الناقل “الأزرق”.. أول ناقل جوي وطني في الكويت.. علامة متميزة منذ 60 عاما
ارتبطت بداية مرحلة الازدهار الاقتصادي الشامل في البلاد بتصدير أول شحنة من النفط عام 1946 حيث شهدت الكويت مبادرات ومشروعات كان لها اكبر الاثر في مسيرة النهضة لاحقا وأبرزها تأسيس أول شركة طيران وطنية من قبل اثنين من رجالات الكويت في فبراير عام 1953.
وشكلت تلك المبادرة بداية لتطور قطاع النقل والطيران لتشهد البلاد بعدها بعام واحد وتحديدا في مارس 1954 الاعلان عن تأسيس (شركة الخطوط الجوية الوطنية الكويتية) برأسمال قدره مليونا روبية أي ما يعادل 150 ألف دينار كويتي تقريبا لتكون أول ناقل جوي وطني في الكويت.
وسيرت هذه الشركة الوطنية الخاصة الرحلات الى كل من مدن بيروت والقدس ودمشق حتى عام 1955 لتواجه بعدها صعوبات مالية دفعت الحكومة الكويتية آنذاك الى تقديم المساعدة عبر تملك 50 في المئة من أسهمها فتضاعف رأسمال الشركة وتم تغيير اسمها الى (مؤسسة الخطوط الجوية الكويتي).
وفي عام 1960 تم تأسيس شركة طيران أخرى حملت اسم (شركة الطيران عبر العالم العربي) وتحولت الى منافس قوي ل(الخطوط الجوية الكويتية) في سوق محدودة جدا في حجمها آنذاك ما دفع المساهمين فيها الى بيع كامل أسهمهم للحكومة الكويتية التي تملكت بدورها الشركة بصورة كاملة عام 1962.
وشهد ذلك العام دخول مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية عصر (الطيران النفاث) للمرة الاولى بعد استئجارها أول طائرة ركاب مزودة بمحركات نفاثة في العالم ليعقب ذلك اتخاذ المؤسسة الخطوة بشراء اول طائرة نفاثة خاصة بها عام 1964 وهي (كومت سي 4).
ونتيجة لذلك توسعت شبكة (الكويتية) بسرعة وبدأت بتسيير رحلات منتظمة الى مدينة لندن ثلاث مرات أسبوعيا وسط طلب متزايد على السفر جوا الامر الذي لم يكن بمقدور طائرات (كومت) تلبيته.
وبات واضحا حاجة (الكويتية) الى طائرات نفاثة أكبر حجما ما دفع مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية الى استخدام ثلاث طائرات طراز (بوينغ – 707) في نوفمبر 1968 حتى بداية عام 1978 الذي شهد استكمال أسطول (الكويتية) من طراز الطائرات آنف الذكر.
وفي أغسطس 1978 دخلت (الكويتية) عصر الطائرات عريضة الهيكل بتسلمها أول طائرتين بوينغ (200 – بي 747) وأضيفت اليهما عام 1979 طائرة ثالثة وبهذه الخطوة تمكنت (الكويتية) عبر تلك الطائرات من توسيع شبكة خطوطها لتصل الى مدينة نيويورك غربا والعاصمة الفلبينية (مانيلا) شرقا في وقت استمر تحديث أسطول (الكويتية) لاسيما بعد تسلمها أربع طائرات طراز بوينغ (200 – بي 727) في عام 1981.
وحتى تلك المرحلة لم يعد استعمال طائرات (707) مجديا اقتصاديا بسبب كمية الوقود الكبيرة التي تستهلكها والارتفاع الكبير الحاصل في أسعار الوقود آنذاك ليتم استبدالها بجيل جديد من الطائرات ذات المحركين التي كانت أقل ضجيجا وأقل استهلاكا للوقود.
واشتملت خطوة الاستبدال على جلب ثماني طائرات إيرباص طراز (أيه 310:300 – 600) خلال عامي 1983 و 1984 فيما انضم بعدها الى أسطول المؤسسة ثلاث طائرات بوينغ طراز (767 – إي آر 200) وكان ذلك في عام 1986.
وحتى يوم الثاني من اغسطس عام 1990 الذي شهد الغزو العراقي للكويت كانت (الخطوط الجوية الكويتية) تستخدم أسطولا مكونا من 21 طائرة تقوم برحلات الى 42 محطة في 35 بلدا في قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية كما كانت هذه الطائرات تنقل نحو مليون و500 ألف مسافر و50 ألف طن من الحمولات سنويا.
