دول مجلس التعاون الخليجي تعزز مؤشرات التفاؤل في الأسواق الناشئة
لعبت الديناميكية الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي والاقتصادات الكبيرة التي تليها مثل إندونيسيا ونيجيريا وبنغلادش والمكسيك وباكستان، دوراً أساسياً في خلق نوع من التوازن أدى إلى تعويض معدلات الأداء المتباينة لدول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) والتي كان لها دور كبيراً في تحفيز نمو الأسواق الناشئة في السنوات الأخيرة. جاء ذلك في مؤشر أجيليتي اللوجيستي للأسواق الناشئة لعام 2015 والذي يرصد البيانات الاقتصادية لـ 45 دولة من الاقتصادات الناشئة على أساس سنوي مصحوباً باستبيان منفصل لحوالي ألف من المدراء التنفيذيين المتخصصين في الخدمات اللوجيستية وسلاسل الإمداد العالمية.
ويصنّف هذا المؤشر، الذي يصدر للعام السادس، الأسواق الناشئة قياساً إلى حجمها وظروف أداء الأعمال فيها والبنى التحتية وغيرها من العوامل التي تجذب الاستثمارات من جانب شركات الخدمات اللوجستية وشركات الشحن الجوي والبري ووكلاء الشحن وشركات التوزيع.
ووفقاً للتقرير، فقد استأثرت دول البريكس الكبرى وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا بالجانب الأكبر من النمو والاستثمارات في الأسواق الناشئة، فضلاً عن هيمنتها على المؤشر، إلا أن المملكة العربية السعودية احتلت المرتبة الثانية في مؤشر هذا العام ، مباشرة بعد الصين التي يكبر ناتجها الاقتصادي بنحو 12.5 مرة وتعداد سكانها بنحو 47 مرة.
كما تقدمت دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديداً الإمارات العربية المتّحدة وقطر وسلطنة عُمان، بين الدول الـ 45 ضمن المؤشر، لامتلاكها أفضل عوامل توافق السوق، أو ما يعني الظروف الأكثر ملائمة لإداء الأعمال. يليها في ذلك دول الأوروغواي والمملكة العربية السعودية والمغرب.
فيما جاءت دول الإمارات العربية المتّحدة والصين وسلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية وتشيلي على رأس الدول فيما يتعلّق بعامل الترابط، أو ما يشير إلى تملكها لأفضل بنى تحتية وشبكات للمواصلات من بين الاقتصادات الناشئة الأخرى.
وبهذا السياق قال الياس منعم، الرئيس التنفيذي لأجيليتي للخدمات اللوجيستية العالمية المتكاملة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا: “إن الاستثمار في البنى التحتيّة والإصلاحات الهيكلية، التي تحسن مناخ الأعمال ، هي من مكّن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة وقطر وسلطنة عُمان من مواجهة انخفاض أسعار الطاقة. وتواصل هذه الدول تطبيق السياسات الذكية والمدروسة التي ستساعدها في إضفاء التنوّع وتجعلها أكثر استقطاباً للصناعة اللوجيستية، كونها أسواقاً استهلاكية ومراكز لوجيستية رائدة توفر سلاسل إمداد عالية القيمة”.
وكانت اقتصادات المستوى التالي، وهي إندونيسيا (الترتيب الرابع في المؤشر) ونيجيريا (الترتيب السابع والعشرون) وبنغلادش (الترتيب الثامن والعشرون) وباكستان (الترتيب الخامس والعشرون)، بتعداد سكانٍ يفوق الـ 100 مليون نسمة، قد ارتقت جميعها في سلم ترتيب المؤشر. أما السوق الكبرى غير المنضوية تحت راية دول البريكس، وهي المكسيك، فقد حافظت على ترتيبها في المركز التاسع.
وبالنسبة للدول الأخرى في منطقة الخليج، فقد انخفض ترتيب الكويت ثلاث درجات لتحتل المركز الواحد والعشرين في المؤشر، وكما انخفض ترتيب البحرين مرتبتين لتحلّ في المركز الرابع والعشرين. وكي تسد هذه الفجوة التي تفصلها عن دول الخليج المجاورة، يتعيّن على الكويت التعجيل بتطبيق الإصلاحات الاقتصادية والاستثمار في البنى التحتية. أما البحرين فقد أظهرت معدلات نمو قوية في الربع الأول من 2014، إلا أنها لاتزال تعاني من تداعيات التوتر الطائفي.
