السعودية بين ضغوط الغرب ونفوذ رجال الدين المحافظين
تتعرض السعودية لضغوط من دول غربية بسبب جلد المدون رائف بدوي الذي أدين بالإساءة للإسلام.. لكن يبدو أن المملكة أشد قلقا من المخاطرة بإثارة غضب محافظيها إن هي أعفته من العقوبة.
وزادت الملابسات السياسية التي تكتنف عقوبة جلد بدوي على دفعات أسبوعية بالهجوم على مقر صحيفة شارلي إبدو الأسبوعية الساخرة في باريس ونشر الصحيفة رسوما جديدة للنبي محمد يوم الأربعاء.
وتحاول المملكة صف المسلمين المحافظين وراءها في حملة على متشددي تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية لكنها أثارت غضب كثيرين منهم لما رأوه موقفا ضعيفا من جانبها في قضية الرسوم الساخرة.
وكانت الرياض قد أصدرت بيانا يدين الهجوم على مقر شارلي إبدو – وهي إدانة رددها محافظون سعوديون- لكنها لم تنتقد الرسوم الساخرة بشدة كما أن سفيرها في باريس شارك في مسيرة تضامن في باريس رفع مشاركون فيها الرسوم المسيئة للنبي.
وقال مصطفى العاني وهو خبير أمني عراقي تربطه صلات قوية بوزارة الداخلية السعودية “هم تحت ضغط في الداخل خاصة من جانب السلفيين كي يعاقبوا أمثاله. إنها مسألة تتعلق بشرعية الدولة. علينا أن نتذكر أن هؤلاء الناس لهم نفوذ كبير في الشارع.”
ولم يتسن الحصول على تعليق من المسؤولين السعوديين.
وانتقدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الحكم على بدوي الذي كان قد اتهم رجال الدين بالتطرف في موقعه (الليبراليون السعوديون) والذي أثار موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي. والرجوع عن إدانته سيبدو لبعض الإسلاميين السعوديين خيانة للقيم الإسلامية الأساسية.
وعلى خلفية الاضطراب الإقليمي أصدرت السلطات عقوبات أقسى على مختلف أشكال المعارضة من قيادة النساء للسيارات إلى التعليقات المؤيدة للإسلاميين المتشددين على مواقع التواصل الاجتماعي وزادت استخدام عقوبة الإعدام التي تنفذ بحد السيف.
يزيد على ذلك أن كبار رجال الدين يهيمنون على سلطة القضاء الأمر الذي يجعل إلغاء أحكامه أمرا غير مريح بشكل خاص للأسرة الحاكمة لأنها تعتمد على تأييد رجال الدين في جزء من شرعيتها.
وفي مثال على الغضب الذي يعتمل في نفوس المحافظين قال الناشط الإسلامي محسن العواجي لرويترز إنه لن يتحدث عن قضية بدوي بسبب غضبه إزاء نشر رسوم جديدة تصور النبي في شارلي إبدو يوم الأربعاء.
وقال إنه لا وقت الآن للتفكير في قضية بدوي وسط “الكراهية التي يبديها الغرب تجاه كل المسلمين” بنشر الصور المسيئة للنبي.
وقام مسؤول في وزارة الداخلية بجلد بدوي 50 جلدة يوم الجمعة الماضي. وتأجل جلده 50 جلدة أخرى اليوم لأسباب طبية بحسب مصدر. وسيجلد بدوي 50 جلدة كل أسبوع إلى أن يجلد ألف جلدة ثم يبدأ في تنفيذ باقي الحكم بسجنه عشر سنوات أيضا.
ولا تكاد الصحافة السعودية تورد الجدال الدائر حول جلد بدوي مما يبرز الحساسيات الرسمية تجاه المسألة. لكن هناك جدالا في وسائل التواصل الاجتماعي حول عدالة العقوبة.
وأشارت تغريدة على تويتر تحمل اسم فاطمة إلى أن السعودية تدين الهجمات الإرهابية على شارلي إبدو في فرنسا بينما تجلد في نفس الوقت بدوي لأنه استعمل الحق في حرية التعبير. ووصفت الحكومة السعودية بالجهل.
لكن رأي إبراهيم الزبيدي – وهو مستخدم آخر لتويتر- والذي تمثل في أن كل من يهاجم الإسلام يستحق مصير بدوي يبدو أكثر تطابقا مع آراء السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال العواجي إن العناصر المحافظة ربما تتعاطف مع المتشددين بعد هجمات شارلي إبدو.
وأضاف أن الناس غاضبون من الحكومة لاعتقادهم أنها تبدي احتراما للغرب أكثر مما تبديه للنبي. وتابع أن السعوديين شاركوا في مظاهرة باريس بينما رفعت فيها رسوم تسىء للرسول.
وعملت السعودية بقوة خلال العقد الماضي على بناء قاعدة تأييد دينية لحملتها على تنظيم القاعدة ثم في الآونة الأخيرة على تنظيم الدولة الإسلامية الذي يهاجمها لعلاقاتها بالغرب ولخطوات متدرجة لنشر الليبرالية في المجتمع السعودي.
وسجن رجال دين أيدوا الجماعات المتشددة علنا وعزل آخرون بسبب تعليقات اعتبرت متطرفة ومارست السلطات ضغوطا على مدى سنوات على كبار رجال الدين ليدينوا القاعدة والدولة الإسلامية والجماعات المماثلة باعتبارها جماعات “ضالة”.
أما مصدر الانتقادات الغربية الشديدة للسعودية فيتمثل في تطبيقها الحدود بما فيها الإعدام بحد السيف والجلد وكذلك فيما يعتبره الغرب حرمانا للمرأة من المساواة بالرجل.
لكن عندما زار الرئيس الأمريكي باراك أوباما الرياض في مارس آذار قالت واشنطن إنه لم يناقش حقوق الإنسان مع الملك عبد الله في الاجتماع الذي تركز على الصراعات في المنطقة مما يعكس حدود الضغط الغربي.
وبينما يبدو من غير المرجح أن يثير الملك عبد الله غضب الرأي العام في الداخل بإصدار عفو عن بدوي قال العاني إنه يمكن أن يستجيب للضغط الدولي المتزايد بوقف الجلد قبل اكتماله لكن دون إصدار قرار رسمي.