحياة، ولا يمكن أن نتجاهل إرساء مبدأ العدل والمساواة ولو كان نسبيا، إلا أننا ما زلنا نضر به أروع الأمثلة، والمهاجرون العرب وغيرهم إلى أوروبا ونيل حقوقهم الإنسانية هو أفضل مثال على ذلك.
ماذا صنع الحوار أيضا في أوروبا؟ جمعهم في اتحاد أوروبي واحد متعاونين ويتبادلون التطور والثقافات والعلوم، ناهيك عن الاتحاد الجمركي والاتحاد الاقتصادي وتكوين السوق الأوربية المشتركة، كل هذه الإيجابيات صنعها طريق الحوار الذي تفوق على لغة القوة وهكذا استفادوا من الحوار في التعامل مع خلافاتهم.
ما أريد من هذا السرد التاريخي هو أمر واحد فقط، أننا مهما اختلفنا وتصارعنا وسعينا لحل مشاكلنا في بلدنا فلن نحقق أي شيء إيجابي بمفهوم القوة والتحدي والتهديد والوعيد واعتلاء المنابر ببث الشعارات، بينما الأمر بحاجة إلى عقول وطنية تدرك مفعول الحوار على طاولة المكاشفة والمصارحة التي تتخللها المصلحة الوطنية، وبغير ذلك ستستمر خلافاتنا وستسير سفينتنا إلى المجهول بسبب العناد وعنجهية البعض.