ولما تحررت الكويت في فبراير 1991 كانت منشآت (الكويتية) و15 من طائراتها قد دمرت ونهبت لتقوم الحكومة الكويتية بعدها بإعادة بناء المؤسسة ووضعت خطة أساسية لتوسيع عملياتها في أرجاء العالم اشتملت على تجديد وتحديث أسطولها من الطائرات بتسلمها 17 طائرة جديدة من الطرازات المختلفة.
وأعادت (الكويتية) بناء أسطولها وهيكلها التنظيمي وشبكة خطوطها لتغطي أكثر من 46 مدينة منتشرة حول العالم مع التزامها بتقديم أفضل الخدمات وتوفير أكبر قسط ممكن من الرعاية لزبائنها وما زالت السلامة تمثل المرتبة الأولى بين أولوياتها.
وعقب مرور (الخطوط الجوية الكويتية) بكل تلك المحطات منذ التأسيس وبعد أن كانت الناقل الجوي الرائد في المنطقة ظهرت الصعوبات والعراقيل لتواجه (الطائر الازرق) في سنوات عدة أعاقت مسيرة النجاح اللافت المتحققة طيلة السنين.
ومن أبرز تلك الصعوبات والعراقيل تقادم اسطول الطائرات وكثرة المشكلات التقنية التي واجهتها بالرغم من الكفاءة الفنية التي تمتلكها (الكويتية) والمتمثلة بالكوادر الوطنية وتميزها الدائم في عنصري الامن والسلامة.
حتى بات الاهتمام ب (الطائر الازرق) مطلبا شعبيا ضروريا استجابت له السلطتان التنفيذية والتشريعية في شهر أكتوبر من عام 2007 اذ شهد الاعلان عن خصخصة المؤسسة وتحويلها الى شركة مساهمة عامة.
وتشمل هذه الخطوة توزيع ملكية الشركة بنسب متفاوتة حيث تم تخصيص 35 في المئة من ملكيتها لبيعها في مزاد لمستثمرين محليين وأجانب ونسبة 40 في المئة توزع على مواطنين كويتيين في طرح أولي عام ونسبة 20 في المئة للمؤسسات الخاصة الكويتية بينما توزع نسبة ال 5 في المئة الباقية على موظفي الشركة.
وشكلت خطوة اتخاذ هذا القرار انطلاقة حقيقية من أجل تدارك الوضع وإيجاد الرؤية المستقبلية الملائمة لمكانة الكويت ووضع (الطائر الازرق) في مقدم سرب شركات الطيران الاقليمية والعالمية في وقت اصبح معه قطاع الطيران داعما رئيسيا في اقتصادات كثير من الدول وعامل نمو اساسي لها.
ولعودة “الثقة الكاملة” التي افتقدها بعض ركاب الطائر الازرق لاسيما الكويتيين منهم والذين عرف عنهم كثرة السفر فإن الفترة الحالية تشهد بوادر وشواهد لعودة “قوية” مرتقبة للطائر الازرق لينافس شركات الطيران الاقليمية وحتى العالمية.
وقد نتج عن قرار التخصيص بخطوته الاولى تشكيل مجلس ادارة معني برسم استراتيجية بعيدة المدى للخطوط الجوية الكويتية ووضع رؤية واضحة لهذا ما أثمر عن توقيع عقود لشراء وتأجير طائرات جديدة من المصنعين (أيرباص) و(بوينغ) اخيرا.
وبعد طول انتظار تسلمت (الكويتية) في 18 ديسمبر 2014 أول طائرة جديدة مستأجرة من طراز (أيه 320) ضمن صفقة شرائها طائرات جديدة كانت ابرمتها مع شركة (ايرباص) الاوروبية لتمثل بداية تنفيذ خطة كبرى لتجديد اسطولها تزامنا مع التطور الذي يشهده قطاع الطيران في المنطقة.
وفي تلك المناسبة صرحت رئيس مجلس الادارة والعضو المنتدب في شركة الخطوط الجوية الكويتية رشا الرومي بأنها لحظة مهمة لشركة الخطوط الجوية الكويتية التي بدأت في تحديث اسطول طائراتها من جديد بعد توقف لسنوات.
وتشتمل الصفقة مع (ايرباص) على شراء 25 طائرة جديدة يبدأ تسلمها عام 2019 على أن يكتمل الاسطول عام 2022 وهي عبارة عن 15 طائرة (ايه 320 نيو) و10 طائرات (ايه 350) لتكون (الكويتية) من اوائل الشركات التي تستلم هذين الطرازين الحديثين من الطائرات.
وحتى ذلك الحين أي عام 2022 اتفقت (الكويتية) مع (ايرباص) على تسلم 12 طائرة جديدة بنظام الاستئجار تصل تباعا على فترات في الاشهر المقبلة (بدأت في ديسمبر الماضي كما ذكر آنفا) وهي عبارة عن سبع طائرات (ايه 320) ذات الممر الواحد للرحلات القصيرة وخمس طائرات (ايه 330) ذات الممرين للرحلات الطويلة.
