مقالات

حكم عرفي بتواطؤ «الأمة»

راكان بن حثلين

منذ أن جاء المجلس الحالي، بحلته الوديعة جداً، وهو يمارس سياسة التخدير مع الشعب، من خلال اطلاق الوعود البراقة، ورسم الأحلام الوردية، والتبشير بانجازات تغمر هذا الشعب، وتزيح كل التراكمات السيئة التي خلفتها السنون الماضية.

ولا شك أن حسن الظن أمر مستحسن ومطلوب، فكان من الشعب الصبر وانتظار الفرج، والحلم الموعود، ولكن الى متى؟
انتهى مفعول «البنج»، وفاض الصبر بهذا الشعب، وطفح الكيل، فالانجازات الموعودة لم تكن الا شعارات ودعاية يتغنى بها المجلس الحالي، لكنها في الحقيقة ظلت حبراً على ورق، وأرقاماً تحسب علينا كإنجازات تاريخية، مع أننا في الواقع لم نجن منها حتى الآن أي ثمرة.

وفي المقابل، وبدلا من اعتراف من يفترض أن يكونوا ممثلين للشعب «لا عليه»، بأنهم تلقوا «خازوق» من حكومة باعتهم الوهم، واستنفدت كل قطرة ماء في وجه المجلس الحالي، في تمرير كل المشاريع والقوانين التي تريدها على ظهورهم، نجد نوابا يسنون سننا غير مسبوقة، ما هي الا مناورات، وأبر بنج جديدة، لإعادة الشعب الى «غيبوبة» الانتظار، واطالة بقاء المقاعد الخضراء لمن لا يستحقها، من أجل الانتفاع وتحقيق المصالح والمكاسب الخاصة على ظهر الشعب.

وآخر البدع التي اخترعها بعض النواب، تحديد موعد 12 مارس المقبل لعقد جلسة خاصة لمناقشة التأخير الحكومي في تنفيذ القوانين التي أقرها المجلس واصدار لوائحها التنفيذية، في حين ان واجبهم ومسؤوليتهم السياسية تحتم عليهم مساءلة الحكومة بأكملها لاخلالها بالدستور، واستهانتها بمجلس الأمة، بعدم تنفيذها للقوانين التي صدر باسم «الأمة».

فتجاوز المدة الدستورية والقانونية المنصوص عليها في الدستور لتفعيل عدد كبير من القوانين التي أقرها مجلس الأمة، يدل على اما على استهانة الحكومة بالمجلس الحالي، أو تواطؤ السلطتين التشريعية والتنفيذية في بيع الوهم لهذا الشعب.

بعض النواب جعل من «التعاون» والحرص على الاستقرار شماعة لتعليق الرقابة، ومبررا لتجميد أدوات المساءلة السياسية، متناسين ان الاستقرار الأهم ليس باستمرار السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل باستمرار ثقة الشعب في هاتين السلطتين، وقناعته بأنهما فعلا يرعيان مصالحه. واذا كانت المادة 50 من الدستور نصت في فقرتها الأولى على مبدأ فصل السلطات مع تعاونها، فانها نصت في فقرتها الثانية على أنه «لا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصاتها»، وبالتالي فان تنازل النواب عن تفعيل ادوات الرقابة، هو بحد ذاته مخالفة للدستور.

الواقع الذي نعيشه اليوم، والمتمثل في استفراد الحكومة بتنفيذ القوانين او تعليقها، وتعطيل أحكام الدستور بتواطؤ من مجلس الأمة، هو تطبيق غير معلن للحكم العرفي من جانب الحكومة، او من جانب المهيمنين على مجلس الأمة، لأنه وبحسب الدستور «لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور الا أثناء قيام الأحكام العرفية».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.