مقالات

خادم الحرمين.. فقيد الأمتين

راكان بن حثلين

لن ننسى الكلمات الخالدة لفقيد الأمتين العربية والإسلامية، خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، بحق الشعب الكويتي إبان الغزو العراقي الغاشم، عندما كان يوصي الشعب السعودي وهو يقول «أوصيكم بإخوانكم وأخواتكم من أبناء الشعب الكويتي، بالبر بهم واحترامهم وتسهيل كل ما يعينهم، فشعب الكويت أهلكم».

لن ننسى وقفاته الشجاعة تجاه قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وحرصه على لم الشمل على الصعيدين العربي والإسلامي ، حتى يكون لنا كيان يحسب له حساب بين بقية الأمم، ويؤخذ بعين الاعتبار لدى العالم أجمع.

لن ننسى وقوفه كسد منيع أمام عاتيات الفتن التي عصفت بالمنطقة، وعمله الدؤوب من أجل عودة الاستقرار والأمان للشعوب المنكوبة بويلات الحروب، ومحاربة الأفكار المنحرفة والمتطرفة التي أساءت إلى الإسلام والمسلمين، ورسمت صورة مشوهة عن الإسلام، بعيدة كل البعد عن دين السماحة.

لن ننسى «الملك الإنسان» وهو يوصي إخوانه وأبناء عمومته من أسرة آل سعود الكرام بالدين والوطن والشعب ، وهو يقول لهم بلغته العفوية « أهم شيء هو شعبكم ، خلوه راض عنكم ، وعليكم بالعدل والحق والإنصاف حتى وإن كان على أبنائكم أو اخوانكم» ، مؤكدا « إن إرضاء الناس صعب ، ولكن المهم هو الحق ، وخدمة الدين والوطن عز وشرف لكم ولدولتكم».

رحل «بومتعب» ..ترجل الفارس.. وبقيت سيرته وإنجازاته شاهدة على تاريخ رجل عظيم كرس حياته لخدمة الشعب السعودي، والأمتين العربية والإسلامية، رجل بكل ما تعني الرجولة ، شهامة ومروءة ، وحكمة وعطف، وكبرياء انغمس بالتواضع، فاستحق من شعبه الحب والوفاء.

كيف لا وهو الذي جرد نفسه من الألقاب، ورفض أن يناديه أي مواطن بلقب « مولاي» أو أن يقبل يداه ، لأنه «رحمه الله» يؤمن بأن المولى هو الله عز وجل، وأن الحاكم مهما علا شأنه هو في النهاية خادم للدين والوطن والشعب.

هكذا كان الملك الراحل ، كبيرا في عيون شعبه وفي عيون العالم أجمع ، وسيبقى كذلك ، وستتحدث عنه إنجازاته للأجيال المقبلة ، بأن هذه المرحلة من التاريخ السعودي ، وتاريخ الأمتين العربية والإسلامية ، مر بها رجل عظيم اسمه عبدالله بن عبدالعزيز، استطاع أن يشق لشعبه ولأمته رغم الصعاب والتحديات والعراقيل طريقا إلى النور ، وبداية مرحلة من التنمية الرائدة تبدأ بالإنسان وتنتهي إليه.

فبعد أن كان قد أفنى سنوات طويلة في خدمة بلده في عدد من المناصب التي تقلدها ، استطاع الملك عبدالله – رحمه الله – أن يؤسس لمرحلة جديدة من البناء العلمي والعملي الصحيح للمواطن السعودي، وقيادة ثورة علمية وتنموية في زمن قياسي.

ويكفي أن يذكر التاريخ أن الملك الراحل خلال سنوات حكمه الـ 9 خصص أكبر ميزانية في تاريخ المملكة للتعليم ، واستطاع أن يرفع عدد الجامعات الحكومية إلى أكثر من 30 جامعة ، تضم أكثر من 500 كلية موزعة على76 مدينة ومحافظة، فضلا عن الجامعات والكليات الأهلية، بالإضافة إلى زيادة عدد المبتعثين للدراسة في خارج المملكة الشقيقة إلى أكثر من 135 ألف طالب وطالبة يتلقون العلوم من أرقى جامعات العالم.

ليس ذلك فحسب ، بل امتدت الطفرة التنموية لتشمل كل القطاعات والخدمات كالإسكان والصحة، ناهيك عن الزراعة والصناعة التي شهدت في عهده تطورا غير مسبوق ، إذ أسس وافتتح رحمه الله مشروعات عملاقة في المدينتين الصناعتين في الجبيل وينبع ، ليبلغ عدد المجمعات الصناعية فيهما 42 مجمعا أساسيا، فضلا عن أكثر من 400 مصنع للصناعات المتوسطة والخفيفة ، ما ضاعف من استثمارات المملكة ، وساهم في خلق فرص العمل لأعداد كبيرة من الشباب السعودي، واستيعاب المخرجات التعليمية المتنامية في مختلف التخصصات.

ولا تخفى على أحد البصمات الواضحة التي تركها الراحل في توسعة المشاعر المقدسة في مكة والمدينة، وتخصيصه مبالغ ضخمة جدا من أجل استيعاب أعداد مضاعفة من الحجيج القادمين من كل بلدان العالم، والتسهيل عليهم في أداء مناسك الحج والعمرة ، حتى بلغت القدرة الاستيعابية لجسر الجمرات 5 ملايين حاج في اليوم الواحد.

الأيادي البيضاء للملك الراحل امتدت بالخير والعطاء للمحتاجين والمستضعفين في شتى بقاع الأرض، فكان البعد الإنساني للملك الراحل حاضرا في العديد من القضايا ، ومؤثرا رئيسا في العديد من المواقف ، فكان همه إغاثة المنكوب والملهوف بغض النظر عن جنسه أو ديانته ، منسجما بذلك مع روح الإسلام الحقيقي، بالإضافة إلى اسهاماته المتعددة في خدمة الدعوة الاسلامية وتأكيده الدائم على اتباع منهج الوسطية ودعوته المسلمين لمحاربة الغلو والتطرف وتحصين الشباب منهما.

لقد فقدنا وفقد الشعب السعودي الشقيق والامتين العربية والاسلامية زعيما استثنائيا، يصعب أن نختزل مناقبه ومآثره في مقال ، ويكفي خادم الحرمين رحمه الله من حسن الأعمال ما اختتم به أواخر أيامه ، بإنجاح المصالحة الخليجية الخليجية – ، وزراعة بذور مصالحة عربية عربية جديدة ، كانت أولى محطاتها رأب الصدع بين مصر وقطر ، وكلنا أمل في أن تثمر هذه البذور في القادم من الأيام ، في ظل جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين ، وكلنا ثقة بأنه خير خلف لخير سلف.

نسأل المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جناته ، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لما فيه خير الشعب السعودي ، والامتين العربية والإسلامية وكلنا ثقة بقدرته على استكمال مسيرة العطاء والانجاز التي بدأها المرحوم بإذن الله تعالى الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.