أزمة وتعدي
إذا كان الفساد خطا أحمر، ومحاربته بالكلمة والصورة خطا أحمر، وفضح بعض أوجهه ومظاهره خطا أحمر، والتكلم عن بعض أقطابه خطا أحمر، فلماذا إذن كانت تلك الخطب النارية، ووقفات ساحة اﻹرادة، ومسيرات (كرامة وطن) والاعتصامات والتظاهرات، وانتهاك مبنى البرلمان، وعد رجالك ونعد رجالنا، وصندوق الانتخاب الشكلي، والأهم من ذلك كله (تبون الحكم والا ما تبونه)؟
إذا كانت الملايين التي دفعت في استاد جابر غير مهمة، والملايين التي دفعت في طائرات مستعملة فيها من العيوب ما فيها غير مهمة، والملايين التي تدفع في مشاريع زيادة عما تستحقه واقعيا تلك المشاريع غير مهمة، والملايين التي تدفع لتشييد جامعة تعثر فيها العمل سنوات طوال غير مهمة، والملايين التي دفعت في الداو غير مهمة، والملايين التي تضيع هنا وهناك بدون أن نعرف كيف ولماذا غير مهمة، فلماذا إذن كانت تلك الضجة واللجة من جماعات حدس وحشد وحدم والأهم من هؤلاء جميعا كتلة الخمس رصاصات التي تعرف من أين تؤكل الكتف؟
ما الذي فعلته جريدة (الوطن) غير إلقاء الضوء عبر مقالات كتابها على أوجه الفساد في أماكن مختلفة في الدولة لفضحها، وتنبيه سمو رئيس مجلس الوزراء لوجودها، ووضعه في الصورة الحقيقية على أمل أن يفعل شيئا بشأنها، فتكون النتيجة ذبحاً بسيف صارم، وقطع السبل بغية عدم عودتها لقرائها ومحبيها. جريدة (الوطن) بغيابها القسري تركت فراغا كبيرا في الساحة يستشعره الجميع، فهي الصحيفة اﻷولى في الكويت، وهذا الغياب – مهما حاولوا إضفاء صفات الشرعية والقانونية عليه غياب أو تغييب مقصود، تم الترتيب له على مستوى عال داخل الحكومة، وهناك من شاك وحاك من أجل تحقيق ذلك الهدف، وإسكات الصوت الأكثر جرأة الذي أوجع البعض وجعا عظيما بما تطرق له من أمور. (الوطن) تضافرت عليها جهود تجار كبار، لهم من النفوذ ما ﻻ يستهان به، أوجعهم كثيرا فضحها لهم، فهؤلاء يرغبون بأن تمضي مشاريعهم بهدوء وسلاسة وبدون أي شوشرة، ولو كانت تلك المشاريع تستحق ما دفع فيها لما تكلم أو اعترض أحد، ولكنها مصيبة عظيمة أن تذهب أموال ضخمة في مشاريع إما معدومة أو فاشلة أو ليست على المستوى المطلوب، وإن تحدث أحد عوقب بإيقافه وقطع رزقه. يبقى القول ان كل من يراني يسألني: متى سترجع (الوطن) ولا أجد ردا غير القول: ان شا الله أزمة وتعدي.
عزيزة المفرج