وقد جاءت الصورة متباينة لبقية دول الشرق الأوسط غير الخليجية، إذ انخفض ترتيب الأردن بخمس درجات ليحلّ في المرتبة التاسعة والعشرين على المؤشر، رغم النتائج القوية التي أحرزها في ملائمة السوق لأداء الأعمال إلا أنه لازال يواجه تداعيات الحروب الدائرة في كل من سوريا والعراق. أما لبنان، الذي تأثر أيضاً بالحرب القائمة في سوريا، فانخفض ترتيبه مرتبتين ليأتي في المركز الثاني والأربعين. فيما حافظت تركيا، التي تتمتّع باقتصاد أكبر وأكثر تنوّعاً، على ترتيبها في المركز العاشر، برغم الحرب التي تدور على حدودها الجنوبية، والقلق الحائم حول تداعي الليرة التركية، والاضطرابات السياسية الداخلية التي تسود البلاد.
وفي شمال أفريقيا، قفزت الجزائر التي تتمتّع باستقرار نسبي إلى المرتبة الرابعة والثلاثين، لكنها على وشك التأثر بوطأة انخفاض أسعار النفط، وهو ما أثار المطالب بالحاجة الماسّة لإضفاء التنوّع الاقتصادي. وتواصل مصر تراجعها، حيث انخفضت في الترتيب من المركز الثامن والعشرين إلى الثاني والثلاثين في المؤشر ، رغم المؤشرات التي أظهرت أن الحكومة التي تدير البلاد قد كبحت من هذا التراجع الذي بدأ في عام 2011. ومع ذلك، يتوقّع العديد من المحلّلين أن تشهد مصر انتعاشاً قوياً في العام 2015، كما أن الاستقرار النسبي الذي حققته الحكومة الحالية قد دفع المسؤولين التنفيذيين في قطاعي الخدمات اللوجيستية وسلاسل الإمداد إلى إعادة النظر في الآفاق المستقبلية لمصر. وقد صعدت مصر أربعة درجات ضمن استطلاع الرأي لتحلّ في المركز العشرين بين الدول التي تعتبر ناشئة، وتمثّل أسواقاً رئيسية لقطاع الخدمات اللوجيستية.
كما أظهرت تونس (في المرتبة الخامسة والثلاثين) مؤشرات استقرار في أعقاب الاضطرابات السياسية ، ولكنها لا تزال تعاني من امتداد أحداث العنف المتواصل التي تدور في جارتها ليبيا والتي تعاني بدورها من التطرّف واقتتال الميليشيات، وعليه شهدت تراجعاً في الترتيب لم تشهده أي دولة أخرى ضمن المؤشر، حيث انخفض ترتيبها سبع درجات لتحلّ في المركز الأربعين.
نتائج أخرى مستخلصة من المؤشر:
· ارتقت الفلبين 3 درجات (لتصل إلى المركز التاسع عشر) في ما يخصّ قسم البيانات في المؤشر، وذلك بعد أن قفز ترتيبها تسع درجات في مؤشر عام 2014. وعزّزت الفلبين كذلك من مكانتها في استطلاع المسؤولين التنفيذيين ، حيث رفعوا ترتيبها خمس درجات (لتصل إلى المركز الخامس عشر) بين الدول التي يطلق عليها أسواق لوجيستية رئيسية.
· أثّرت العزلة الاقتصادية المتزايدة لروسيا على -جاذبيتها بالنسبة للخبراء اللوجستيين، حيث أعرب أكثر من 75% من المشاركين في ااستطلاع الرأي عن تشاؤمهم حيال التوقّعات المستقبلية لروسيا.
· ما تزال الآراء منقسمة حول الهند، فقد كانت الخيار الثاني للانضمام لأكبر الأسواق اللوجيستية بحسب المدراء التنفيذيين في الصناعة ، إلا أنه تم تصنيفها أيضا في المركز السابع عشر، بين الدول الأقل أرجحية بأن تمسي من كبرى أسواق الخدمات اللوجيستية . وفي الجانب المتعلّق بالبيانات في المؤشر، تجاوزت كل من البرازيل والمملكة العربية السعودية في عام 2014 ترتيب الهند التي عاود ترتيبها انخفاضه في مؤشر عام 2015 أيضاً، لينزل إلى المرتبة الخامسة بعد إندونيسيا، حيث شهدت توافقية السوق في الهند، ، تراجعاً ملحوظاً، برغم التفاؤل الذي يسود حول الإصلاحات التي سنّها ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الجديد.