وبعد هذا الحدث الذي طال انتظاره لسنوات بأيام قلائل وبالتحديد في 22 ديسمبر 2014 اعلنت (الخطوط الجوية الكويتية) من جديد توقيعها اتفاقية لشراء 10 طائرات من طراز بوينغ (ايه.ار. 300 – 777 بي) طويلة المدى وعريضة البدن والابرز في عالم الطيران يبدأ تسلم اربع منها في نوفمبر عام 2016.
وقالت الرومي في تلك المناسبة “بتوقيع هذه الاتفاقية تكون الكويتية استكملت برنامج تطوير اسطولها لتتكامل جميع انواع الطائرات وبعدد مناسب مما يضعها في مكانتها الرائدة ويؤهلها للمنافسة وتقديم الخدمات المميزة بين شركات الطيران المتقدمة”.
واضافت انه في ظل السعي لإعادة (الطائر الازرق) الى مكانته الطبيعية في تقديم افضل خدمات النقل الجوي لأبناء الوطن ولعملائها بأسطول حديث يحوز ثقتهم ويكون محلا لاعتزازهم “من المتوقع ان يكون صيف العام المقبل حافلا باستقبال العديد من الطائرات قصيرة وطويلة المدى ليتم استبدال الطائرات القديمة بالجديدة”.
ويترقب الكويتيون المرحلة الجديدة من تاريخ (الطائر الأزرق) حيث تتسم بالتحدي واثبات الذات باستراتيجية جديدة وبمفهوم القطاع الخاص واستغلال أدوات السوق ومرونة الخطط والسياسات وسرعة اتخاذ القرارات سعيا نحو استعادة (الكويتية) مكانتها الرائدة بالخليج والشرق الأوسط وبين الشركات العالمية.
وذكر مدير ادارة التسويق والمبيعات بالانابة في شركة الخطوط الجوية الكويتية محمد العنزي في تصريح سابق أن محور الاستراتيجية الجديدة للشركة يقوم على ربط الكويت بأهم المدن الاقتصادية والتجارية والسياحية بالعالم لتكون الكويت مركزا ماليا وتجاريا وثقافيا حسب توجيهات صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه.
وبين العنزي ان الاستراتيجية الجديدة تستند الى دخول الأسطول الجديد إلى الخدمة مطلع يناير 2015 تعتمد خلاله على التوسع الأفقي المدروس الى اتجاهات جديدة وتكثيف التشغيل الحالي لشبكة الخطوط او ما يسمى بالتوسع الرأسي للشبكة للاتجاهات الإقليمية والدولية ذات الكثافة بالطلب والعائد الاقتصادي.
وعدد ست سمات رئيسية للخطة التشغيلية الجديدة تتمثل في التشغيل المباشر والسريع لرحلات أوروبا وأمريكا ورحلات يومية إلى اتجاهات مدن الخليج والشرق الأوسط اضافة الى رحلتين يوميا إلى معظم الاتجاهات ذات الكثافة العالية بالطلب علاوة على تقليص فترات الانتظار (ترانزيت) بالمطارات.
واضاف ان من السمات ايضا ايجاد ربط للرحلات بمطار الكويت الدولي لربط اتجاهات الشرق مع اتجاهات الغرب والخليج إلى الشرق ومنطقة الشرق الأوسط والعكس فضلا عن تطوير معدلات الاستغلال اليومي للأسطول ليتماشى مع معدلات الشركات العالمية واخيرا وضع خطط تشغيلية مصغرة للسياحة الدينية والموسمية والصيفية.
واشار الى ان الخطط الجديدة للشركة ترتكز على الاستفادة القصوى والاستغلال الأمثل لعدد ساعات الطيران التشغيلية لبلوغ أرقام قياسية لاستغلال الطاقات المتاحة للأسطول الحالي والجديد معا لتحقيق الإيرادات القياسية وفقا لآليات الأسواق واستعادة حصص الخطوط الكويتية في سوق الكويت والأسواق الخارجية. ويبدو ان العام 2022 سيكون محطة تاريخية مهمة للناقل الوطني في مسيرة عمرها اكثر من 60 عاما رفرف عبرها (الطائر الازرق) في سماء العالم ستسعى من خلالها (الكويتية) بعد استكمال اسطولها الجديد المكون من 35 طائرة وتشغيله بجانب اسطولها السابق من الطائرات الى التحليق في المقدمة مع اسراب الطائرات العالمية الاخرى.