· تمثّلت أسرع المسارات التجارية نمواً تلك التي تربط بين الأسواق الناشئة والمتقدّمة فقد نمت المسارات التي تربط بين الولايات المتّحدة وفيتنام بنسبة 42.7% بينما ارتفعت النسبة بين كمبوديا والاتحاد الأوروبي إلى 41.9% في مجال الشحن الجوي، أما أوكرانيا والاتحاد الأوروبي فقد حققت نسبة نمو تقدر بـ 35.8% ومن جهة مصر فقد حققت خطوط الشحن الجوي مع الاتحاد الأوربي نمواً بلغ 23.2% . أما بالنسبة إلى عام 2015، فقد حازت التدفقات التجارية بين الأسواق الناشئة في آسيا والأسواق الناشئة في مناطق أخرى على تفاؤل الخبراء اللوجستيين في استطلاع الرأي. وقد رصد المشاركون بالاستطلاع، مخاطر النمو تبعاً للمناطق المختلفة وقدموا وجهات نظر في قضايا مثل قرب المصادر والتجارة الإلكترونية وغيرها من التوجّهات التي تحمل تأثيراً على الأسواق الناشئة.
ومن جانبه قال عيسى الصالح، الرئيس والمدير التنفيذي لأجيليتي للخدمات اللوجيستية العالمية المتكاملة”: “منذ عام خلى، كثُر الحديث حول تداعي الأسواق الناشئة، وساد القلق حول “الخمسة الضعفاء” إشارة إلى تراجع دول جنوب أفريقيا والبرازيل والهند وتركيا وإندونيسيا. ولكن الأسواق الناشئة مجتمعة أبدت مرونة وثباتاً، بل أكثر حيويةً، من المتوقّع، برغم التباطؤ الذي يعيشه الاقتصاد العالمي”.
وأردف الصالح بأن عدداً من الدول النامية قد استثمرت في البنى التحتية واتّخذت خطوات للتصدي للمشاكل الراسخة التي تعاني منها كقوانين العمالة والضرائب، وحماية المستثمر، وقوانين التعاقد، وحقوق الملكيّة، والقيود المفروضة على رأس المال، والقواعد التنظيمية للتجارة واستخدام الأراضي. وأشار الصالح إلى أن المخاطر التي ستؤثر على نمو الأسواق الناشئة في العام 2015 ستكون تبعات لانخفاض أسعار السلع والاقتصاد الصيني المتراخي وسياسة التقشّف المالي في الولايات المتّحدة، والاضطرابات الاقتصادية في روسيا.
ويتوقّع صندوق النقد الدولي أن معدّل النمو للدول الخمس والأربعين المذكورة ضمن المؤشر سيكون 4.57% في عام 2015.
واستطرد الصالح بقوله: “تتجسّد العوامل المحفّزة للنمو في زيادة التعداد السكاني، وحجم الطبقة المتوسطة، والقدرة الإنفاقية، ومعدّلات التمدّن، إضافة إلى التقدّم الراسخ في مجالات الصحة والتعليم والحدّ من الفقر. ولهذه الأسباب، نبقى متفائلين بالأسواق الناشئة ونتوقّع لها أن تواصل مسارها التصاعدي”.
ويُذكر أن “ترانسبورت إنتيليجينس” Transport Intelligence، وهي شركة رائدة في مجال البحوث والتحليل المتعمق المتخصص في قطاع الخدمات اللوجستية ، قد أعدّت المؤشر.
واختتم جون مانرز-بيل، الرئيس التنفيذي في “ترانسبورت إنتيليجينس”، الحديث بقوله: “بعد 5 سنوات من الأزمة الاقتصادية العالمية، ما تزال الرؤية المستقبلية لكافة الاقتصادات، المتقدّمة والناشئة، غامضة وغير واضحة المعالم، حيث كان للهشاشة الاقتصادية وتراجع أسعار النفط والقلق المرتبط بالجوانب الأمنية في كل من أفريقيا والشرق الأوسط دورٌ واضحٌ في تعزيز الشكوك حول هذه الاقتصادات. وبرغم التحديات الراهنة، إلا أن الاهتمام بهذه الأسواق المتقلّبة ما يزال مرتفعاً كما يتوضّح من خلال الاستثمار الزائد في البنى التحتيّة وتوسّع نطاق التجارة الدولية وارتفاع معدّلات الطلب على الصعيد المحلي. وينبغي على شركات التصنيع العالمية وشركات التجزئة والمؤسسات التي تزوّدها بالخدمات اللوجيستية أن تكون على دراية تامة بالديناميكيات المتغيّرة، إن كانت ترغب بالاستفادة من الفرص الواعدة المتاحة”.